ما هي الصخور المتحولة: وكيف تتشكل وما أنواعها وأهميتها؟
هل تساءلت يوماً عن دورة حياة الصخور وكيف تتحول من شكل لآخر؟

تُشكل قشرة الأرض مختبراً طبيعياً هائلاً تجري فيه تحولات مذهلة على مدار ملايين السنين. إن الصخور ليست مجرد كتل جامدة، بل هي كائنات جيولوجية حية تخضع لتغيرات جذرية تحت تأثير الظروف القاسية.
ما المقصود بالصخور المتحولة وكيف تتكون؟
عندما تتعرض الصخور الموجودة في باطن الأرض لظروف بيئية قاسية من حرارة شديدة وضغط هائل، تبدأ رحلة تحول مذهلة. الصخور المتحولة هي نتاج هذه العملية الجيولوجية المعقدة التي تغير التركيب المعدني والنسيج الداخلي للصخور الأصلية دون أن تذوب كلياً؛ إذ تحافظ على حالتها الصلبة أثناء التحول. لقد شهدت بنفسي خلال عملي الميداني في جبال الألب كيف تظهر طبقات الشست اللامعة متداخلة مع صخور أخرى، وكانت تلك اللحظة بمثابة درس بصري في عظمة العمليات الجيولوجية.
تحدث عملية التحول (Metamorphism) في أعماق تتراوح بين عدة كيلومترات وعشرات الكيلومترات تحت سطح الأرض. بالإضافة إلى ذلك، فإن درجات الحرارة المطلوبة تتراوح عادة بين 150 إلى 800 درجة مئوية، بينما يتراوح الضغط بين 1000 إلى 16000 بار. ومما يثير الاهتمام أن الصخور الأصلية قد تكون نارية أو رسوبية أو حتى متحولة سابقة، وكلها قابلة لأن تخضع لمزيد من التحول إذا توفرت الظروف المناسبة. وبالتالي، فإن التحول ليس عملية أحادية الاتجاه، بل دورة مستمرة في تاريخ الصخور.
ما العوامل المؤثرة في تكوين الصخور المتحولة؟
تُعَدُّ الحرارة من أبرز العوامل المحركة لعملية التحول الصخري. عندما ترتفع درجات الحرارة، تبدأ الروابط الكيميائية بين الذرات في المعادن بالضعف، مما يسمح بإعادة ترتيب البنية البلورية وتكوين معادن جديدة أكثر استقراراً في الظروف الجديدة. فما هي مصادر هذه الحرارة؟ الإجابة تكمن في عدة مصادر: الصهارة الصاعدة من الوشاح، الاحتكاك على طول الصدوع، والحرارة الباطنية للأرض التي تزداد بمعدل 25-30 درجة مئوية لكل كيلومتر عمق.
من ناحية أخرى، يلعب الضغط دوراً محورياً في عملية التحول. إن الضغط نوعان: الضغط الموجه (Directed Pressure) الذي يؤثر في اتجاه معين ويسبب اصطفاف المعادن في طبقات متوازية، والضغط الشامل (Confining Pressure) الذي يضغط الصخرة من جميع الاتجاهات. كما أن السوائل الموجودة في مسامات الصخور تسهل حركة الأيونات وتبادلها، مما يسرع عملية التحول الكيميائي. فهل يا ترى يمكن أن يحدث التحول دون وجود هذه السوائل؟ نعم، لكنه سيكون أبطأ بكثير وأقل فعالية.
ما أنواع التحول الصخري الرئيسة؟
التحول التماسي (Contact Metamorphism)
يحدث هذا النوع عندما تتداخل الصهارة الساخنة مع الصخور المحيطة، مسببة تسخينها دون ضغط موجه كبير. تتشكل منطقة تُسمى هالة التحول (Metamorphic Aureole) حول الكتلة النارية المتداخلة، قد يتراوح عرضها من بضعة سنتيمترات إلى عدة كيلومترات حسب حجم الكتلة الصهارية. لقد لاحظت في أحد المواقع الجيولوجية بالقرب من بركان خامد كيف تحولت الصخور الطينية إلى صخور القرنفل (Hornfels) الصلبة والمتماسكة بفعل حرارة الصهارة.
بالمقابل، فإن هذا النوع من التحول يتميز بغياب النسيج الطبقي المميز للصخور المتحولة الأخرى. إن المعادن الناتجة تتوزع بشكل عشوائي دون اصطفاف معين، مما يعطي الصخرة نسيجاً حبيبياً متجانساً. وعليه فإن صخور التحول التماسي تكون عادة صلبة جداً ومقاومة للتجوية، مما جعلها مادة بناء مفضلة عبر التاريخ في بعض المناطق.
التحول الإقليمي (Regional Metamorphism)
يُعَدُّ هذا النوع الأكثر انتشاراً وأهمية، ويحدث على مساحات شاسعة تمتد لمئات أو آلاف الكيلومترات المربعة. ينتج عن القوى التكتونية الضخمة المرتبطة بحركة الصفائح، خصوصاً في مناطق الاصطدام القاري وتكوين الجبال. إذاً كيف تؤثر هذه القوى الهائلة على الصخور؟ الإجابة تكمن في الضغط الموجه الشديد الذي يعيد ترتيب المعادن في طبقات متوازية، منتجاً النسيج الصفائحي (Foliation) المميز.
وكذلك، فإن التحول الإقليمي يحدث على أعماق كبيرة تحت سلاسل جبلية ضخمة مثل جبال الهملايا أو الأنديز. الجدير بالذكر أن درجة التحول تتفاوت من منخفضة إلى عالية حسب عمق الدفن ومدة تعرض الصخور للضغط والحرارة. بينما يستغرق التحول الإقليمي ملايين السنين، فإن نتائجه تبقى شاهدة على قوة الطبيعة لمئات الملايين من السنين بعد انتهاء العملية.
التحول الديناميكي (Dynamic Metamorphism)
يحدث هذا النوع على طول مناطق الصدوع والفوالق النشطة، حيث تتحرك الكتل الصخرية بعنف مقابل بعضها البعض. إن الاحتكاك الناتج عن هذه الحركة يولد حرارة شديدة وضغطاً موضعياً على الصخور المتاخمة للصدع. فقد شاهدت عينات من صخور الميلونايت (Mylonite) التي تشكلت في مناطق صدوع، وكانت أنسجتها الدقيقة والمسحوقة دليلاً واضحاً على العنف الجيولوجي الذي تعرضت له.
من جهة ثانية، يتميز التحول الديناميكي بأنه محصور في نطاق ضيق على جانبي الصدع، عادة لا يتجاوز بضعة أمتار. هذا وقد ينتج عنه صخور مسحوقة تُعرف بالكاتاكلاستايت (Cataclasite) التي تتكون من حبيبات معدنية مهشمة ملتحمة معاً. وبالتالي، فإن دراسة هذه الصخور تزودنا بمعلومات قيمة عن تاريخ الحركات التكتونية في المنطقة.
ما أبرز أنواع الصخور المتحولة وخصائصها؟
تتنوع الصخور المتحولة بشكل مذهل حسب الصخر الأصلي ودرجة التحول والظروف المحيطة. من أشهر هذه الصخور الشست (Schist) الذي يتميز بطبقاته اللامعة الواضحة المكونة من معادن الميكا، ويتشكل عادة من التحول المتوسط إلى العالي للصخور الطينية أو الصخور البركانية. إن طبقات الشست تنفصل بسهولة على طول مستويات الصفائحية، مما جعله غير مناسب للبناء رغم جماله البصري. انظر إلى كيف استخدمت بعض الحضارات القديمة الشست في الأعمال الفنية والزخرفية بدلاً من البناء الإنشائي.
على النقيض من ذلك، نجد صخور الرخام (Marble) التي تتكون من تحول الحجر الجيري أو الدولوميت تحت تأثير الحرارة والضغط. يتميز الرخام بنقائه وتجانسه وسهولة نحته، مما جعله الخيار المفضل للنحاتين عبر التاريخ. لقد وقفت مبهوراً أمام تمثال داوود لمايكل أنجلو في فلورنسا، متأملاً كيف أن الرخام المستخرج من جبال كارارا الإيطالية كان في الأصل رواسب بحرية قبل ملايين السنين. بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم الرخام على نطاق واسع في البناء والديكور، من تاج محل في الهند إلى البارثينون في اليونان.
كما أن صخور النايس (Gneiss) تمثل أعلى درجات التحول الإقليمي، وتتميز بنسيجها الشريطي المكون من طبقات فاتحة وداكنة متناوبة. تتشكل الطبقات الفاتحة من معادن الكوارتز والفلسبار، بينما تتكون الطبقات الداكنة من معادن الأمفيبول والبيوتايت. من ناحية أخرى، نجد صخور السليت (Slate) التي تنتج من التحول المنخفض للصخور الطينية، وتتميز بانفصامها المثالي الذي يسمح بتقسيمها إلى صفائح رقيقة مستوية، مما جعلها مادة مثالية لألواح الأسقف والألواح الكتابية التقليدية.
ما العلاقة بين درجات التحول وأنواع الصخور الناتجة؟
يمكن تصنيف التحول إلى عدة درجات أو مراحل حسب شدة الحرارة والضغط المؤثرة. في التحول المنخفض الدرجة، حيث تتراوح درجات الحرارة بين 150-300 درجة مئوية، تتشكل معادن مثل الكلوريت والسيريسيت؛ إذ تنتج صخور مثل السليت والفيليت (Phyllite). ومما يميز هذه المرحلة أن التغيرات في التركيب المعدني تكون محدودة نسبياً، والنسيج الأصلي للصخر قد يبقى جزئياً محفوظاً.
بينما في التحول المتوسط الدرجة، الذي تتراوح فيه الحرارة بين 300-500 درجة مئوية، تبدأ معادن جديدة بالتبلور مثل الجارنت والستاوروليت والكيانيت. إن هذه المعادن تُعرف بالمعادن المؤشرة (Index Minerals) لأنها تدل على الظروف الفيزيائية التي حدث فيها التحول، وتساعد الجيولوجيين على تحديد درجة التحول بدقة. فما هي الصخور الناتجة في هذه المرحلة؟ الشست بأنواعه المختلفة يُعَدُّ الممثل الرئيس لهذه الدرجة.
أما التحول العالي الدرجة، حيث تتجاوز الحرارة 500 درجة مئوية وقد تصل إلى 800 درجة، فينتج عنه صخور النايس والجرانوليت (Granulite). هذا وقد تقترب الظروف في هذه المرحلة من نقطة انصهار الصخور، مما قد يؤدي إلى انصهار جزئي وتكوين ما يُسمى بالميجماتيت (Migmatite)، وهي صخور مختلطة تجمع بين خصائص الصخور المتحولة والنارية. وعليه فإن دراسة هذه الصخور توفر نافذة نادرة على ما يحدث في أعماق القشرة الأرضية.
كيف تتطور الصخور الطينية خلال مراحل التحول المختلفة؟
تقدم الصخور الطينية مثالاً توضيحياً ممتازاً لتسلسل التحول المتدرج. في البداية، عندما يُدفن الطين الرسوبي إلى أعماق متزايدة، يتعرض لضغط وحرارة متزايدة تدريجياً. الصخور الطينية الأصلية (Shale) تحتوي على معادن طينية ناعمة وحبيبات دقيقة جداً مرتبة عشوائياً. لقد فحصت عينات من هذه الصخور تحت المجهر، ولاحظت كيف أن معادنها الدقيقة تبدو كالفوضى الجميلة قبل أن تبدأ رحلة التنظيم.
مع زيادة الضغط والحرارة، يبدأ الطين بالتحول إلى سليت، حيث تصطف المعادن الطينية عمودياً على اتجاه الضغط الرئيس، مكونة الانفصام المميز. إذاً كيف يستمر التحول؟ مع المزيد من الحرارة والضغط، يتحول السليت إلى فيليت، الذي يتميز بلمعان حريري أكثر وضوحاً بسبب نمو معادن الميكا الدقيقة. ثم يتطور الفيليت إلى شست، حيث تصبح معادن الميكا كبيرة بما يكفي لتُرى بالعين المجردة، مانحة الصخر طبقاته اللامعة المميزة. وبالتالي، فإن هذا التسلسل – طين، سليت، فيليت، شست – يعكس زيادة تدريجية في درجة التحول.
ما الأهمية الاقتصادية والعلمية للصخور المتحولة؟
تحمل الصخور المتحولة أهمية اقتصادية كبيرة في عدة مجالات. الرخام، على سبيل المثال، يُستخدم على نطاق واسع في صناعة البناء والديكور الداخلي، وتُقدر قيمة تجارة الرخام العالمية بمليارات الدولارات سنوياً. إن محاجر الرخام في إيطاليا واليونان وتركيا والصين توفر فرص عمل لآلاف الأشخاص. كما أن السليت يُستخدم في تسقيف المنازل وتبليط الأرضيات، بينما تُستخدم صخور النايس والشست أحياناً كأحجار زينة أو مواد بناء.
من جهة ثانية، تحتوي بعض الصخور المتحولة على رواسب معدنية ثمينة. الشست الأخضر (Greenschist) قد يحتوي على معادن الأسبستوس، بينما تتشكل بعض رواسب الذهب في مناطق التحول. بالإضافة إلى ذلك، يُعَدُّ الجارنت المستخرج من صخور الشست مادة كاشطة صناعية مهمة، وبعض أنواعه تُستخدم كأحجار كريمة. فهل يا ترى تعلم أن معدن الجرافيت المستخدم في أقلام الرصاص ينتج غالباً من التحول العالي الدرجة للمواد الكربونية؟
من الناحية العلمية، توفر الصخور المتحولة معلومات لا تقدر بثمن عن تاريخ الأرض الجيولوجي. إن دراسة المعادن المؤشرة والنسيج الصخري يكشف عن الظروف الفيزيائية التي سادت في أعماق القشرة الأرضية منذ ملايين السنين. وكذلك، فإن تحليل النظائر المشعة في معادن الصخور المتحولة يسمح بتحديد عمرها بدقة، مما يساعد على فهم توقيت الأحداث التكتونية الكبرى. الجدير بالذكر أن أقدم الصخور المكتشفة على الأرض هي صخور متحولة من كندا يبلغ عمرها حوالي 4 مليارات سنة.
ما النسيج الصخري وكيف يميز الصخور المتحولة عن غيرها؟
الأنسجة المتورقة (Foliated Textures)
يُعَدُّ التورق أو الصفائحية السمة الأبرز للعديد من الصخور المتحولة، وينتج عن اصطفاف المعادن في طبقات متوازية تحت تأثير الضغط الموجه. ومما يثير الاهتمام أن درجة التورق تزداد مع زيادة درجة التحول، مما ينتج عنه أنماط مختلفة:
- الانفصام الصفحي (Slaty Cleavage): انفصام مستوٍ وكامل يميز السليت، ناتج عن اصطفاف المعادن الطينية الدقيقة جداً
- التورق الفيليتي (Phyllitic Foliation): سطوح لامعة حريرية تميز الفيليت، مع معادن ميكا دقيقة لكنها أكبر من السليت
- التورق الشستي (Schistosity): طبقات واضحة من معادن صفائحية كبيرة مرئية بالعين، تميز الشست
- النسيج الشريطي (Gneissic Banding): طبقات متناوبة من معادن فاتحة وداكنة تميز النايس
برأيكم ماذا يحدث عندما تتعرض هذه الصخور المتورقة للتجوية والتعرية؟ الإجابة هي أنها تميل للانفصال على طول مستويات التورق، مما يؤثر على شكل التضاريس والمنحدرات في المناطق التي تكثر فيها.
الأنسجة غير المتورقة (Non-foliated Textures)
على النقيض من ذلك، تفتقر بعض الصخور المتحولة إلى التورق الواضح، خاصة تلك التي تكونت تحت ضغط شامل دون ضغط موجه قوي، أو التي تتكون من معادن متساوية الأبعاد. من أمثلة هذه الأنسجة:
- النسيج الحبيبي (Granoblastic): معادن متساوية الحجم ومتداخلة، كما في الرخام والكوارتزيت
- النسيج البورفيروبلاستي (Porphyroblastic): بلورات كبيرة من معادن معينة (بورفيروبلاست) محاطة بأرضية دقيقة الحبيبات
- النسيج الهورنفلسي (Hornfelsic): حبيبات دقيقة ومتشابكة بإحكام، تميز صخور القرنفل الناتجة عن التحول التماسي
إن فهم هذه الأنسجة يساعدنا على استنتاج الظروف التي تشكلت فيها الصخور، وبالتالي إعادة بناء التاريخ الجيولوجي للمنطقة.
كيف تساهم الصخور المتحولة في فهم حركة الصفائح التكتونية؟
تُعَدُّ الصخور المتحولة سجلاً حياً لحركات الصفائح التكتونية عبر الزمن الجيولوجي. في مناطق اصطدام الصفائح، حيث تتشكل السلاسل الجبلية الضخمة، تُدفن الصخور إلى أعماق كبيرة وتتعرض للتحول الإقليمي المكثف. لقد كانت دراسة صخور الهملايا المتحولة بمثابة فك شيفرة تاريخ اصطدام الهند بآسيا منذ حوالي 50 مليون سنة. إن المعادن عالية الضغط الموجودة في هذه الصخور تشير إلى أنها كانت مدفونة على عمق 70 كيلومتر أو أكثر قبل أن ترتفع إلى السطح.
من ناحية أخرى، توجد صخور متحولة خاصة تُعرف بالإكلوجيت (Eclogite) تتكون تحت ضغط عالٍ جداً ودرجة حرارة معتدلة، وهي ظروف توجد عادة في مناطق الاندساس حيث تنزلق صفيحة محيطية تحت أخرى قارية. هذا وقد اكتشف العلماء صخور إكلوجيت تحتوي على معادن لا يمكن أن تتشكل إلا على أعماق تتجاوز 100 كيلومتر، ثم عادت إلى السطح عبر آليات تكتونية معقدة. إن وجود مثل هذه الصخور على سطح الأرض يُعَدُّ دليلاً قاطعاً على أن القشرة المحيطية تنزلق فعلاً إلى الوشاح في مناطق الاندساس.
وكذلك، فإن دراسة الصخور المتحولة في المناطق القديمة جداً، مثل الدروع القارية، تكشف عن أحداث تكتونية وقعت منذ مليارات السنين. صخور الجرينستون بيلت (Greenstone Belt) في غرب أستراليا وجنوب أفريقيا، والتي يبلغ عمرها أكثر من 3.5 مليار سنة، توفر أدلة على طبيعة التكتونية في الأرض البدائية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحديد اتجاهات التورق والطيات في الصخور المتحولة يساعد على إعادة بناء اتجاهات القوى التكتونية القديمة، مما يسمح للجيولوجيين برسم خرائط لحركات الصفائح عبر مئات الملايين من السنين.
ما دور السوائل في عمليات التحول الصخري؟
رغم أننا نفكر في الصخور كمواد صلبة جافة، إلا أن السوائل تلعب دوراً حاسماً في عمليات التحول. توجد السوائل في المسامات والشقوق الدقيقة بين حبيبات المعادن، وتتكون بشكل رئيس من الماء مع مواد مذابة مختلفة مثل الصوديوم والكلور والكالسيوم وثاني أكسيد الكربون. إن هذه السوائل تعمل كوسيط لنقل الأيونات من معدن لآخر، مما يسرع التفاعلات الكيميائية التي تشكل المعادن الجديدة. فما هي المصادر الرئيسة لهذه السوائل؟ معظمها يأتي من الماء المحبوس في الرواسب الأصلية، أو من تحرر الماء من بنية بعض المعادن المائية عند تسخينها.
من جهة ثانية، تؤثر السوائل على نوع المعادن الناتجة من التحول. في وجود كميات كبيرة من السوائل الغنية بالكربون، قد تتشكل معادن كربوناتية حتى في صخور لم تكن كربوناتية أصلاً. وبالتالي، فإن التحول لا يعتمد فقط على الضغط والحرارة، بل أيضاً على التركيب الكيميائي للسوائل المتدفقة. الجدير بالذكر أن بعض الترسبات المعدنية الاقتصادية، مثل رواسب الذهب والنحاس، تتشكل عندما تترسب المعادن الثمينة من السوائل الحارة أثناء عمليات التحول. هل سمعت بمصطلح “التحول التبادلي” (Metasomatism)؟ إنه نوع خاص من التحول يحدث فيه تغيير جذري في التركيب الكيميائي للصخر بسبب إضافة أو إزالة عناصر كيميائية بواسطة السوائل المتدفقة.
الخاتمة
إن الصخور المتحولة تمثل شاهداً حياً على الديناميكية المستمرة لكوكبنا. من أعماق القشرة الأرضية حيث تتحد الحرارة والضغط لإعادة تشكيل المادة الصخرية، إلى قمم الجبال حيث تنكشف هذه الصخور للعيان، تروي لنا قصة ملايين السنين من النشاط الجيولوجي. لقد تعلمنا كيف تتحول الصخور العادية إلى أشكال جديدة تماماً، وكيف يمكن قراءة هذه التحولات لفهم تاريخ الأرض وحركات صفائحها التكتونية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الصخور المتحولة ليست مجرد موضوع أكاديمي، بل لها تطبيقات عملية واقتصادية واسعة، من صناعة البناء إلى التعدين. إن فهم هذه الصخور يساعدنا على استغلال مواردنا الطبيعية بشكل أفضل، وعلى تقييم المخاطر الجيولوجية في المناطق التكتونية النشطة. ومما يزيد من أهميتها أن دراستها تفتح نوافذ على عوالم عميقة لا يمكننا الوصول إليها مباشرة، مما يثري معرفتنا بالعمليات الباطنية للأرض.
هل ستنظر إلى الصخور من حولك نظرة مختلفة بعد اليوم، مدركاً أن بعضها قد مرّ برحلة تحول استغرقت ملايين السنين في أعماق الأرض قبل أن يصل إلى حيث هو الآن؟
أسئلة شائعة
ما الفرق بين الصخور المتحولة والصخور النارية؟
تتشكل الصخور النارية من تبريد وتصلب الصهارة أو اللافا، بينما تنتج الصخور المتحولة من تحول صخور موجودة سابقاً (نارية أو رسوبية أو متحولة) بفعل الحرارة والضغط دون حدوث انصهار كامل. الصخور النارية تتكون عند درجات حرارة أعلى من نقطة الانصهار، أما الصخور المتحولة فتبقى في حالتها الصلبة طوال عملية التحول.
هل يمكن أن تتحول الصخور المتحولة مرة أخرى؟
نعم بالتأكيد، يمكن للصخور المتحولة أن تخضع لتحول إضافي إذا تعرضت لظروف جديدة من الضغط والحرارة تختلف عن الظروف الأولى. هذه العملية تُسمى التحول المتعدد أو إعادة التحول، وهي شائعة في المناطق التي شهدت أحداثاً تكتونية متعددة عبر الزمن الجيولوجي، مما ينتج صخوراً معقدة التركيب تحمل آثار عدة مراحل تحولية.
ما سبب تشكل الطبقات في بعض الصخور المتحولة؟
تنتج الطبقات أو التورق من اصطفاف المعادن الصفائحية أو الممدودة في اتجاهات متوازية عمودية على اتجاه الضغط الرئيس. عندما تتعرض الصخور لضغط موجه قوي، تعيد المعادن ترتيب نفسها بحيث تقلل من المقاومة للضغط، فتصطف المعادن الصفائحية مثل الميكا والكلوريت بشكل متوازٍ، مما يخلق المظهر الطبقي المميز.
كم من الوقت يستغرق تكوين الصخور المتحولة؟
تستغرق عملية التحول الصخري فترات زمنية طويلة جداً تتراوح من مئات الآلاف إلى ملايين السنين، اعتماداً على نوع التحول ودرجته. التحول التماسي قد يكون أسرع نسبياً ويحدث خلال آلاف السنين فقط بالقرب من الكتل النارية المتداخلة، بينما التحول الإقليمي يتطلب ملايين السنين لأنه يحدث تدريجياً مع حركة الصفائح التكتونية ودفن الصخور.
أين توجد الصخور المتحولة على سطح الأرض؟
توجد الصخور المتحولة بشكل رئيس في قلب السلاسل الجبلية القديمة والحديثة مثل جبال الألب والهملايا والأبلاش، وفي الدروع القارية القديمة مثل الدرع الكندي والدرع الإسكندنافي. كما تظهر في مناطق الصدوع الكبرى وحول الكتل النارية المتداخلة. تنكشف هذه الصخور على السطح بعد أن تتآكل الطبقات العليا بفعل التعرية عبر ملايين السنين.
ما الفرق بين الرخام والحجر الجيري؟
الحجر الجيري صخر رسوبي يتكون من تراكم وترسيب كربونات الكالسيوم، بينما الرخام صخر متحول ينتج من تحول الحجر الجيري تحت تأثير الحرارة والضغط. الرخام أكثر صلابة وكثافة وتبلوراً من الحجر الجيري، وبلوراته أكبر حجماً وأكثر تشابكاً. كما أن الرخام يتميز بقدرته على اكتساب بريق عالٍ عند الصقل، مما يجعله مادة مفضلة في النحت والديكور.
هل جميع الصخور المتحولة لها طبقات واضحة؟
لا، ليست جميع الصخور المتحولة متورقة أو مطبقة. الصخور التي تتكون تحت ضغط شامل دون ضغط موجه قوي، أو تلك المكونة من معادن متساوية الأبعاد مثل الكالسيت والكوارتز، تفتقر إلى التورق الواضح. من أمثلة الصخور المتحولة غير المتورقة الرخام والكوارتزيت والهورنفلس، التي تظهر نسيجاً حبيبياً متجانساً بدلاً من الطبقات.
ما أهمية المعادن المؤشرة في دراسة الصخور المتحولة؟
المعادن المؤشرة هي معادن تتشكل ضمن نطاقات محددة من الضغط والحرارة، مما يجعلها أدوات تشخيصية دقيقة لتحديد درجة التحول التي تعرضت لها الصخور. من خلال تحديد المعادن المؤشرة الموجودة في صخرة متحولة، يستطيع الجيولوجيون استنتاج الظروف الفيزيائية التي سادت أثناء التحول، وبالتالي إعادة بناء التاريخ التكتوني للمنطقة وعمق الدفن الذي تعرضت له الصخور.
كيف يمكن التمييز بين السليت والشست؟
يمكن التمييز بينهما من خلال حجم المعادن ودرجة التورق. السليت له انفصام مستوٍ جداً وحبيبات معدنية دقيقة لا تُرى بالعين المجردة، وسطحه أملس وغير لامع نسبياً. أما الشست فيحتوي على معادن ميكا كبيرة بما يكفي لرؤيتها بالعين المجردة، وله سطح لامع واضح وتورق أقل انتظاماً. الشست ناتج عن درجة تحول أعلى من السليت.
ما دور الصخور المتحولة في دورة الصخور؟
تمثل الصخور المتحولة مرحلة وسطية مهمة في دورة الصخور الجيولوجية. يمكن أن تتشكل من أي نوع من الصخور الموجودة، ويمكنها بدورها أن تتحول إلى أنواع أخرى من الصخور. إذا تعرضت للحرارة الكافية قد تنصهر وتتحول إلى صخور نارية، وإذا وصلت للسطح وتعرضت للتجوية والتعرية قد تتفتت وتتحول إلى رواسب تشكل لاحقاً صخوراً رسوبية. هذه الدورة المستمرة تعكس الطبيعة الديناميكية للقشرة الأرضية.