مختبر ماذا لو

ماذا لو لم تنقرض الديناصورات واستمر تطورها؟

قبل حوالي 66 مليون عام، في نهاية العصر الطباشيري (Cretaceous Period)، شهد كوكب الأرض حدثًا كارثيًا غيّر مسار الحياة إلى الأبد. اصطدم كويكب يبلغ قطره حوالي 10 كيلومترات بما يعرف الآن بشبه جزيرة يوكاتان، مما أدى إلى انقراض جماعي يُعرف بحدث الانقراض الطباشيري-الباليوجيني (Cretaceous–Paleogene extinction event or K-Pg). قضى هذا الحدث على ما يقرب من 75% من الأنواع على الكوكب، وكانت أبرز ضحاياه هي الديناصورات غير الطيرية. لقد أنهى هذا الاصطدام عصرًا استمر لأكثر من 150 مليون عام، عصر كانت فيه الديناصورات هي الفقاريات المهيمنة بلا منازع على اليابسة. لكن ماذا لو لم يحدث هذا الاصطدام؟ ماذا لو استمرت الديناصورات في تطورها عبر حقبة السينوزوي (Cenozoic Era) وصولًا إلى يومنا هذا؟ إن هذا السؤال ليس مجرد تمرين في الخيال، بل هو تجربة فكرية عميقة تتطلب منا تطبيق مبادئ علم الأحياء التطوري، وعلم البيئة، وعلم المناخ القديم لاستكشاف عالم مختلف جذريًا عن عالمنا. إن بقاء الديناصورات كان سيغير كل قاعدة بيولوجية نعرفها، ويمنع بزوغ فجر عصر الثدييات، وربما يحول دون ظهور البشرية نفسها.

السيناريو البديل: عالم ما بعد العصر الطباشيري بدون انقراض

لفهم تأثير بقاء الديناصورات، يجب أولاً أن نتصور العالم في أواخر العصر الطباشيري. لم يكن الكوكب مكانًا هادئًا؛ فقد كان يشهد تغيرات مناخية كبيرة ونشاطًا بركانيًا هائلاً، لا سيما في منطقة مصاطب ديكان (Deccan Traps) في الهند. كانت هذه العوامل تضع ضغوطًا بيئية هائلة على العديد من الأنواع. لو تجنبت الأرض الاصطدام الكارثي، لما حدث الانقراض الفوري والواسع النطاق. بدلاً من ذلك، كانت الديناصورات ستواجه تحديات بيئية طويلة الأمد، مما كان سيؤدي حتمًا إلى انقراض بعض الأنواع وتطور أنواع أخرى للتكيف.

كان المناخ العالمي يتجه نحو البرودة التدريجية مع بداية حقبة السينوزوي. هذا التغير كان سيؤثر بشكل كبير على الديناصورات، خاصة الأنواع الضخمة ذات الدم البارد نسبيًا (gigantothermic) التي اعتمدت على البيئات الدافئة والمستقرة. كان من الممكن أن تنقرض الصوروبودا (Sauropods) العملاقة في خطوط العرض العليا، بينما قد تزدهر الأنواع الأصغر حجمًا والأكثر قدرة على التكيف. من المرجح أن مجموعات الديناصورات التي كانت متنوعة بالفعل، مثل الهادروصوريات (Hadrosaurs) والثيروبودا (Theropods) الأصغر حجمًا، كانت ستجد طرقًا للتكيف مع العالم المتغير. وبالتالي، فإن عالم ما بعد العصر الطباشيري لن يكون مجرد استمرار للعصر الطباشيري، بل سيكون مرحلة جديدة وحيوية من تطور الديناصورات.

قمع تطور الثدييات: عالم بلا عمالقة فرويين

في عالمنا، كان انقراض الديناصورات هو العامل المحفز الأكبر لما يُعرف بـ “عصر الثدييات”. بعد إزالة الحيوانات المفترسة والحيوانات العاشبة المهيمنة، وجدت الثدييات – التي كانت في الغالب مخلوقات صغيرة وشبيهة بالزبابة تختبئ في الظل – مجموعة هائلة من المنافذ البيئية (Ecological Niches) الشاغرة. هذا الفراغ البيئي سمح لها بالتنوع بشكل انفجاري، مما أدى إلى ظهور الحيتان، والخفافيش، والرئيسيات، والخيول، والفيلة.

في سيناريو بقاء الديناصورات، لم يكن هذا الفراغ ليوجد أبدًا. كانت الديناصورات ستستمر في شغل جميع المنافذ البيئية تقريبًا للحيوانات الكبيرة والمتوسطة الحجم. كانت الديناصورات المفترسة مثل الدرومايوصورات (Dromaeosaurs) أو “الرابتورات” ستواصل صيد أي ثديي يجرؤ على النمو إلى حجم أكبر من القطة. وفي الوقت نفسه، كانت الديناصورات العاشبة الضخمة ستسيطر على الموارد النباتية، مما يمنع ظهور حيوانات عاشبة كبيرة من الثدييات.

نتيجة لذلك، من المحتمل أن تظل الثدييات على حالها كما كانت في العصر الوسيط (Mesozoic Era): كائنات صغيرة، ليلية، آكلة للحشرات أو النباتات الصغيرة، تعيش حياة خفية في الجحور أو على الأشجار، دائمًا في حالة حذر من عالم الديناصورات الذي يحيط بها. لم تكن لتظهر أبدًا السنوريات ذات الأسنان السيفية، أو الماموث الصوفي، أو حتى أسلافنا من الرئيسيات. إن هيمنة الديناصورات كانت ستكون قيدًا تطوريًا لا يمكن التغلب عليه بالنسبة للثدييات، مما يجعل عالمنا الحديث الذي تهيمن عليه الثدييات أمرًا مستحيلًا. إن فهم هذا التأثير الجذري هو مفتاح تقدير مدى أهمية حدث الانقراض في تشكيل الحياة كما نعرفها.

المسارات التطورية المحتملة لسلالات الديناصورات

مع استمرار تطورها لملايين السنين الإضافية، كانت سلالات الديناصورات المختلفة ستسلك مسارات تطورية مذهلة للتكيف مع البيئات المتغيرة في حقبة السينوزوي، والتي تميزت بظهور المراعي وانتشارها.

الديناصورات الثيروبودية (Theropods)، وهي المجموعة التي تضم المفترسات الشهيرة مثل التيرانوصور، كانت ستشهد تنوعًا كبيرًا. فبدلاً من التيرانوصور ركس، الذي كان بالفعل في نهاية سلالته، كان من الممكن أن تتطور سلالات أخرى من التيرانوصوريات لتصبح أكثر تخصصًا، ربما مفترسات أسرع وأكثر رشاقة تتكيف مع صيد الديناصورات العاشبة السريعة في السهول المفتوحة. أما الدرومايوصورات، مثل الفيلوسيرابتور، فكانت تمتلك بالفعل العديد من السمات الواعدة: أدمغة كبيرة نسبيًا، ورؤية مجسمة، وأيدٍ قادرة على الإمساك. مع استمرار الضغط التطوري، كان من الممكن أن تصبح هذه الديناصورات أكثر ذكاءً، وتطور سلوكيات صيد جماعي أكثر تعقيدًا، وربما حتى استخدامًا بدائيًا للأدوات.

من ناحية أخرى، كانت الديناصورات العاشبة ستتكيف مع التغير الأكبر في عالم النباتات خلال حقبة السينوزوي: ظهور وانتشار الأعشاب. تحتوي الأعشاب على السيليكا وهي مادة كاشطة للأسنان. في عالمنا، طورت الثدييات العاشبة مثل الخيول والأبقار أسنانًا متخصصة عالية التاج (Hypsodonty) للتعامل مع هذا التحدي. كان من الممكن أن تتطور الديناصورات العاشبة مثل الهادروصوريات (ذوات منقار البط) والكراتوبسيات (Ceratopsians) آليات مماثلة. ربما كانت الهادروصوريات، ببطارياتها السنية المعقدة، ستصبح الرعاة المهيمنين في الأراضي العشبية الشاسعة، لتشكل قطعانًا ضخمة تضاهي قطعان البيسون في أمريكا الشمالية. أما الكراتوبسيات، بقرونها ودروعها، فكانت ستصبح “دبابات” حية ترعى في هذه السهول، وتدافع عن نفسها ضد الجيل الجديد من الديناصورات المفترسة.

ظهور الذكاء: فرضية “الديناصوريد” العاقل

واحدة من أكثر الأفكار إثارة في هذا السيناريو البديل هي إمكانية ظهور ذكاء شبيه بالإنسان لدى إحدى سلالات الديناصورات. في عام 1982، اقترح عالم الحفريات ديل راسل (Dale Russell) تجربة فكرية شهيرة بناءً على ديناصور من فصيلة الترودونتيدات (Troodontidae). كانت هذه الديناصورات تمتلك أكبر نسبة دماغ إلى الجسم بين جميع الديناصورات غير الطيرية المعروفة، بالإضافة إلى عيون كبيرة موجهة للأمام وأيدٍ قادرة على التلاعب بالأشياء.

تخيل راسل أنه لو استمرت هذه السلالة في التطور، لكان من الممكن أن يستمر نمو دماغها، مما يؤدي في النهاAUCة إلى ظهور كائن عاقل أطلق عليه اسم “الديناصوريد” (Dinosauroid). كان هذا الكائن سيقف منتصبًا، وله رأس كبير، وعينان واسعتان، وثلاثة أصابع في كل يد. في حين أن تصوير راسل المحدد للكائن قد يكون ساذجًا من الناحية البيولوجية (إذ يميل إلى الشكل البشري)، فإن الفكرة الأساسية تظل قوية. الذكاء ليس سمة حصرية للثدييات. الشروط المسبقة للذكاء – الدماغ الكبير، والتعقيد الاجتماعي، والقدرة على استخدام الأدوات – كان من الممكن أن تظهر لدى سلالة من الديناصورات.

كانت الدرومايوصورات أو الترودونتيدات هي المرشحة الأوفر حظًا. مع تطورها على مدى 66 مليون سنة إضافية، وفي مواجهة تحديات بيئية متزايدة، كان من الممكن أن يؤدي الانتقاء الطبيعي إلى تفضيل الأفراد الأكثر ذكاءً وقدرة على حل المشكلات. ربما كانت هذه الديناصورات الذكية ستطور لغة معقدة، وتعيش في مجتمعات منظمة، وتصنع أدوات من الحجر والعظام. كان من الممكن أن يصبحوا النوع المهيمن العاقل على الكوكب، ليؤسسوا حضارة تعتمد على البيولوجيا الفريدة لهذه الديناصورات المذهلة. هذا الاحتمال يفتح الباب أمام عالم لا يمكن تصوره، عالم من المدن التي بنتها الديناصورات، والتكنولوجيا التي صممتها عقول غير بشرية.

التأثير على المحيط الحيوي والكوكب

إن وجود عالم تهيمن عليه الديناصورات العملاقة كان سيؤثر على الكوكب بطرق تتجاوز مجرد التنوع البيولوجي. كانت الديناصورات العاشبة الضخمة، وخاصة الصوروبودا، ستؤدي دور “مهندسي النظم البيئية” (Ecosystem Engineers). من خلال استهلاكها الهائل للكتلة النباتية، كانت ستمنع الغابات من النمو بكثافة مفرطة، مما يخلق فسيفساء من الموائل تشمل الغابات المفتوحة والسافانا. هذه العملية كانت ستزيد من التنوع البيولوجي العام من خلال توفير منافذ لأنواع أخرى.

علاوة على ذلك، يُعتقد أن الصوروبودا كانت تلعب دورًا مهمًا في دورة المغذيات. من خلال هضم كميات هائلة من النباتات وإطلاق غاز الميثان كمنتج ثانوي، كانت هذه الديناصورات العملاقة ستؤثر على كيمياء الغلاف الجوي. تشير بعض النماذج إلى أن مساهمتها في غازات الدفيئة ربما ساعدت في الحفاظ على دفء المناخ في العصر الوسيط. استمرار وجود هذه الديناصورات كان يمكن أن يبطئ من اتجاه التبريد العالمي في حقبة السينوزوي.

كما أن التطور المشترك (Co-evolution) بين النباتات والديناصورات كان سيستمر. ربما كانت النباتات ستطور دفاعات كيميائية أو فيزيائية أكثر تطورًا لردع الحيوانات العاشبة الضخمة. وفي المقابل، كانت الديناصورات ستطور أجهزة هضمية أكثر كفاءة للتعامل مع هذه الدفاعات. هذا السباق التسلحي التطوري المستمر كان سيشكل النظم البيئية النباتية بطرق لا يمكننا تخيلها اليوم. عالم الديناصورات الحديث كان سيكون مختلفًا من الناحية الجيولوجية والبيئية والكيميائية.

مصير الطيور والرئيسيات: عواقب بعيدة المدى

الطيور هي، من الناحية الفنية، الديناصورات التي نجت من الانقراض. في عالمنا، سمح غياب المنافسين من الديناصورات الأخرى والزواحف الطائرة مثل التيروصورات (Pterosaurs) للطيور بالتنوع بشكل هائل لملء السماء والمناطق البيئية الأخرى. ولكن في عالم بديل حيث استمرت الديناصورات غير الطيرية، كان مصير الطيور سيكون مختلفًا تمامًا.

كانت الطيور ستواجه منافسة شديدة من أقاربها. كانت التيروصورات، لو نجت، ستستمر في السيطرة على سماء الكوكب، خاصة في أدوار الحيوانات المفترسة الكبيرة الطائرة. كما أن الديناصورات الثيروبودية الصغيرة والرشيقة كانت ستنافس الطيور على الموارد على الأرض وفي الأشجار. هذا الضغط التنافسي المستمر كان من المرجح أن يحد من التنوع الإشعاعي للطيور. ربما لم تكن لتتطور أبدًا الطيور الجارحة الكبيرة مثل النسور والصقور، أو الطيور البحرية المتخصصة مثل طيور القطرس. كانت الطيور ستظل مجموعة ناجحة، لكنها أقل تنوعًا وهيمنة بكثير مما هي عليه اليوم. إن عالم الديناصورات المستمر كان سيشهد سماءً مختلفة تمامًا.

أما بالنسبة للرئيسيات، فإن مصيرها كان سيكون أكثر قتامة. تطور الرئيسيات، بما في ذلك سلالتنا البشرية، كان مدفوعًا بسلسلة من الأحداث البيئية التي أتاحت لها الفرصة. كان ظهور الغابات المطيرة في أوائل حقبة السينوزوي، ثم تراجعها وظهور السافانا لاحقًا، هو الذي دفع أسلافنا إلى النزول من الأشجار، والمشي على قدمين، وتطوير أدمغة أكبر.

في عالم تهيمن عليه الديناصورات، لم تكن هذه الفرص لتظهر. كانت الغابات ستكون مليئة بالثيروبودات المتسلقة المفترسة، مما يجعل الحياة على الأشجار محفوفة بالمخاطر. وكانت السهول المفتوحة ستكون مناطق صيد لقطعان من الدرومايوصورات السريعة والذكية. لم تكن هناك أي فرصة تطورية لرئيسي صغير وبطيء نسبيًا للنجاح في مثل هذه البيئة المعادية. إن وجود الديناصورات كان سيغلق الباب أمام تطور الإنسان بشكل قاطع. لم نكن لنتطور أبدًا، لأن المكانة البيئية التي نشغلها اليوم كانت ستكون محجوزة بالفعل من قبل سادة الكوكب الحقيقيين: الديناصورات.

خاتمة: عالم مفقود من العمالقة

إن التجربة الفكرية حول بقاء الديناصورات تكشف عن حقيقة جوهرية في تاريخ الحياة: أهمية الصدفة والأحداث الكارثية. لم يكن صعود الثدييات وهيمنتها حتميًا؛ لقد كان نتيجة مباشرة لحجر من الفضاء أزال المنافسة. لو لم يحدث ذلك، لكان كوكب الأرض اليوم مكانًا مختلفًا بشكل لا يمكن التعرف عليه.

كان سيكون عالمًا تهيمن عليه الديناصورات في كل قارة، من الصحاري إلى الغابات القطبية. كانت قطعان الهادروصوريات سترعى في سهول أمريكا الشمالية، وكانت الديناصورات المفترسة الذكية ستطارد فرائسها في غابات آسيا، وربما كانت سلالة من الديناصورات العاقلة قد بدأت في بناء حضارتها الأولى في أفريقيا. كان سيكون عالمًا بدون فيلة أو أسود أو بشر، عالمًا استمر فيه عصر الزواحف دون انقطاع.

إن دراسة الديناصورات ليست مجرد النظر إلى الماضي، بل هي أيضًا وسيلة لفهم حاضرنا وتقدير المسار التطوري الهش والمعقد الذي أدى إلى وجودنا. لقد منحنا انقراض الديناصورات فرصة للوجود. وفي هذا العالم البديل، نحن مجرد احتمال لم يتحقق، مجرد همس في تاريخ كوكب استمرت فيه هيمنة الديناصورات الرائعة والمخيفة إلى الأبد. إن بقاء الديناصورات يظل أحد أقوى السيناريوهات وأكثرها إثارة للتفكير في تاريخ الحياة على الأرض.

الأسئلة الشائعة

1. هل كان من الممكن حقًا أن تتطور ديناصورات ذكية شبيهة بالبشر؟

نعم، من المنظور التطوري البحت، يعتبر ظهور الذكاء المتقدم لدى سلالة من الديناصورات احتمالًا قائمًا ومنطقيًا. الذكاء ليس سمة حصرية للثدييات، بل هو نتاج لمجموعة من الضغوط التطورية والظروف البيئية والصفات البيولوجية المسبقة. كانت بعض سلالات الديناصورات الثيروبودية الصغيرة، مثل الترودونتيدات (Troodontidae) والدرومايوصورات (Dromaeosauridae)، تمتلك بالفعل المتطلبات الأساسية اللازمة: نسبة دماغ إلى جسم هي الأعلى بين جميع الديناصورات، ورؤية مجسمة (عيون موجهة للأمام) توفر إدراكًا للعمق، وأطراف أمامية متحررة من وظيفة المشي وقادرة على الإمساك والتلاعب بالأشياء. مع 66 مليون سنة إضافية من التطور، كان من الممكن أن يؤدي الانتقاء الطبيعي إلى تفضيل الأفراد ذوي القدرات المعرفية الأعلى، مما يدفع هذه السلالات نحو تعقيد اجتماعي أكبر، وتطوير لغة بدائية، واستخدام الأدوات بشكل متزايد. في حين أن فكرة “الديناصوريد” التي طرحها ديل راسل قد تكون ذات طابع بشري أكثر من اللازم في شكلها، فإن المبدأ الأساسي – وهو أن سلالة من الديناصورات يمكن أن تصبح النوع العاقل المهيمن على الكوكب – يظل فرضية علمية قوية ومثيرة للتفكير.

2. ما هو المصير الدقيق للثدييات في عالم تهيمن عليه الديناصورات؟

كان مصير الثدييات سيظل محصورًا في الظل التطوري. في عالمنا، كان انقراض الديناصورات هو الشرارة التي أطلقت العنان للتنوع الإشعاعي (Adaptive Radiation) الهائل للثدييات، مما سمح لها بملء المنافذ البيئية الشاغرة. في سيناريو البقاء، كانت هذه المنافذ ستبقى مشغولة بالكامل. كانت الديناصورات المفترسة ستبقي على الثدييات في حجم صغير، مما يمنع ظهور أي حيوان ثديي أكبر من الغرير أو الكلب الصغير. وكانت الديناصورات العاشبة العملاقة ستتفوق على أي منافس ثديي محتمل في استهلاك الموارد النباتية. نتيجة لذلك، كانت الثدييات ستستمر كما كانت في العصر الوسيط: كائنات صغيرة، غالبًا ليلية، متخصصة في أكل الحشرات أو النباتات الصغيرة، تعيش حياة خفية في الجحور أو على الأشجار. كان من الممكن أن تتنوع ضمن هذه القيود الضيقة، لكن ظهور الميغافونا (Megafauna) من الثدييات مثل الماموث أو الخيول أو الحيتان كان سيصبح مستحيلًا تطوريًا.

3. هل كان من الممكن أن تبقى الديناصورات العملاقة على قيد الحياة في مناخ حقبة السينوزوي البارد؟

كان بقاء الديناصورات العملاقة، خاصة الصوروبودا طويلة العنق، سيعتمد بشكل كبير على قدرتها على التكيف مع التبريد العالمي التدريجي الذي ميز حقبة السينوزوي. كانت هذه الكائنات العملاقة، التي يُعتقد أنها كانت من ذوات الحرارة الداخلية العملاقة (Gigantothermic)، تعتمد على البيئات الدافئة والمستقرة للحفاظ على درجة حرارة أجسامها. مع انخفاض درجات الحرارة العالمية وظهور القمم الجليدية القطبية، كان من المرجح أن ينحسر نطاقها الجغرافي بشكل كبير نحو المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية. كان من الممكن أن تنقرض السلالات الأقل قدرة على التكيف، بينما قد تطور سلالات أخرى آليات جديدة للعزل، مثل طبقات الدهون السميكة أو حتى أشكال بدائية من الريش السميك، وهو أمر غير مستبعد نظرًا لوجود الريش بالفعل في العديد من سلالات الديناصورات. لذا، في حين أن هيمنتها العالمية كانت ستتضاءل، فمن المحتمل أن تكون بعض مجموعات الديناصورات العملاقة قد نجت في المناطق الأكثر دفئًا من الكوكب.

4. كيف كان سيبدو شكل المحيطات بدون حدث الانقراض؟

حدث الانقراض الطباشيري-الباليوجيني لم يقضِ على الديناصورات البرية فحسب، بل قضى أيضًا على الزواحف البحرية العملاقة المهيمنة مثل الموزاصورات (Mosasaurs) والبليزوصورات (Plesiosaurs). لو لم يحدث هذا الانقراض، لكانت هذه المجموعات قد استمرت في السيطرة على قمة السلسلة الغذائية البحرية. هذا كان سيمنع بشكل شبه مؤكد صعود الثدييات البحرية. لم تكن الحيتان والدلافين لتجد الفرصة للتطور أبدًا، لأن المنافذ البيئية للحيوانات المفترسة البحرية الكبيرة كانت ستظل مشغولة. كان من الممكن أن تتطور الموزاصورات لتصبح أكبر حجمًا وأكثر تخصصًا، ربما لتنافس الحيتان القاتلة الحديثة في الذكاء وسلوكيات الصيد الجماعي. كانت المحيطات ستظل “عالمًا من الزواحف”، مما يجعلها مكانًا مختلفًا جذريًا وأكثر خطورة بكثير مما هي عليه اليوم.

5. هل كانت النباتات المزهرة (الأنجيوسبيرم) ستظل مهيمنة؟

نعم، كانت النباتات المزهرة ستستمر على الأرجح في هيمنتها، لكن تطورها كان سيتأثر بشكل كبير بالضغط المستمر من الديناصورات العاشبة. بدأ التنوع الإشعاعي للنباتات المزهرة في العصر الطباشيري، بالتزامن مع تطور الديناصورات العاشبة المتخصصة مثل الهادروصوريات والكراتوبسيات. هذا التطور المشترك (Co-evolution) كان سيستمر ويتكثف. كانت النباتات ستطور دفاعات أكثر تطورًا، مثل الأشواك الأكبر، والأنسجة الخشبية الأكثر صلابة، والمركبات الكيميائية الأكثر سمية لردع الحيوانات العاشبة الضخمة. في المقابل، كانت الديناصورات ستطور أجهزة هضمية أكثر كفاءة وأسنانًا أكثر مقاومة للتآكل. كان ظهور الأراضي العشبية الشاسعة في حقبة السينوزوي سيخلق سباقًا تسلحيًا تطوريًا جديدًا، حيث تتكيف الديناصورات لرعي الأعشاب القاسية، مما يؤدي إلى ظهور أنواع جديدة تمامًا من النظم البيئية التي تشكلها هذه العلاقة الديناميكية بين النبات والحيوان.

6. ما هو التأثير الذي كانت ستحدثه الديناصورات على جغرافيا الكوكب وتضاريسه؟

كانت الديناصورات العملاقة، وخاصة الصوروبودا، ستستمر في أداء دور “مهندسي النظم البيئية” (Ecosystem Engineers) على نطاق واسع. من خلال استهلاكها الهائل للكتلة النباتية، ودهسها للنباتات الصغيرة، كانت ستحافظ على مناطق شاسعة من الغابات المفتوحة والسافانا، وتمنع تحولها إلى غابات كثيفة ومغلقة. هذا التأثير كان سيغير أنماط الغطاء النباتي على مستوى القارات، مما يؤثر بدوره على أنماط التعرية، ومسارات الأنهار، وحتى المناخ المحلي. كانت قطعان الديناصورات الضخمة ستخلق شبكات واسعة من المسارات التي يمكن أن تصبح قنوات مائية، وكانت مناطق تغذيتها ستؤثر على توزيع العناصر الغذائية في التربة. باختصار، لم تكن الديناصورات لتكون مجرد ساكن في المناظر الطبيعية، بل كانت ستكون قوة جيولوجية وبيئية نشطة تشكل وجه الكوكب.

7. هل كان البشر سيجدون أي فرصة للتطور في هذا العالم؟

الإجابة القاطعة هي لا. كان تطور الإنسان نتيجة لسلسلة معقدة من الأحداث البيئية والبيولوجية التي كانت ستكون مستحيلة في عالم تهيمن عليه الديناصورات. تطورت الرئيسيات المبكرة كحيوانات شجرية صغيرة، ولكن الخطوة الحاسمة نحو البشرية – وهي النزول إلى الأراضي المفتوحة والمشي على قدمين – حدثت استجابة لتوسع السافانا. في عالم الديناصورات، كانت هذه السافانا ستكون مناطق صيد لدرومايوصورات سريعة وذكية ومفترسات ثيروبودية أخرى. لم يكن لأسلافنا شبه العزل أي فرصة للبقاء في مثل هذه البيئة المعادية. كانت الضغوط الانتقائية ستفضل دائمًا البقاء في الأشجار أو في الجحور، مما يمنع ظهور أي من السمات المميزة للبشر (المشية المنتصبة، استخدام الأدوات المعقد، الأدمغة الكبيرة). إن وجودنا يعتمد بشكل مباشر على غياب الديناصورات.

8. كيف كانت ستؤثر حركة القارات على تطور الديناصورات؟

كانت حركة القارات خلال حقبة السينوزوي ستلعب دورًا حاسمًا في تنويع الديناصورات وخلق مجموعات حيوانية فريدة. على سبيل المثال، عزلة أمريكا الجنوبية وأستراليا كانت ستؤدي إلى تطور سلالات مستوطنة ومذهلة من الديناصورات، تمامًا كما أدت إلى تطور الثدييات الجرابية الفريدة في عالمنا. كان تصادم الهند مع آسيا وتكوين جبال الهيمالايا سيخلق حواجز جغرافية وموائل جديدة، مما يدفع إلى تطور أنواع الديناصورات المتكيفة مع المرتفعات. كما أن تكوين جسر بنما البري الذي يربط بين الأمريكتين كان سيؤدي إلى “تبادل ديناصوري أمريكي عظيم”، حيث تهاجر الأنواع شمالًا وجنوبًا، مما يؤدي إلى منافسة شديدة وانقراض بعض الأنواع وظهور أنواع جديدة.

9. هل كانت الديناصورات ستنجو من العصور الجليدية في العصر البليستوسيني؟

كانت العصور الجليدية ستشكل التحدي البيئي الأكبر لـ الديناصورات في تاريخها الطويل. كانت الدورات المتكررة من تقدم وتراجع الصفائح الجليدية ستدمر الموائل على نطاق واسع وتجبر الأنواع على الهجرة أو التكيف أو الانقراض. من المرجح أن الديناصورات الكبيرة ذات الدم البارد نسبيًا كانت ستعاني بشدة، وربما انقرضت أعداد كبيرة منها. ومع ذلك، فإن الأنواع الأصغر حجمًا والأكثر قدرة على الحركة، خاصة تلك التي طورت بالفعل شكلاً من أشكال التنظيم الحراري الداخلي (Endothermy) أو العزل بالريش، كانت لديها فرصة أفضل للبقاء. كان من الممكن أن نرى تطور “ماموث ديناصوري” – ربما من سلالة الهادروصوريات أو الثيريزينوصورات (Therizinosaurs) – مغطى بالريش السميك ومتكيف للعيش في بيئات التندرا الباردة. كانت العصور الجليدية ستكون مرشحًا تطوريًا قاسيًا، لكن من غير المرجح أنها كانت ستقضي على جميع الديناصورات.

10. ما هي أهم نتيجة علمية يمكن استخلاصها من هذه التجربة الفكرية؟

أهم نتيجة هي التأكيد على الدور الحاسم للأحداث العرضية (Contingency) في تاريخ التطور. إن مسار الحياة على الأرض ليس خطًا حتميًا متجهًا نحو تعقيد أكبر أو نحو ظهور البشر. بل هو نتاج سلسلة من الأحداث غير المتوقعة، مثل اصطدام كويكب، والتي تعيد تشكيل المحيط الحيوي بالكامل. إن بقاء الديناصورات يوضح أن الهيمنة البيولوجية ليست دائمة وأن بنية النظم البيئية الحديثة هشة وتعتمد على حدث واحد وقع قبل 66 مليون عام. هذه التجربة الفكرية تجبرنا على تقدير مدى ضآلة احتمال وجودنا، وتؤكد أن قصة التطور كان من الممكن أن تُكتب بطرق مختلفة لا حصر لها، وفي معظمها، لم يكن للبشر أي دور على الإطلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى