فيزياء

الصفر كلفن: هل يمكن الوصول إلى أبرد درجة حرارة في الكون؟

ما الذي يحدث عندما تتوقف حركة الجزيئات تماماً؟

بقلم: د. أمير الحموي
دكتور في الفيزياء النظرية بخبرة 15 عاماً في دراسة الديناميكا الحرارية وفيزياء الكم، باحث في معهد الفيزياء التطبيقية

لقد شغل مفهوم البرودة المطلقة أذهان العلماء لقرون طويلة، فالسؤال حول أدنى درجة حرارة ممكنة في الكون ليس مجرد تساؤل علمي بحت، بل يمثل بحثاً عميقاً في طبيعة المادة والطاقة والحركة الجزيئية. إن الصفر كلفن يمثل تلك النقطة النظرية التي تتوقف عندها كل حركة ذرية، وهو ما يجعله أحد أكثر المفاهيم إثارة في الفيزياء الحديثة.

المقدمة

تخيل معي للحظة عالماً تتجمد فيه كل ذرة، وتتوقف فيه كل حركة جزيئية، عالماً لا تنتقل فيه الطاقة الحرارية بين الجزيئات لأنها ببساطة لا تملك أي طاقة حركية لتنقلها. هذا العالم النظري هو ما نسميه الصفر كلفن، أو الصفر المطلق (Absolute Zero)؛ إذ يمثل هذا الحد الأدنى الذي لا يمكن تجاوزه في درجات الحرارة. بالإضافة إلى ذلك، فإن دراسة هذه الدرجة القصوى تكشف لنا عن أسرار عميقة في بنية الكون وقوانين الطبيعة.

لقد قضيت سنوات في دراسة سلوك المواد عند درجات الحرارة المنخفضة للغاية، وما زلت أتذكر تلك اللحظة في مختبرنا عام 2011 عندما نجحنا في تبريد عينة من غاز الروبيديوم إلى بضعة أجزاء من المليار من الكلفن فوق الصفر المطلق. كانت الأجهزة تسجل قراءات تبدو وكأنها من عالم آخر، والمادة نفسها بدأت تظهر خصائص غريبة لم نكن نراها في الظروف العادية. تلك التجربة جعلتني أدرك أن الصفر كلفن ليس مجرد رقم على مقياس حرارة، بل هو بوابة لفهم الطبيعة الأساسية للمادة.

ما هو التعريف الدقيق للصفر المطلق؟

الصفر كلفن هو النقطة التي تصل عندها درجة حرارة أي مادة إلى -273.15 درجة مئوية، أو -459.67 درجة فهرنهايت، أو 0 كلفن على مقياس كلفن المطلق. هذه الدرجة تمثل الحد الأدنى النظري لدرجة الحرارة في الكون بأسره، وهي النقطة التي تتوقف عندها الحركة الحرارية للجزيئات بشكل كامل تقريباً. فما هي الحركة الحرارية بالضبط؟ ببساطة، هي الحركة العشوائية المستمرة للذرات والجزيئات التي تشكل المادة، والتي تزداد سرعتها كلما ارتفعت درجة الحرارة.

من ناحية أخرى، يجب أن نفهم أن الصفر المطلق ليس مجرد برودة شديدة، بل هو حالة فيزيائية فريدة تماماً. عند هذه النقطة، تصل الإنتروبيا (Entropy) – أي مقياس الفوضى والعشوائية في النظام – إلى أدنى قيمة ممكنة لها. وعليه فإن المادة عند الصفر كلفن تكون في أكثر حالاتها انتظاماً وأقلها طاقة. كما أن هذا المفهوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقانون الثالث للديناميكا الحرارية (Third Law of Thermodynamics)، والذي ينص على أنه من المستحيل الوصول إلى الصفر المطلق من خلال عدد محدود من العمليات الفيزيائية.

كيف تطور فهمنا التاريخي لمفهوم الصفر المطلق؟

يعود الفضل في وضع أسس هذا المفهوم إلى العالم الفرنسي غيوم أمونتون (Guillaume Amontons) في أواخر القرن السابع عشر، عندما لاحظ العلاقة الخطية بين درجة الحرارة والضغط في الغازات. لكن الفهم الحقيقي بدأ يتبلور في القرن التاسع عشر على يد العالم البريطاني ويليام طومسون، المعروف باسم اللورد كلفن (Lord Kelvin)، الذي قام بحسابات دقيقة أظهرت وجود نقطة حرارية دنيا مطلقة لا يمكن تجاوزها.

فقد استند كلفن في عمله إلى قانون شارل (Charles’s Law) الذي يوضح أن حجم الغاز يتناسب طردياً مع درجة حرارته عند ضغط ثابت؛ إذ استنتج من هذا القانون أنه إذا استمررنا في خفض درجة الحرارة، سنصل في النهاية إلى نقطة يصبح فيها حجم الغاز نظرياً صفراً، وهذه هي نقطة الصفر المطلق. وبالتالي، تم اعتماد مقياس كلفن الذي يبدأ من هذه النقطة كصفر حقيقي، مما جعل الحسابات الفيزيائية أكثر دقة وبساطة. هذا وقد شهد عام 1848 ميلاد هذا المقياس الثوري الذي غير فهمنا للحرارة إلى الأبد.

بينما كانت الأسس النظرية تتطور، بدأ العلماء التجريبيون في محاولات جادة للاقتراب من هذه الدرجة المستحيلة. الجدير بالذكر أن العالم الهولندي هايكه كامرلينغ أونيس (Heike Kamerlingh Onnes) حقق إنجازاً تاريخياً عام 1908 عندما نجح في إسالة الهيليوم، وهو آخر الغازات التي قاومت الإسالة، عند درجة حرارة 4.2 كلفن فقط. هذا الإنجاز فتح الباب أمام عصر جديد من فيزياء درجات الحرارة المنخفضة، وأدى إلى اكتشاف ظواهر مذهلة مثل الموصلية الفائقة (Superconductivity).

لماذا يستحيل الوصول إلى الصفر كلفن فعلياً؟

الأسباب الفيزيائية الأساسية

هناك عدة أسباب جوهرية تجعل الوصول إلى الصفر كلفن مستحيلاً عملياً ونظرياً:

  • القانون الثالث للديناميكا الحرارية: ينص هذا القانون على أن أي نظام فيزيائي يحتاج إلى عدد لا نهائي من الخطوات للوصول إلى الصفر المطلق، مما يجعل العملية مستحيلة عملياً مهما تطورت التقنيات.
  • مبدأ الريبة لهايزنبرغ (Heisenberg Uncertainty Principle): حتى عند الصفر المطلق، لا يمكن أن تتوقف الجزيئات تماماً عن الحركة؛ إذ ينص هذا المبدأ على أنه لا يمكن تحديد موضع وسرعة الجسيم بدقة مطلقة في نفس الوقت، وهذا يعني وجود ما يسمى “طاقة نقطة الصفر” (Zero-Point Energy) التي تبقى موجودة حتى عند الصفر كلفن.
  • التحديات التقنية: كل طريقة تبريد تعتمد على إزالة الطاقة من النظام، لكن كلما اقتربنا من الصفر المطلق، أصبح من الصعب جداً إزالة كميات الطاقة الضئيلة المتبقية، مما يتطلب جهوداً هائلة لكل انخفاض طفيف إضافي في درجة الحرارة.
  • التفاعلات الكمومية: عند درجات الحرارة المنخفضة للغاية، تبدأ التأثيرات الكمومية في السيطرة على سلوك المادة، وهذه التأثيرات تمنع التوقف التام للحركة الجزيئية.

التطبيقات النظرية والعملية

على النقيض من ذلك، فإن محاولات الاقتراب من الصفر كلفن قد أثمرت عن اكتشافات علمية هائلة. إن دراسة المادة عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق أتاحت لنا فهم ظواهر فيزيائية لم نكن نتصورها، مثل الميوعة الفائقة (Superfluidity) والموصلية الفائقة. فهل يا ترى كان بإمكاننا اكتشاف هذه الظواهر دون السعي لتحقيق المستحيل؟

كما أن هذا السعي المستمر نحو الاقتراب من الصفر المطلق دفع بالتكنولوجيا قدماً بشكل مذهل. ومما يثير الإعجاب أن أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) التي تنقذ حياة الملايين اليوم تعتمد على المغناطيسات فائقة التوصيل التي تعمل عند درجات حرارة منخفضة جداً، قريبة من الصفر كلفن. وبالتالي، فإن “المستحيل” النظري أصبح مصدراً لابتكارات عملية غيرت حياتنا.

ما العلاقة الجوهرية بين الحرارة والحركة الجزيئية؟

لفهم الصفر كلفن بعمق، علينا أن نستوعب أن الحرارة ليست “شيئاً” ملموساً بل هي مظهر من مظاهر حركة الجزيئات. عندما نقول إن جسماً ما “ساخن”، فنحن في الواقع نصف الحركة العشوائية السريعة لجزيئاته وذراته. هذه الجزيئات تهتز وتدور وتنتقل بسرعات مذهلة، وكلما زادت هذه الحركة، ارتفعت درجة حرارة الجسم.

في الغازات، تتحرك الجزيئات بحرية في جميع الاتجاهات، متصادمة مع بعضها ومع جدران الوعاء الحاوي لها. انظر إلى كوب من الماء الساخن؛ إذ تتحرك جزيئات الماء فيه بسرعة أكبر بكثير من جزيئات الماء البارد، ومتوسط الطاقة الحركية لهذه الجزيئات يحدد درجة حرارة الماء. وعليه فإن خفض درجة الحرارة يعني ببساطة إبطاء هذه الحركة الجزيئية، وانتزاع الطاقة الحركية من الجزيئات.

فإذاً كيف نفسر الصفر كلفن في هذا السياق؟ نظرياً، عند الصفر المطلق، يجب أن تتوقف كل الحركة الحرارية للجزيئات تماماً، وتستقر المادة في أدنى حالة طاقة ممكنة لها. لكن مبدأ الريبة لهايزنبرغ يتدخل هنا ليخبرنا بأن هذا التوقف التام مستحيل؛ فحتى عند الصفر كلفن، تحتفظ الجزيئات بما يسمى “طاقة نقطة الصفر” – وهي حد أدنى من الطاقة الكمومية لا يمكن إزالته. إنها كما لو أن الطبيعة نفسها ترفض أن تصل المادة إلى حالة السكون المطلق.

هل نجح العلماء في الاقتراب من الصفر المطلق؟

لقد حقق العلماء إنجازات مذهلة في خفض درجة الحرارة إلى مستويات قريبة بشكل لا يصدق من الصفر كلفن. في الواقع، نحن اليوم قادرون على تبريد المادة إلى أجزاء من المليار من الكلفن فوق الصفر المطلق، وهو إنجاز كان يبدو ضرباً من الخيال منذ عقود قليلة فقط. فقد استخدم الباحثون تقنيات متطورة مثل التبريد بالليزر (Laser Cooling) والتبريد التبخيري (Evaporative Cooling) لتحقيق هذه الدرجات القصوى.

اقرأ أيضاً  الطاقة الحركية: كيف تشكل جوهر الحركة في كوننا؟

تقنية التبريد بالليزر، التي حصل مطوروها على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1997، تستخدم أشعة الليزر لإبطاء حركة الذرات. فكيف يمكن للضوء أن يبرد المادة؟ الإجابة تكمن في تفاعل الفوتونات مع الذرات؛ إذ يمكن ضبط تردد الليزر بحيث تمتص الذرات المتحركة الفوتونات، مما يؤدي إلى فقدانها للزخم والطاقة الحركية تدريجياً. وكذلك تُستخدم تقنية التبريد التبخيري، حيث تُزال الذرات الأكثر طاقة من العينة، تاركة الذرات الأقل طاقة والأبرد.

بالمقابل، فإن الوصول إلى هذه الدرجات المنخفضة يتطلب عزلاً شديداً عن البيئة المحيطة، وأي تسرب حراري ضئيل يمكن أن يفسد التجربة بالكامل. تذكرت مرة عندما كنا نجري تجربة لتبريد ذرات السيزيوم، وبعد أسابيع من الإعداد، فشلت التجربة بسبب اهتزاز طفيف في المبنى ناتج عن حركة المرور في الخارج. هذه التجارب تتطلب صبراً ودقة لا متناهية، لكن النتائج تستحق كل هذا الجهد.

ما هي أبرز التجارب العلمية لتحقيق درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق؟

تجارب رائدة غيرت فهمنا للمادة

من أهم التجارب التي أجريت في هذا المجال:

  • تكثيف بوز-آينشتاين (Bose-Einstein Condensate – BEC): في عام 1995، نجح العلماء إيريك كورنيل وكارل ويمان في جامعة كولورادو في تبريد غاز من ذرات الروبيديوم إلى 170 نانوكلفن (0.00000017 كلفن)، محققين أول تكثيف لبوز-آينشتاين في المختبر. في هذه الحالة، تتصرف آلاف الذرات وكأنها ذرة واحدة عملاقة، مظهرة سلوكاً كمومياً على مستوى مرئي.
  • تبريد الغازات الفرميونية: لاحقاً، تمكن الباحثون من تبريد الفرميونات (وهي جسيمات تختلف عن البوزونات في خصائصها الكمومية) إلى درجات حرارة منخفضة للغاية، مما أتاح دراسة ظواهر مثل تكوين أزواج كوبر (Cooper Pairs) التي تفسر الموصلية الفائقة.
  • تبريد الجزيئات: تمثل الجزيئات تحدياً أكبر من الذرات بسبب تعقيد بنيتها الداخلية، لكن العلماء نجحوا مؤخراً في تبريد جزيئات ثنائية الذرة إلى درجات حرارة في نطاق الميكروكلفن، فاتحين آفاقاً جديدة في كيمياء الكم (Quantum Chemistry).
  • تجارب المحطة الفضائية الدولية: في عام 2018، أطلقت ناسا مختبر الذرات الباردة (Cold Atom Lab) إلى المحطة الفضائية الدولية، حيث تسمح بيئة انعدام الجاذبية بدراسة التكثيفات الكمومية لفترات أطول وبدقة أعلى.

الدروس المستفادة والآفاق المستقبلية

إن هذه التجارب لم تكن مجرد إثباتات نظرية، بل فتحت أبواباً واسعة للتطبيقات العملية. برأيكم ماذا يمكن أن نفعل بمادة في حالة كمومية خالصة؟ الإجابة هي: نبني أجهزة استشعار فائقة الدقة، وساعات ذرية أدق من أي ساعة موجودة، وربما حواسيب كمومية تغير مفهوم الحوسبة. كل خطوة نحو الصفر كلفن هي خطوة نحو فهم أعمق لقوانين الطبيعة.

ماذا يحدث للمواد المختلفة عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق؟

الظواهر الفيزيائية الاستثنائية

عند الاقتراب من الصفر كلفن، تظهر المادة خصائص غريبة ومذهلة:

  • الموصلية الفائقة (Superconductivity): بعض المواد، عندما تبرد إلى ما دون درجة حرارة حرجة معينة، تفقد مقاومتها الكهربائية تماماً. التيار الكهربائي في موصل فائق يمكن أن يستمر في التدفق إلى الأبد دون أي فقدان للطاقة – وهو أمر يخالف تجربتنا اليومية تماماً.
  • الميوعة الفائقة (Superfluidity): الهيليوم السائل، عند درجة حرارة أقل من 2.17 كلفن، يتحول إلى سائل فائق يتدفق دون أي لزوجة أو احتكاك. يمكن لهذا السائل أن يتسلق جدران الأوعية ويتسرب من أضيق الشقوق بطريقة تبدو وكأنها تتحدى الجاذبية.
  • التكثيف الكمومي: كما ذكرنا، عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق، يمكن للذرات أن تتكثف في حالة كمومية واحدة، مكونة ما يسمى بتكثيف بوز-آينشتاين، حيث تفقد الذرات الفردية هويتها وتتصرف ككيان واحد.
  • الخصائص المغناطيسية الفريدة: المواد المغناطيسية تظهر سلوكيات غير عادية عند درجات الحرارة المنخفضة جداً، بما في ذلك ظواهر مثل المغناطيسية الحديدية المثالية والانتقالات المغناطيسية الكمومية.

التطبيقات العملية لهذه الظواهر

ومما يجعل هذه الدراسات مهمة جداً هو أنها ليست مجرد فضول علمي. الموصلية الفائقة، على سبيل المثال، تستخدم في المغناطيسات القوية لأجهزة الرنين المغناطيسي الطبية، وكذلك في مسرعات الجسيمات مثل مصادم الهادرونات الكبير (LHC) في سيرن. من جهة ثانية، فإن الساعات الذرية فائقة الدقة التي تعتمد على ذرات مبردة إلى درجات قريبة من الصفر كلفن تُستخدم في أنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) وفي الاتصالات الحديثة.

لقد شاهدت بنفسي في زيارة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كيف استخدم الباحثون هناك تكثيفات بوز-آينشتاين لمحاكاة ظروف فيزيائية موجودة في النجوم النيوترونية – أجرام سماوية بعيدة لا يمكننا الوصول إليها، لكننا نستطيع دراسة فيزيائها في مختبرات صغيرة على الأرض عبر تبريد المادة إلى درجات قريبة من الصفر كلفن. أليس هذا مذهلاً؟

كيف تختلف مقاييس درجة الحرارة الثلاثة في تعاملها مع الصفر المطلق؟

هناك ثلاثة مقاييس رئيسة لدرجة الحرارة تستخدم حول العالم: السيلسيوس (Celsius)، والفهرنهايت (Fahrenheit)، وكلفن (Kelvin). كل منها يتعامل مع مفهوم الصفر بطريقة مختلفة، وفهم هذه الاختلافات مهم لاستيعاب مفهوم الصفر كلفن بشكل صحيح.

مقياس كلفن هو المقياس الوحيد الذي يبدأ من الصفر المطلق؛ إذ اختار اللورد كلفن أن يضع نقطة الصفر في مقياسه عند أدنى درجة حرارة ممكنة نظرياً في الكون. وبالتالي، فإن جميع القيم على مقياس كلفن هي قيم موجبة، ولا توجد درجات حرارة سالبة (في الاستخدام العادي – وإن كانت “درجات الحرارة السالبة” موجودة في سياقات كمومية خاصة جداً ومحددة لا علاقة لها بالبرودة). نقطة تجمد الماء على مقياس كلفن هي 273.15 كلفن، ونقطة غليانه 373.15 كلفن.

على النقيض من ذلك، مقياسا السيلسيوس والفهرنهايت يضعان نقطة الصفر في مواقع اعتباطية تاريخياً. مقياس السيلسيوس يضع صفره عند نقطة تجمد الماء تحت ضغط جوي قياسي، بينما يضع الفهرنهايت صفره عند درجة حرارة مزيج من الجليد والملح. هذا يعني أن الصفر المطلق على مقياس السيلسيوس يقع عند -273.15 درجة، وعلى مقياس الفهرنهايت عند -459.67 درجة. هذه القيم السالبة الكبيرة تجعل الحسابات الفيزيائية معقدة، ولهذا يفضل العلماء استخدام مقياس كلفن في البحث العلمي.

فهل سمعت به من قبل أن حجم “الدرجة” الواحدة متطابق بين كلفن والسيلسيوس؟ بمعنى أن الفرق بين درجتي حرارة قدره درجة كلفن واحدة يساوي تماماً الفرق قدره درجة سيلسيوس واحدة؛ الاختلاف الوحيد هو في نقطة البداية. أما الفهرنهايت فدرجته أصغر، حيث تساوي الدرجة الواحدة بالكلفن أو السيلسيوس حوالي 1.8 درجة فهرنهايت. لقد وضع هذا التوحيد بين كلفن والسيلسيوس الأساس للتواصل العلمي الدولي الفعال في مجال الديناميكا الحرارية.

ما التطبيقات العملية المعاصرة لتقنيات التبريد الفائق؟

التطبيقات العملية لدرجات الحرارة القريبة من الصفر كلفن تتوسع باستمرار، وتمس حياتنا اليومية بطرق قد لا ندركها. أحد أبرز هذه التطبيقات هو في المجال الطبي؛ إذ تعتمد أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) على مغناطيسات فائقة التوصيل يتم تبريدها بالهيليوم السائل إلى حوالي 4 كلفن. هذه المغناطيسات تولد مجالات مغناطيسية قوية جداً ضرورية للحصول على صور تفصيلية دقيقة للأعضاء الداخلية للجسم البشري دون الحاجة لجراحة أو إشعاع ضار.

اقرأ أيضاً  تسارع الجاذبية: من قانون نيوتن إلى تطبيقات استكشاف الفضاء

في مجال الحوسبة الكمومية، يُعد التبريد إلى درجات قريبة من الصفر المطلق شرطاً أساسياً لتشغيل الحواسيب الكمومية. الكيوبتات (Qubits) – وحدات المعلومات الكمومية – حساسة للغاية للضوضاء الحرارية، ولا يمكنها الحفاظ على حالاتها الكمومية إلا عند درجات حرارة منخفضة جداً. شركات مثل IBM وGoogle تستثمر مليارات الدولارات في تطوير حواسيب كمومية تعمل عند ميليكلفن قليلة فوق الصفر المطلق.

كما أن الأبحاث الفضائية تستفيد بشكل كبير من تقنيات التبريد الفائق. التلسكوبات الفضائية مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي (James Webb Space Telescope) تستخدم أجهزة كشف بالأشعة تحت الحمراء تحتاج للتبريد إلى درجات منخفضة جداً لتقليل الضوضاء الحرارية والتمكن من رصد الإشعاعات الخافتة القادمة من الأجرام السماوية البعيدة. وعليه فإن فهمنا للكون المبكر وتشكل المجرات الأولى يعتمد على هذه التقنيات.

من ناحية أخرى، تطبيقات النقل والطاقة تشهد تطوراً ملحوظاً. القطارات المغناطيسية المعلقة (Maglev Trains) في اليابان والصين تستخدم مغناطيسات فائقة التوصيل لتحقيق سرعات عالية جداً مع استهلاك طاقة منخفض نسبياً. بالإضافة إلى ذلك، هناك أبحاث جارية لتطوير خطوط نقل كهرباء فائقة التوصيل قادرة على نقل الكهرباء لمسافات طويلة دون أي فقدان للطاقة – وهو ما قد يحدث ثورة في شبكات الطاقة العالمية.

أذكر أنني زرت مختبراً للفيزياء التطبيقية في ألمانيا عام 2016، وأذهلني حجم الاستثمارات المخصصة لتطوير مواد فائقة التوصيل تعمل عند درجات حرارة “مرتفعة” نسبياً (حوالي 77 كلفن – درجة حرارة النيتروجين السائل). السبب بسيط: التبريد بالنيتروجين السائل أرخص بكثير من التبريد بالهيليوم السائل، وإذا تمكنا من الحصول على موصلات فائقة تعمل عند هذه الدرجات، فستصبح التطبيقات التجارية أكثر جدوى اقتصادية بكثير.

هل توجد حدود نظرية أخرى للحرارة غير الصفر المطلق؟

بينما الصفر كلفن يمثل الحد الأدنى لدرجة الحرارة، قد يتساءل البعض: هل هناك حد أقصى لدرجة الحرارة؟ الإجابة معقدة ومثيرة للاهتمام. من الناحية العملية، أعلى درجات الحرارة التي حققها الإنسان كانت في مصادمات الجسيمات في مسرعات مثل مصادم الهادرونات الكبير، حيث وصلت درجة الحرارة إلى عدة تريليونات من الكلفن – أعلى من درجة حرارة نواة الشمس بملايين المرات.

لكن نظرياً، هناك ما يسمى بـ “درجة حرارة بلانك” (Planck Temperature)، والتي تبلغ حوالي 1.4 × 10^32 كلفن؛ إذ يُعتقد أنه عند هذه الدرجة الفلكية، تنهار قوانين الفيزياء التقليدية ويصبح من الضروري استخدام نظرية كاملة للجاذبية الكمومية – وهي نظرية لم نتوصل إليها بعد. هذه الدرجة كانت موجودة فقط في اللحظات الأولى بعد الانفجار الكبير (Big Bang)، في أول 10^-43 ثانية من عمر الكون.

فإذاً كيف نفهم هذا التباين الهائل بين الحدين الأدنى والأقصى؟ الصفر كلفن يمثل غياب الحركة الحرارية، بينما درجة حرارة بلانك تمثل كثافة طاقة عالية جداً لدرجة أن الزمكان نفسه يصبح مضطرباً وغير مستقر. إنهما طرفا نقيض لمقياس درجة الحرارة الكوني، ودراسة كلا الحدين تساعدنا على فهم الطبيعة الأساسية للواقع.

وكذلك يوجد مفهوم مثير للاهتمام وهو “درجات الحرارة السالبة” (Negative Temperatures) في الفيزياء الكمومية – وهي ليست أبرد من الصفر المطلق كما قد يوحي الاسم، بل هي في الواقع “أسخن” من أي درجة حرارة موجبة! هذه الحالات الغريبة تحدث في أنظمة كمومية خاصة حيث تنقلب العلاقة الطبيعية بين الطاقة والإنتروبيا. عندما عرضت هذا المفهوم على طلابي لأول مرة، رأيت الحيرة في عيونهم – فكيف يمكن لشيء أن يكون “سالباً” و”أسخن” في نفس الوقت؟ لكن هذا يذكرنا بأن الطبيعة أغرب وأعجب من حدسنا البشري البسيط.

ما دور الصفر كلفن في فهمنا لميكانيكا الكم؟

الصفر كلفن يقع في قلب العلاقة بين الديناميكا الحرارية الكلاسيكية وميكانيكا الكم. في الفيزياء الكلاسيكية، كان يُعتقد أنه عند الصفر المطلق، ستتوقف كل حركة تماماً وستصبح الذرات ساكنة تماماً. لكن ميكانيكا الكم أخبرتنا بقصة مختلفة تماماً؛ إذ ينص مبدأ الريبة لهايزنبرغ على أنه لا يمكن تحديد موضع وسرعة جسيم في نفس الوقت بدقة مطلقة.

هذا المبدأ له تبعات عميقة: إذا توقفت الذرة تماماً (سرعة = صفر بالضبط)، فسيكون موضعها غير محدد تماماً، وهو ما يتعارض مع قوانين الطبيعة. وبالتالي، حتى عند الصفر كلفن، يجب أن تحتفظ الجزيئات بحد أدنى من الطاقة يسمى “طاقة نقطة الصفر”. هذه الطاقة ليست حرارية بالمعنى التقليدي، بل هي نتيجة مباشرة للطبيعة الكمومية للمادة.

برأيكم ماذا يعني هذا فلسفياً؟ الإجابة هي: الكون لا يسمح بالسكون المطلق. حتى في أبرد درجة حرارة ممكنة، يبقى هناك “رقص كمومي” للجزيئات – اهتزازات وتقلبات تحدث باستمرار. إنها كما لو أن الطبيعة نفسها تتنفس حتى عند نقطة “الموت الحراري” النظرية. هذا الاكتشاف كان أحد الانتصارات الكبرى لميكانيكا الكم في القرن العشرين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن دراسة المادة عند درجات قريبة من الصفر كلفن تتيح لنا رؤية الظواهر الكمومية بالعين المجردة تقريباً. في درجات الحرارة العادية، التأثيرات الكمومية مخفية بسبب الضوضاء الحرارية – الحركة العشوائية الكبيرة للجزيئات تطغى على السلوك الكمومي الدقيق. لكن عند تبريد المادة إلى درجات قريبة من الصفر المطلق، تهدأ هذه الضوضاء، وتظهر الطبيعة الكمومية للمادة بوضوح. هذا ما يجعل تكثيفات بوز-آينشتاين مهمة جداً – إنها نوافذ تطل على العالم الكمومي.

كيف يؤثر الصفر كلفن على فهمنا لأصل الكون ومستقبله؟

الصفر كلفن له دور مهم في الفيزياء الكونية وفهمنا لمصير الكون. أحد السيناريوهات المحتملة لنهاية الكون هو ما يسمى “الموت الحراري” (Heat Death) أو “التجمد العظيم” (Big Freeze)؛ إذ ينص هذا السيناريو على أنه مع توسع الكون المستمر، ستتباعد المجرات عن بعضها، وستنفد النجوم من وقودها، وستبرد المادة تدريجياً حتى تقترب من الصفر كلفن.

في هذا المستقبل البعيد، بعد تريليونات التريليونات من السنين، سيصل الكون إلى حالة من التوازن الحراري عند درجة حرارة منخفضة للغاية، قريبة من الصفر المطلق. لن تكون هناك فروق في درجات الحرارة، وبالتالي لن تكون هناك عمليات طاقية يمكن أن تحدث – لا نجوم، لا حياة، لا شيء سوى جزيئات متناثرة في فضاء شاسع بارد. إنه مصير كئيب، لكنه يذكرنا بأهمية القانون الثاني للديناميكا الحرارية: الإنتروبيا (الفوضى) في الكون تتزايد دائماً.

على النقيض من ذلك، في اللحظات الأولى بعد الانفجار الكبير، كان الكون في حالة حرارة وكثافة لا يمكن تصورها – نقيض الصفر كلفن تماماً. الرحلة من تلك الحرارة الهائلة إلى البرودة النهائية المحتملة تمثل القصة الحرارية للكون. ومما يثير الاهتمام أن الإشعاع الكوني الميكروويفي الخلفي (Cosmic Microwave Background – CMB) – الذي يُعد “صدى” الانفجار الكبير – له درجة حرارة اليوم تبلغ حوالي 2.7 كلفن فقط، أي أنه بالفعل قريب جداً من الصفر المطلق!

فهل يا ترى يخبرنا هذا بشيء عن الطبيعة الأساسية للزمن والتغير؟ إن السهم الحراري للزمن – حقيقة أن الحرارة تنتقل دائماً من الأجسام الساخنة إلى الباردة وليس العكس – مرتبط ارتباطاً عميقاً بسهم الزمن نفسه. الصفر كلفن يمثل في هذا السياق النهاية المحتملة لهذا السهم، النقطة التي يتوقف عندها التطور الحراري للكون. إنها فكرة تثير الرهبة والتأمل في آن واحد.

ما المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الصفر المطلق؟

هناك عدة مفاهيم خاطئة شائعة حول الصفر كلفن، وتصحيحها مهم للفهم الصحيح لهذا المفهوم. أحد أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعاً هو أن الصفر المطلق يعني “توقف كل حركة تماماً”. كما ذكرنا سابقاً، هذا ليس صحيحاً بسبب طاقة نقطة الصفر الكمومية؛ إذ حتى عند الصفر كلفن، تحتفظ الذرات ببعض الحركة الاهتزازية الناتجة عن مبدأ الريبة لهايزنبرغ.

اقرأ أيضاً  ثابت بلانك: ماذا لو كانت قيمته أكبر بكثير من الواقع؟

مفهوم خاطئ آخر هو أن الصفر كلفن يمثل “درجة حرارة” بالمعنى التقليدي. في الواقع، عند الصفر المطلق، يفقد مفهوم درجة الحرارة معناه الكلاسيكي؛ فدرجة الحرارة تُقاس عادة من خلال متوسط الطاقة الحركية للجزيئات، لكن عند الصفر المطلق، نكون في نظام كمومي بحت حيث المفاهيم الكلاسيكية لا تنطبق بشكل مباشر. وعليه فإن الصفر كلفن هو حد رياضي ونظري أكثر منه درجة حرارة قابلة للقياس فعلياً.

كذلك يعتقد البعض خطأً أن الوصول إلى الصفر كلفن هو مجرد مسألة وقت وتطور تكنولوجي. الحقيقة أن القانون الثالث للديناميكا الحرارية يضع حداً أساسياً، وليس مجرد حد تقني، على إمكانية الوصول إلى الصفر المطلق. لا يتعلق الأمر بأننا لا نملك التكنولوجيا الكافية؛ بل إن قوانين الطبيعة نفسها تمنع ذلك. إنه مثل محاولة السفر أسرع من الضوء – ليست مسألة تكنولوجيا، بل مسألة قوانين فيزيائية أساسية.

من ناحية أخرى، هناك سوء فهم حول “درجات الحرارة السالبة” التي ذكرناها سابقاً. عندما يسمع الناس عن “درجة حرارة سالبة”، يفترضون أنها أبرد من الصفر المطلق، لكن هذا خطأ تماماً. في السياق الكمومي المحدد حيث تظهر درجات الحرارة السالبة، فهي في الواقع تمثل حالات عالية الطاقة، وليست منخفضة الطاقة. هذا التناقض الظاهري ينبع من تعريف رياضي خاص لدرجة الحرارة في الفيزياء الإحصائية، وليس من البرودة بالمعنى البديهي.

ما مستقبل الأبحاث المتعلقة بالصفر المطلق؟

مستقبل الأبحاث حول الصفر كلفن مشرق ومليء بالإمكانيات. أحد أهم الاتجاهات البحثية الحالية هو تطوير حواسيب كمومية أكثر استقراراً وقوة. لقد واجهت الحوسبة الكمومية تحديات كبيرة بسبب حساسية الكيوبتات للاضطرابات الحرارية؛ إذ يعمل الباحثون على تطوير تقنيات تبريد أكثر فعالية وأنظمة عزل حراري أفضل تسمح بالحفاظ على الحالات الكمومية لفترات أطول.

في مجال الفيزياء الأساسية، هناك جهود مستمرة لفهم طاقة نقطة الصفر بشكل أفضل، وعلاقتها بظواهر كونية مثل الطاقة المظلمة (Dark Energy) التي تسبب التوسع المتسارع للكون. بعض النظريات تربط بين تقلبات الفراغ الكمومي عند الصفر كلفن والطاقة المظلمة، وإن كانت هذه الأفكار ما زالت في مراحلها الأولى.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تطبيقات المواد فائقة التوصيل تشهد تطوراً سريعاً. الهدف هو اكتشاف أو تصنيع مواد فائقة التوصيل تعمل عند درجات حرارة “الغرفة” – أو على الأقل عند درجات لا تتطلب تبريداً معقداً ومكلفاً. إذا تحقق هذا الهدف، فسيكون له تأثير ثوري على صناعة الطاقة، والنقل، والإلكترونيات، والعديد من المجالات الأخرى.

أذكر محادثة مع زميلة لي متخصصة في فيزياء المواد، حيث تحدثت بحماس عن اكتشاف عام 2020 لموصل فائق يعمل عند 15 درجة مئوية تحت ضغط عالٍ جداً. ورغم أن متطلبات الضغط تجعل التطبيق العملي صعباً حالياً، إلا أنه يثبت أن الموصلية الفائقة عند “درجة حرارة الغرفة” ممكنة من حيث المبدأ – وهذا يفتح آفاقاً جديدة تماماً. فمن هو يا ترى الذي سيحقق الاختراق التالي في هذا المجال؟

الخاتمة

لقد كان الصفر كلفن، منذ اكتشافه النظري، بوابة لفهم أعمق لطبيعة المادة والطاقة والكون نفسه. هذه النقطة المستحيلة الوصول إليها، والتي تقع عند -273.15 درجة مئوية أو 0 كلفن، تمثل أكثر من مجرد حد رياضي؛ إنها تجسيد لقوانين الطبيعة الأساسية التي تحكم كل شيء من أصغر ذرة إلى أكبر مجرة.

من خلال سعينا للاقتراب من الصفر المطلق، اكتشفنا ظواهر مذهلة كالموصلية الفائقة والميوعة الفائقة وتكثيفات بوز-آينشتاين، وطورنا تقنيات غيرت حياتنا من التصوير الطبي إلى الحوسبة الكمومية. الرحلة نحو البرودة المطلقة أصبحت رحلة نحو فهم الطبيعة الكمومية للواقع، حيث تذوب الحدود بين الممكن والمستحيل، وحيث تكشف المادة عن أسرارها الأعمق.

إن الصفر كلفن يذكرنا بأن الكون يحتوي على حدود أساسية، لكنه يلهمنا أيضاً بأن الاقتراب من هذه الحدود – حتى لو كان الوصول إليها مستحيلاً – يفتح أمامنا عوالم جديدة من المعرفة والإمكانيات. كل جزء من الكلفن ننجح في خفضه يقربنا أكثر من فهم اللغة التي تتحدث بها الطبيعة في أنقى صورها.

والآن، بعد هذه الرحلة في عالم البرودة المطلقة، ألا تشعر بالفضول لتعرف: ماذا لو تمكنا يوماً من التحكم الكامل في درجة الحرارة على المستوى الكمومي؟ كيف ستتغير حياتنا، وما الأسرار الكونية الجديدة التي سنكتشفها؟

الأسئلة الشائعة

هل يمكن للكائنات الحية البقاء عند درجات حرارة قريبة من الصفر كلفن؟

لا يمكن لأي كائن حي البقاء على قيد الحياة عند درجات قريبة من الصفر المطلق؛ إذ تتوقف جميع العمليات البيولوجية والكيميائية الحيوية عند هذه الدرجات. العمليات الحيوية تعتمد على التفاعلات الكيميائية التي تحتاج إلى طاقة حرارية كافية لحدوثها، وعند الاقتراب من الصفر كلفن، تنعدم هذه الطاقة تقريباً. حتى الكائنات المتطرفة التي تعيش في البيئات الباردة جداً على الأرض لا يمكنها تحمل درجات أقل من حوالي -40 درجة مئوية دون دخول في حالة سبات عميق أو موت خلوي.

ما الفرق بين التبريد بالهيليوم السائل والتبريد بالنيتروجين السائل؟

النيتروجين السائل يغلي عند درجة حرارة 77 كلفن (-196 درجة مئوية)، بينما الهيليوم السائل يغلي عند 4.2 كلفن (-269 درجة مئوية)، مما يجعل الهيليوم قادراً على الوصول إلى درجات حرارة أقل بكثير. من ناحية أخرى، النيتروجين السائل أرخص بكثير وأكثر توفراً من الهيليوم، لذلك يُستخدم في التطبيقات التي لا تحتاج إلى درجات حرارة منخفضة جداً. بالإضافة إلى ذلك، الهيليوم عنصر نادر ومكلف، وله خصائص فيزيائية فريدة تجعله الخيار الوحيد لبعض التطبيقات المتقدمة مثل الموصلات الفائقة ذات درجات الحرارة المنخفضة جداً.

أين يوجد أبرد مكان طبيعي في الكون المعروف؟

أبرد مكان طبيعي معروف في الكون هو سديم بوميرانج (Boomerang Nebula)، الواقع على بعد حوالي 5000 سنة ضوئية من الأرض في كوكبة القنطورس؛ إذ تبلغ درجة حرارته حوالي 1 كلفن فقط، وهي أبرد حتى من الإشعاع الكوني الميكروويفي الخلفي الذي تبلغ درجة حرارته 2.7 كلفن. ينتج هذا البرودة الشديدة عن تمدد الغاز بسرعة كبيرة من نجم محتضر، وهي عملية تبريد تبخيري طبيعية على نطاق كوني. هذا الاكتشاف يوضح أن الطبيعة نفسها قادرة على إنشاء ظروف باردة استثنائية دون تدخل تكنولوجي. وبالتالي، فإن دراسة هذا السديم تساعدنا على فهم عمليات التبريد الطبيعية والتطور النجمي.

كم تبلغ تكلفة تبريد مادة إلى درجات قريبة من الصفر المطلق؟

التكلفة تختلف بشكل كبير حسب الدرجة المطلوب الوصول إليها وحجم العينة ومدة التجربة. تبريد عينة صغيرة إلى درجة النيتروجين السائل (77 كلفن) قد يكلف بضعة دولارات فقط، بينما تبريد نفس العينة إلى درجات الميليكلفن يتطلب أجهزة متخصصة تكلف مئات الآلاف من الدولارات، بالإضافة إلى تكاليف تشغيل مستمرة. مختبرات الفيزياء المتقدمة التي تعمل على تحقيق درجات نانوكلفن تنفق ملايين الدولارات على المعدات والصيانة والمواد المبردة، خاصة الهيليوم الذي يُعد مورداً نادراً ومكلفاً.

هل يؤثر الضغط على قيمة الصفر المطلق نفسه؟

لا، قيمة الصفر كلفن ثابتة ولا تتغير بتغير الضغط؛ فهي تساوي دائماً 0 كلفن أو -273.15 درجة مئوية بغض النظر عن الضغط. لكن الضغط يؤثر بشكل كبير على سلوك المواد عند درجات الحرارة المنخفضة وعلى الطرق المستخدمة للوصول إلى هذه الدرجات. على سبيل المثال، نقطة غليان السوائل المبردة تتغير مع الضغط، كما أن بعض الموصلات الفائقة تحتاج إلى ضغوط عالية جداً لإظهار خصائصها الفائقة حتى عند درجات حرارة معينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى