علوم صحية وطبية

المكملات الغذائية: هل تحتاجها فعلاً وكيف تختارها بأمان؟

ما الأنواع الآمنة لك وكيف تتفادى الأخطاء القاتلة؟

بقلم: د. سامر عزام، صيدلاني سريري وخبير تغذية علاجية لأكثر من 15 عامًا

هل تشعر بالارتباك أمام رفوف المكملات الغذائية الممتلئة بالوعود البراقة؟ أنت لست وحدك، دعنا نضع حداً لهذه الحيرة.

المقدمة

من خلال عملي كصيدلاني سريري لأكثر من 15 عامًا، رأيت المئات ينفقون أموالهم على مكملات لا يحتاجونها حقاً، أو – والأسوأ من ذلك – تتفاعل بشكل خطير مع أدويتهم الموصوفة. لقد شاهدت شاباً رياضياً يعاني من مشاكل في الكبد بسبب جرعات مفرطة من مكملات بناء العشلات، وسيدة في الخمسينات تعاني من نزيف داخلي لأنها لم تخبر طبيبها أنها تتناول أوميغا-3 مع أدوية سيولة الدم. إن عالم المكملات الغذائية (Dietary Supplements) قد يبدو واعداً ومُغرياً، لكنه أيضاً مليء بالمعلومات المضللة والتسويق الذكي الذي يستغل قلقك على صحتك.

هذا المقال ليس مجرد سرد للمعلومات العامة. بل هو خارطة طريق واضحة، مبنية على الأدلة العلمية وخبرتي العملية، لتتمكن من الإجابة على السؤال الأهم: “هل أنا فعلاً بحاجة لهذا المكمل؟ وإن كنت بحاجته، فكيف أختاره بأمان دون أن أعرّض نفسي للخطر؟”


ما هي المكملات الغذائية بالضبط، وهل هي ضرورية للجميع؟

دعني أكن صريحاً معك منذ البداية: المكملات الغذائية ليست أدوية، ولا يجب أن تُعامل كذلك. إنها منتجات مصممة لتكمل نظامك الغذائي بالعناصر الغذائية التي قد تكون ناقصة. بمعنى آخر، إنها “مُكمّل” وليست “بديل” عن الطعام الصحي المتوازن.

فما هي بالضبط؟ وفقاً لـ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، المكملات الغذائية هي منتجات تُؤخذ عن طريق الفم وتحتوي على “مكون غذائي” يهدف لإضافته إلى نظامك الغذائي. قد تشمل هذه المكونات الفيتامينات، المعادن، الأعشاب، الأحماض الأمينية، الإنزيمات، أو مستخلصات نباتية.

هل أنت حقاً بحاجة إليها؟

هذا هو السؤال الذهبي! الإجابة المختصرة: ليس الجميع بحاجة للمكملات. إن كنت شخصاً بالغاً سليماً، تتناول نظاماً غذائياً متنوعاً ومتوازناً يشمل الفواكه، الخضراوات، الحبوب الكاملة، البروتينات الخالية من الدهون، والدهون الصحية، فأنت على الأرجح تحصل على ما يحتاجه جسمك من العناصر الغذائية.

بينما هناك حالات محددة قد تجعل المكملات ضرورية أو مفيدة:

  • النساء الحوامل أو اللواتي يخططن للحمل: حمض الفوليك (Folic Acid) مهم جداً لمنع عيوب الأنبوب العصبي لدى الجنين؛ إذ توصي مكتب المكملات الغذائية بالمعاهد الوطنية للصحة (NIH) بتناول 400-800 ميكروغرام يومياً قبل الحمل وخلاله.
  • كبار السن فوق 50 عاماً: قد يحتاجون لفيتامين ب12 (Vitamin B12) إضافي، لأن قدرة الجسم على امتصاصه من الطعام تقل مع التقدم في العمر.
  • الأشخاص الذين يتبعون حميات غذائية مقيدة: مثل النباتيين الصارمين الذين قد يحتاجون لفيتامين ب12، الحديد، أو أوميغا-3 من مصادر نباتية.
  • حالات طبية معينة: مثل نقص فيتامين د (Vitamin D Deficiency)، أو فقر الدم بسبب نقص الحديد (Iron Deficiency Anemia)، أو هشاشة العظام التي قد تتطلب الكالسيوم وفيتامين د.
  • سوء الامتصاص: الأشخاص الذين يعانون من أمراض الجهاز الهضمي مثل داء كرون أو الداء البطني (Celiac Disease)، والذين قد لا يمتصون العناصر الغذائية بكفاءة.

الخطأ الأكثر شيوعاً الذي أراه هو أن الناس يفترضون تلقائياً أنهم بحاجة لمكملات “للوقاية” أو “لزيادة الطاقة”، دون أن يكون لديهم أي نقص فعلي مُثبت بالتحاليل المخبرية. لقد استشارني أحدهم ذات مرة وكان يتناول أكثر من 10 مكملات مختلفة يومياً “للاحتياط”، دون أن يعرف أن بعضها قد يتفاعل مع بعضه الآخر ويسبب تراكماً سامّاً لبعض الفيتامينات الذائبة في الدهون!

وعليه فإن القاعدة الذهبية هي: الطعام أولاً، المكملات ثانياً. إذا كان بإمكانك الحصول على حاجتك من العناصر الغذائية من طبق طعامك، فهذا دائماً الخيار الأفضل والأكثر أماناً.


ما هي أشهر أنواع المكملات الغذائية ومتى نستخدمها؟

فهم أنواع المكملات المختلفة يساعدك على اتخاذ قرار مستنير. دعني أشرح لك الفئات الرئيسة وكيفية استخدامها بحكمة.

1. الفيتامينات والمعادن (Vitamins and Minerals)

هذه هي أكثر الأنواع شيوعاً، وتشمل:

  • فيتامين د (Vitamin D): يلعب دوراً مهماً في صحة العظام وجهاز المناعة. كثير من الناس يعانون من نقصه، خاصةً في المناطق التي تقل فيها أشعة الشمس. متى تأخذه؟ يُفضل تناوله مع وجبة تحتوي على دهون، لأن فيتامين د من الفيتامينات الذائبة في الدهون (Fat-Soluble Vitamins)، ووجود الدهون يساعد الجسم على امتصاصه بفعالية أكبر بنسبة قد تصل إلى 50%.
  • فيتامين ب12 (Vitamin B12): ضروري لوظائف الأعصاب وإنتاج خلايا الدم الحمراء. النباتيون وكبار السن هم الأكثر عرضة للنقص.
  • الحديد (Iron): مهم لنقل الأكسجين في الدم. النساء في سن الإنجاب أكثر عرضة لنقصه بسبب الدورة الشهرية. تنبيه مهم: لا تتناول الحديد إلا بعد إجراء تحليل وتأكيد النقص، لأن الجرعات الزائدة قد تكون سامة وتضر الكبد.
  • الكالسيوم (Calcium): أساسي لصحة العظام والأسنان. لكن تذكر: تناول جرعات عالية جداً (أكثر من 2000-2500 ملغ يومياً) قد يزيد من خطر تكوّن حصوات الكلى لدى بعض الأشخاص.
  • المغنيسيوم (Magnesium): يدخل في أكثر من 300 تفاعل إنزيمي في الجسم، بما في ذلك تنظيم النوم وصحة العضلات.

فمتى نستخدمها؟ فقط عندما يكون هناك نقص مُثبت بالتحاليل، أو في الحالات الخاصة التي ذكرتها سابقاً (الحمل، كبار السن، إلخ).

اقرأ أيضاً  قوس القزح الغذائي: كيف تحول ألوان طبقك إلى صحة أفضل؟

2. الأحماض الأمينية والبروتينات (Amino Acids and Proteins)

  • بروتين مصل اللبن (Whey Protein): مكمل شائع بين الرياضيين ومن يمارسون رياضة بناء الأجسام. لمن هو موجه؟ للأشخاص الذين يحتاجون لزيادة كمية البروتين في نظامهم الغذائي، مثل الرياضيين أو من يتعافون من إصابات أو عمليات جراحية. لكن إذا كنت تحصل على ما يكفي من البروتين من الطعام (اللحوم، الأسماك، البيض، البقوليات)، فقد لا تحتاج إليه.
  • الكرياتين (Creatine): يُستخدم لتحسين الأداء الرياضي وزيادة الكتلة العضلية. الأبحاث تُظهر أنه آمن وفعّال عند استخدامه بالجرعات الموصى بها (3-5 غرام يومياً)، لكن من المهم شرب كميات كافية من الماء عند تناوله.
  • الأحماض الأمينية المتشعبة (BCAAs – Branched-Chain Amino Acids): تُستخدم للمساعدة في التعافي العضلي بعد التمرين. الجدير بالذكر أن فعاليتها لا تزال محل نقاش علمي، وكثيرون يحصلون على ما يكفي منها من البروتين الغذائي.

3. الأحماض الدهنية (Fatty Acids)

  • أوميغا-3 (Omega-3 Fatty Acids): توجد في الأسماك الدهنية (السلمون، الماكريل، السردين) وبذور الكتان والجوز. ما فوائدها المحتملة؟ دعم صحة القلب، تقليل الالتهابات، ودعم وظائف الدماغ. لكن تنبيه مهم من خبرتي: إذا كنت تتناول أدوية مضادة للتخثر (مثل الوارفارين أو الأسبرين)، يجب أن تستشير طبيبك قبل تناول أوميغا-3، لأنها قد تزيد من خطر النزيف.

4. المستخلصات العشبية والنباتية (Herbal and Botanical Extracts)

هنا يصبح الأمر أكثر تعقيداً، ويجب أن تكون حذراً للغاية.

  • الكركم/الكركمين (Turmeric/Curcumin): له خصائص مضادة للالتهابات. لكن امتصاصه ضعيف، لذا كثير من المنتجات تضيف الفلفل الأسود (البيبيرين) لتحسين الامتصاص.
  • الجينسنغ (Ginseng): يُستخدم تقليدياً لزيادة الطاقة وتحسين الوظائف الذهنية. لكن تذكر: قد يتفاعل مع أدوية السكري وأدوية ضغط الدم.
  • إشنسا (Echinacea): تُستخدم للوقاية من نزلات البرد. الأدلة على فعاليتها متضاربة.
  • نبتة سانت جون (St. John’s Wort): تُستخدم أحياناً للاكتئاب الخفيف. تحذير خطير: تتفاعل مع العديد من الأدوية بما في ذلك مضادات الاكتئاب، حبوب منع الحمل، ومميعات الدم.

ما الذي يجب أن تعرفه عنها؟ أولاً، “طبيعي” لا يعني “آمن”. هذا واحد من أكبر المفاهيم الخاطئة. فالعديد من السموم القاتلة طبيعية تماماً! ثانياً، المستخلصات العشبية غير منظمة بصرامة مثل الأدوية، مما يعني أن الجودة والتركيز قد يختلفان بشكل كبير بين المنتجات.

من خلال خبرتي كصيدلاني سريري، أنصح بتوخي الحذر الشديد مع المنتجات العشبية، والتأكد دائماً من عدم وجود تفاعلات محتملة مع أدويتك الحالية.


كيف تختار مكملاً غذائياً آمناً وفعالاً؟

هنا يكمن جوهر ما تحتاج معرفته. اتباع هذه الخطوات قد ينقذك من أخطاء مكلفة وخطيرة.

الخطوة الأولى: استشر طبيبك أو الصيدلاني – هذه غير قابلة للتفاوض

فلماذا هذه الخطوة بهذه الأهمية؟ دعني أشرح:

التفاعلات الدوائية المحتملة: هذا هو السبب الأكبر. الكثير من المكملات تتفاعل مع الأدوية الموصوفة بطرق قد تكون خطيرة. على سبيل المثال:

  • فيتامين ك (في الخضراوات الورقية الخضراء أو مكملات الفيتامينات المتعددة) يقلل من فعالية الوارفارين (دواء مميع للدم).
  • نبتة سانت جون تقلل من فعالية أدوية كثيرة بما فيها حبوب منع الحمل.
  • الكالسيوم قد يتداخل مع امتصاص بعض المضادات الحيوية (مثل التتراسيكلين).

تحديد الحاجة الفعلية: الطبيب يمكنه طلب تحاليل دم لمعرفة إذا كان لديك نقص فعلي أم لا. فلا فائدة من تناول مكملات لا تحتاجها، بل قد تكون ضارة.

الجرعة المناسبة لك: ليس كل الناس يحتاجون نفس الجرعة. عمرك، جنسك، حالتك الصحية، وأدويتك الأخرى كلها تؤثر على الجرعة المثلى.

من خلال خبرتي، رأيت حالات عديدة كان يمكن تجنبها لو استشار الشخص مختصاً قبل البدء بالمكمل. لا تعتمد على نصائح البائع في المتجر أو المؤثر على إنستغرام!

الخطوة الثانية: اقرأ الملصق بعناية – الشيطان يكمن في التفاصيل

فما الذي يجب البحث عنه بالضبط؟

  1. المكونات النشطة (Active Ingredients): ما هو المكون الأساسي؟ وبأي تركيز؟ تأكد أن التركيز مناسب ومدعوم بالأبحاث. على سبيل المثال، بعض منتجات الكركمين تحتوي على جرعات ضئيلة جداً لا تحقق أي فائدة.
  2. الجرعة اليومية الموصى بها (Serving Size): كم حبة يجب أن تأخذ؟ كم مرة في اليوم؟ لا تفترض أن حبة واحدة تكفي – اقرأ الملصق!
  3. المكونات الأخرى (Other Ingredients): هذا القسم يحتوي على الحشوات، الملونات، والمواد الحافظة. إذا كنت تعاني من حساسية معينة (مثل الغلوتين أو الصويا أو منتجات الألبان)، تأكد من خلو المنتج منها.
  4. تاريخ الانتهاء: لا تشترِ منتجات قريبة من انتهاء صلاحيتها، فقد تفقد فعاليتها.
  5. نسبة القيمة اليومية (% Daily Value): تخبرك كم من احتياجك اليومي يوفره المكمل. احذر المنتجات التي تحتوي على أكثر من 100% من عدة فيتامينات في نفس الوقت – قد تكون جرعة زائدة.

كما أن بعض المنتجات تستخدم “خلطات ملكية” (Proprietary Blends) دون تحديد كمية كل مكون بدقة، وهذا علامة تحذيرية. كيف ستعرف إذا كنت تحصل على جرعة فعالة أم لا؟

الخطوة الثالثة: ابحث عن شهادات الجودة من جهات خارجية

هنا نقطة مهمة جداً يجب أن تفهمها: إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لا تختبر سلامة وفعالية المكملات الغذائية قبل طرحها في السوق. هذا يختلف تماماً عن الأدوية! بمعنى آخر، المسؤولية تقع على عاتق الشركة المصنعة لضمان أن منتجها آمن ويحتوي على ما هو مكتوب على الملصق.

إذاً كيف تحمي نفسك؟ ابحث عن شهادات من جهات اختبار مستقلة:

  • USP (United States Pharmacopeia): علامة USP Verified تعني أن المنتج اجتاز اختبارات صارمة للجودة والنقاء والفعالية.
  • NSF International: علامة NSF تضمن أن المنتج يحتوي فعلاً على المكونات المذكورة بالكميات المحددة، ولا يحتوي على ملوثات ضارة.
  • ConsumerLab.com: منظمة مستقلة تختبر المكملات وتنشر تقارير مفصلة.

هذه الشهادات ليست إلزامية، لكن وجودها يمنحك طبقة إضافية من الأمان. من جهة ثانية، غيابها لا يعني بالضرورة أن المنتج سيئ، لكنه يستدعي المزيد من الحذر والبحث.

بالإضافة إلى ذلك، تجنب المنتجات التي:

  • تعد بنتائج “سحرية” أو “سريعة” (“فقدان 10 كيلو في أسبوع!”)
  • تدّعي أنها “علاج” لأمراض خطيرة (السرطان، السكري، أمراض القلب)
  • تستخدم عبارات مثل “سر طبي” أو “اختراق علمي”
  • لا تحتوي على معلومات واضحة عن الشركة المصنعة أو طريقة التواصل معها

الخطأ الأكثر شيوعاً الذي أراه: الثقة العمياء بالتسويق الرقمي

انظر إلى ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي. مؤثرون بأجساد مثالية يروّجون لمكملات معينة، موهمينك أن هذا المنتج هو “سر نجاحهم”. الحقيقة؟ في معظم الحالات، هم يتقاضون أموالاً مقابل هذا الترويج، ولم يخضعوا لأي تدريب طبي أو صيدلاني.

لقد استشارتني سيدة شابة كانت تتناول “شاي ديتوكس” روّج له أحد المشاهير، وتبيّن أنه يحتوي على ملينات قوية سببت لها جفافاً خطيراً واضطراباً في الكهارل. وبالتالي، لا تبنِ قراراتك الصحية على إعلانات مدفوعة أو شهادات غير موثقة.

ناحية أخرى مهمة: احذر افتراض أن “الطبيعي” يعني “آمن”. السيانيد طبيعي تماماً، لكنه قاتل! العديد من المستخلصات العشبية قد تكون سامة بجرعات معينة أو لأشخاص معينين.

نصيحة عملية من الميدان

ما نجح مع الكثيرين من الذين استشاروني هو البدء بمكمل واحد فقط في كل مرة، وليس عدة مكملات معاً. لماذا؟ لأنه إذا حدثت أي أعراض جانبية أو حساسية، ستعرف بالضبط من أين أتت. كما أن هذا يساعدك على تقييم ما إذا كان المكمل فعلاً يحدث فرقاً في صحتك أم لا.

وكذلك، احتفظ بقائمة مكتوبة بكل ما تتناوله (أدوية ومكملات) وأحضرها معك دائماً عند زيارة أي طبيب أو صيدلاني. هذا يساعد المختصين على اكتشاف أي تفاعلات محتملة.

للحصول على معلومات موثوقة ومفصلة عن أي مكمل غذائي، أنصحك بزيارة مكتب المكملات الغذائية بالمعاهد الوطنية للصحة (NIH). هذا الموقع يوفر صفحات معلومات مبنية على الأدلة العلمية لكل فيتامين ومعدن ومكمل شائع، بلغة واضحة ومفهومة.


الخاتمة

في الختام، تذكر دائماً أن المكملات الغذائية هي أداة لدعم صحتك، وليست حلاً سحرياً. إن صحتك لا تُبنى على حبة تبتلعها، بل على نمط حياة شامل: نظام غذائي متوازن غني بالأطعمة الطبيعية الكاملة، نشاط بدني منتظم، نوم كافٍ، وإدارة جيدة للتوتر.

لقد شاركتك في هذا المقال خلاصة 15 عاماً من الخبرة العملية والتعامل المباشر مع المرضى. إن المعرفة هي خط دفاعك الأول ضد التسويق المضلل والمعلومات الخاطئة المنتشرة. لا تتردد أبدًا في طرح الأسئلة والبحث عن إجابات من مصادر موثوقة مثل طبيبك، الصيدلاني، أو المواقع الطبية الرسمية مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) أو إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).

إن صحتك هي استثمارك الأثمن والأطول أمداً، فتعامل معها بحكمة ومسؤولية وصبر. لا توجد طرق مختصرة، ولا حبوب معجزة. ومما يؤسف له أن الكثيرين يقعون ضحية الوعود البراقة، بينما الحل الحقيقي يكمن في العودة للأساسيات: طعام جيد، حركة منتظمة، وقرارات مستنيرة.

أتمنى أن تكون هذه المعلومات قد وضعتك على الطريق الصحيح. تذكر: أنت لست بحاجة لأن تكون خبيراً، لكن يكفي أن تكون واعياً وحريصاً.


قسم الأسئلة الشائعة (FAQ)

1. هل يمكن للمكملات الغذائية أن تغني عن نظام غذائي صحي؟

لا على الإطلاق، وهذا من أكثر المفاهيم الخاطئة انتشاراً. اسمها “مكملات” لأنها تُكمّل النظام الغذائي ولا تحل محله. لا يمكن لأي حبة – مهما كانت متقدمة – أن توفر الألياف، مضادات الأكسدة المتنوعة، المغذيات النباتية (Phytonutrients)، والتآزر الطبيعي بين العناصر الموجودة في الفواكه والخضراوات والأطعمة الكاملة.

فكّر في الأمر بهذه الطريقة: تفاحة واحدة تحتوي على آلاف المركبات المختلفة التي تعمل معاً بطريقة معقدة لدعم صحتك. مكمل فيتامين سي لا يمكنه تكرار ذلك. بالإضافة إلى ذلك، الطعام الحقيقي يوفر الشبع والمتعة والبُعد الاجتماعي للأكل – أشياء لا يمكن لحبة أن تقدمها.

2. ما هو أفضل وقت لتناول المكملات الغذائية؟

يعتمد هذا تماماً على نوع المكمل. دعني أعطيك أمثلة عملية:

  • الفيتامينات الذائبة في الدهون (A, D, E, K): يُفضل تناولها مع وجبة تحتوي على دهون (مثل زيت الزيتون، الأفوكادو، المكسرات، أو حتى ملعقة زبدة فول سوداني) لزيادة الامتصاص بشكل ملحوظ.
  • الفيتامينات الذائبة في الماء (فيتامينات ب، فيتامين سي): يمكن تناولها في أي وقت، لكن بعض الناس يفضلون الصباح لأنها قد تعطي طاقة. على النقيض من ذلك، البعض قد يجد أن فيتامينات ب تسبب غثياناً على معدة فارغة، لذا يفضلون تناولها مع الطعام.
  • الحديد: يُمتص بشكل أفضل على معدة فارغة (قبل الأكل بساعة أو بعده بساعتين)، لكن إذا سبب تهيجاً للمعدة أو غثياناً، فتناوله مع كمية صغيرة من الطعام. تجنب تناوله مع الشاي أو القهوة أو الكالسيوم لأنها تقلل الامتصاص.
  • المغنيسيوم: كثيرون يتناولونه مساءً لأنه قد يساعد على الاسترخاء وتحسين النوم.
  • الكالسيوم: يُمتص بشكل أفضل عند تقسيمه على جرعات صغيرة (500 ملغ أو أقل في المرة الواحدة). لا تتناوله مع مكملات الحديد في نفس الوقت.
اقرأ أيضاً  الجذور الحرة: ما هي وكيف تؤثر على صحة أجسامنا؟

ومما يجب ذكره أن بعض المكملات (مثل فيتامينات ب المركبة) قد تعطي طاقة وتسبب صعوبة في النوم إذا تناولتها مساءً، لذا يُفضل تناولها صباحاً.

3. هل يجب أن أستشير الطبيب قبل تناول أي مكمل غذائي؟

نعم، وبشكل قاطع. هذه هي النصيحة الأهم التي يمكنني تقديمها لك. فلماذا؟

أولاً، الطبيب أو الصيدلاني يمكنه تقييم حاجتك الفعلية للمكمل من خلال فحصك وطلب التحاليل اللازمة. فقد تكون مستويات فيتامين د لديك طبيعية تماماً، ولا حاجة لتناول مكملات.

ثانياً، تحديد الجرعة المناسبة لك بناءً على عمرك، جنسك، حالتك الصحية. فجرعة فيتامين د المناسبة لشخص يعاني من نقص شديد تختلف تماماً عن شخص يريد المحافظة على مستويات صحية.

ثالثاً، التأكد من عدم وجود تعارض مع أي أدوية تتناولها أو أي حالة صحية لديك. هذا حرج جداً! على سبيل المثال:

  • إذا كنت تتناول أدوية لسيولة الدم، فبعض المكملات (أوميغا-3، فيتامين E، الجينكو) قد تزيد خطر النزيف.
  • إذا كنت مصاباً بأمراض الكلى، فجرعات عالية من بعض المعادن قد تكون خطيرة.
  • إذا كنت حاملاً، فبعض المكملات قد تكون ضارة للجنين.

هذا وقد رأيت العديد من الحالات التي كانت قابلة للتجنب تماماً لو استشار الشخص مختصاً قبل البدء. للحصول على معلومات مفصلة وموثوقة حول أي مكمل، يمكنك دائماً زيارة مكتب المكملات الغذائية بالمعاهد الوطنية للصحة (NIH)، الذي يوفر صفحات معلومات شاملة لكل مكمل، بما في ذلك التفاعلات الدوائية المحتملة والجرعات الموصى بها.

لا تعتمد على نصيحة البائع في المتجر، أو صديقك الذي “جرّب شيئاً ونجح معه”، أو مؤثر على وسائل التواصل. صحتك أثمن من ذلك.

4. هل المكملات الغذائية آمنة تماماً؟

ليس بالضرورة. هذا مفهوم خاطئ شائع. رغم أن الكثير من المكملات آمنة عند استخدامها بالطريقة الصحيحة وبالجرعات المناسبة، إلا أن:

  • الجرعات الزائدة قد تكون سامة: خاصةً للفيتامينات الذائبة في الدهون (A, D, E, K) التي تتراكم في الجسم. حالات التسمم بفيتامين A أو D موثقة جيداً وقد تكون خطيرة.
  • التفاعلات الدوائية: كما ذكرت سابقاً، العديد من المكملات تتفاعل مع الأدوية.
  • الحساسية: بعض الأشخاص قد يكون لديهم حساسية تجاه مكونات معينة.
  • التلوث: بعض المكملات – خاصةً العشبية وتلك المستوردة من دول ذات رقابة ضعيفة – قد تكون ملوثة بمعادن ثقيلة، مبيدات، أو حتى أدوية غير مُعلن عنها.

ومن ناحية أخرى، إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) تصدر تحذيرات منتظمة عن مكملات ملوثة أو خطيرة. وعليه فإن الحذر والاختيار الذكي ضروريان.

5. كم من الوقت يجب أن أتناول المكمل قبل أن ألاحظ نتائج؟

يختلف الأمر كثيراً حسب نوع المكمل وشدة النقص وهدفك:

  • نقص فيتامين د: قد تشعر بتحسن في الطاقة والمزاج خلال أسابيع قليلة، لكن تصحيح النقص الشديد قد يستغرق عدة أشهر.
  • نقص الحديد: قد تستغرق عدة أسابيع لتحسن الأعراض (التعب، الإرهاق)، وعدة أشهر لإعادة بناء مخزون الحديد بالكامل.
  • أوميغا-3: الفوائد على صحة القلب والدماغ تظهر مع الاستخدام طويل الأمد (شهور إلى سنوات).
  • البروبيوتيك: بعض الناس يلاحظون تحسناً في الهضم خلال أيام، والبعض الآخر قد يستغرق أسابيع.

الجدير بالذكر أنه إذا كنت تتناول مكملاً “للوقاية” أو “للحفاظ” على صحتك ولم يكن لديك نقص، فقد لا تلاحظ أي تغيير ملموس على الإطلاق – وهذا طبيعي تماماً. الفائدة في هذه الحالة تكون على المدى الطويل وليست فورية.

6. هل يمكنني تناول عدة مكملات معاً؟

يمكن، لكن بحذر شديد وتحت إشراف طبي. بعض المكملات تتفاعل مع بعضها:

  • الكالسيوم والحديد: لا تأخذهما معاً لأن الكالسيوم يقلل من امتصاص الحديد.
  • الزنك والنحاس: الجرعات العالية من الزنك قد تؤدي لنقص النحاس.
  • فيتامين E وفيتامين K: قد يتداخلان مع تخثر الدم.

كما أن تناول “ملتي فيتامين” (Multivitamin) مع مكملات فردية (مثل فيتامين د منفصل) قد يؤدي لجرعات زائدة. احسب إجمالي ما تتناوله من كل عنصر.

نصيحتي العملية: ابدأ بمكمل واحد، راقب جسمك، ثم أضف الآخر تدريجياً إذا لزم الأمر، وتأكد دائماً من استشارة مختص.


والآن، بعد أن أصبحت لديك المعرفة الأساسية والأدوات اللازمة لاتخاذ قرارات مستنيرة وآمنة، ما هو أول سؤال ستطرحه على طبيبك أو الصيدلاني في زيارتك القادمة حول احتياجك الفعلي للمكملات الغذائية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى