العلوم الصحية والطبية

السيطرة على النزيف: تقنيات الإسعافات الأولية لوقف فقدان الدم

مقدمة

يُعد النزيف أحد أخطر الحالات الطبية الطارئة التي قد تواجه الإنسان في حياته اليومية، سواء في البيئة المنزلية أو مكان العمل أو الأماكن العامة. يمكن أن يحدث النزيف نتيجة للحوادث المرورية، أو الإصابات الرياضية، أو الحوادث المنزلية، أو الكوارث الطبيعية، أو حتى بسبب بعض الحالات المرضية. وتكمن خطورة النزيف في أن فقدان كميات كبيرة من الدم خلال فترة زمنية قصيرة قد يؤدي إلى صدمة نقص حجم الدم، وفشل الأعضاء الحيوية، وفي النهاية الوفاة إذا لم يتم التدخل السريع والفعال.

تشير الإحصائيات الطبية إلى أن النزيف الحاد يُعتبر السبب الرئيسي للوفاة في حالات الإصابات الرضية، خاصة خلال الساعة الأولى من الإصابة، والتي تُعرف بـ”الساعة الذهبية”. لذلك، فإن المعرفة الأساسية بتقنيات السيطرة على النزيف وإتقان مهارات الإسعافات الأولية المناسبة يمكن أن تكون الفارق بين الحياة والموت. هذه المقالة تهدف إلى تقديم دليل شامل ومفصل حول تقنيات الإسعافات الأولية للسيطرة على النزيف، مع التركيز على الأساليب العلمية المثبتة والممارسات الآمنة التي يمكن لأي شخص تعلمها وتطبيقها في حالات الطوارئ.

فسيولوجيا النزيف وآليات تجلط الدم

لفهم كيفية السيطرة على النزيف بشكل فعال، من الضروري أولاً فهم الآليات الفسيولوجية للنزيف وكيفية استجابة الجسم الطبيعية له. عندما يحدث جرح في الأوعية الدموية، يبدأ الجسم فوراً في تفعيل سلسلة معقدة من الاستجابات للحد من فقدان الدم وإصلاح الضرر.

تبدأ عملية الإرقاء (وقف النزيف) بانقباض الأوعية الدموية المصابة، وهي استجابة فورية تهدف إلى تقليل تدفق الدم إلى منطقة الإصابة. يتبع ذلك تكوين السدادة الصفيحية، حيث تلتصق الصفائح الدموية بجدران الأوعية المتضررة وببعضها البعض، مكونة حاجزاً أولياً. المرحلة الثالثة هي تفعيل شلال التخثر، وهي سلسلة من التفاعلات الكيميائية المعقدة التي تؤدي إلى تكوين شبكة من الفيبرين تعزز السدادة الصفيحية وتحولها إلى جلطة دموية مستقرة.

يختلف معدل النزيف وشدته حسب نوع الوعاء الدموي المصاب. النزيف الشرياني يكون الأخطر، حيث يتدفق الدم بقوة وبلون أحمر فاتح بسبب محتواه العالي من الأكسجين. النزيف الوريدي يكون أقل شدة، والدم يتدفق بثبات وبلون أحمر داكن. أما النزيف الشعيري فهو الأقل خطورة، حيث يتسرب الدم ببطء من الأوعية الدموية الصغيرة.

تقييم شدة النزيف وتحديد الأولويات

قبل البدء في أي تدخل إسعافي، من الضروري إجراء تقييم سريع ودقيق لحالة المصاب وشدة النزيف. هذا التقييم يساعد في تحديد الأولويات واختيار التقنية الإسعافية الأنسب. يبدأ التقييم بضمان سلامة المسعف نفسه من خلال التأكد من أمان المكان وارتداء معدات الحماية الشخصية المناسبة، خاصة القفازات الطبية لتجنب التعرض للدم والسوائل الجسدية.

يشمل التقييم الأولي فحص مستوى وعي المصاب، والتحقق من المؤشرات الحيوية مثل التنفس والنبض. يجب البحث عن علامات الصدمة النزفية مثل شحوب الجلد، وبرودة الأطراف، والتعرق الغزير، وسرعة النبض مع ضعفه، والتنفس السريع والسطحي، والارتباك أو فقدان الوعي. هذه العلامات تشير إلى فقدان كمية كبيرة من الدم وتتطلب تدخلاً فورياً.

تصنف شدة النزيف إلى عدة مستويات بناءً على كمية الدم المفقودة ومعدل الفقدان. النزيف البسيط يمكن السيطرة عليه بسهولة ولا يشكل تهديداً مباشراً للحياة. النزيف المتوسط يتطلب تدخلاً سريعاً ولكنه قابل للسيطرة بالتقنيات الأساسية. أما النزيف الشديد أو الحرج فيتطلب تدخلاً فورياً ومتقدماً وقد يحتاج إلى استخدام تقنيات متعددة ونقل سريع إلى المستشفى.

تقنيات الضغط المباشر

الضغط المباشر هو الخط الأول والأكثر فعالية في السيطرة على معظم حالات النزيف الخارجي. تعتمد هذه التقنية على تطبيق ضغط ثابت ومستمر مباشرة على موقع النزيف باستخدام ضمادة نظيفة أو قطعة قماش. الضغط المباشر يساعد على إبطاء أو إيقاف تدفق الدم، مما يسمح لآليات التجلط الطبيعية في الجسم بالعمل بفعالية أكبر.

لتطبيق الضغط المباشر بشكل صحيح، يجب أولاً وضع ضمادة معقمة أو قطعة قماش نظيفة مباشرة على الجرح. إذا لم تتوفر ضمادة معقمة، يمكن استخدام أي قطعة قماش نظيفة متاحة. يتم الضغط بقوة ثابتة باستخدام راحة اليد، مع الحفاظ على هذا الضغط لمدة لا تقل عن 10-15 دقيقة دون رفع الضمادة للتحقق من توقف النزيف، لأن ذلك قد يعطل عملية التجلط. إذا تشبعت الضمادة الأولى بالدم، لا يجب إزالتها، بل يتم وضع ضمادة إضافية فوقها والاستمرار في الضغط.

في حالات النزيف الشديد، قد يحتاج المسعف إلى استخدام وزن جسمه لتطبيق ضغط كافٍ. من المهم أيضاً رفع الطرف المصاب فوق مستوى القلب إذا كان ذلك ممكناً، حيث يساعد ذلك على تقليل ضغط الدم في منطقة الإصابة وبالتالي تقليل معدل النزيف. يجب الحفاظ على دفء المصاب ومراقبة علاماته الحيوية باستمرار أثناء تطبيق الضغط المباشر.

استخدام نقاط الضغط

عندما يفشل الضغط المباشر وحده في السيطرة على النزيف، أو عندما يكون النزيف شديداً جداً، يمكن استخدام تقنية نقاط الضغط كإجراء تكميلي. تعتمد هذه التقنية على الضغط على الشرايين الرئيسية التي تغذي منطقة النزيف بالدم، وذلك في النقاط التي تمر فيها هذه الشرايين قريباً من سطح الجلد وفوق عظام صلبة.

هناك عدة نقاط ضغط رئيسية في الجسم يمكن استخدامها حسب موقع النزيف. للنزيف في الذراع، يتم الضغط على الشريان العضدي في الجزء الداخلي من أعلى الذراع، بين العضلة ذات الرأسين والعظم. للنزيف في الساق، يتم الضغط على الشريان الفخذي في منطقة الفخذ، في المنتصف بين عظم الورك والعانة. للنزيف في الرأس أو فروة الرأس، يمكن الضغط على الشريان الصدغي أمام الأذن مباشرة.

تطبيق الضغط على هذه النقاط يتطلب معرفة دقيقة بالتشريح ومهارة في تحديد موقع الشريان. يتم الضغط باستخدام الأصابع أو راحة اليد، بقوة كافية لإيقاف النبض في الشريان. من المهم ملاحظة أن هذه التقنية يجب استخدامها فقط كإجراء مؤقت وبالتزامن مع الضغط المباشر على موقع النزيف، وليس كبديل عنه. كما يجب تخفيف الضغط على نقطة الضغط كل بضع دقائق للسماح بتدفق بعض الدم إلى الأنسجة البعيدة ومنع حدوث ضرر بسبب نقص الأكسجين.

تقنيات الضمادات والعصابات الضاغطة

بعد السيطرة الأولية على النزيف باستخدام الضغط المباشر، من الضروري تثبيت الضمادة في مكانها باستخدام عصابة ضاغطة. هذا يسمح للمسعف بتحرير يديه لأداء مهام أخرى ويضمن استمرار الضغط على الجرح. اختيار نوع الضمادة والعصابة المناسبة يعتمد على موقع وحجم الجرح، بالإضافة إلى شدة النزيف.

للجروح الصغيرة إلى المتوسطة، يمكن استخدام ضمادات لاصقة جاهزة أو شاش معقم مثبت بشريط لاصق طبي. للجروح الأكبر أو النزيف الأشد، تُستخدم ضمادات الشاش السميكة مع لفافات مرنة لتوفير ضغط متساوٍ. عند لف العصابة، يجب البدء من نقطة بعيدة عن القلب والتحرك باتجاه القلب، مع التأكد من أن اللفة ثابتة ولكن ليست ضيقة جداً بحيث تقطع الدورة الدموية تماماً.

من المهم التحقق من الدورة الدموية في الطرف المصاب بعد تطبيق العصابة الضاغطة. يتم ذلك بفحص لون وحرارة الأصابع أو أصابع القدم، والتحقق من وجود النبض البعيد، واختبار الإحساس والحركة. إذا ظهرت علامات على ضعف الدورة الدموية مثل الازرقاق أو البرودة الشديدة أو فقدان الإحساس، يجب تخفيف العصابة قليلاً مع الحفاظ على ضغط كافٍ للسيطرة على النزيف.

العاصبات (التورنيكيه): الاستخدام في الحالات الحرجة

العاصبة أو التورنيكيه هي أداة إسعافية تُستخدم لإيقاف تدفق الدم تماماً إلى طرف مصاب في حالات النزيف الشديد جداً الذي يهدد الحياة. على الرغم من أن استخدام العاصبات كان مثيراً للجدل في الماضي بسبب المخاطر المحتملة، إلا أن الأبحاث الحديثة والخبرات الميدانية، خاصة من المجالات العسكرية، أثبتت فعاليتها في إنقاذ الأرواح عند استخدامها بشكل صحيح.

يُنصح باستخدام العاصبة فقط في الحالات التالية: النزيف الشرياني الغزير من الأطراف الذي لا يمكن السيطرة عليه بالضغط المباشر، أو بتر جزئي أو كامل لأحد الأطراف، أو وجود إصابات متعددة تتطلب من المسعف التعامل مع أولويات أخرى، أو في البيئات الخطرة حيث لا يمكن الحفاظ على الضغط المباشر لفترة طويلة.

لتطبيق العاصبة بشكل صحيح، يتم وضعها على الطرف المصاب بين موقع النزيف والقلب، على بعد 5-7 سنتيمترات فوق الجرح، وليس على المفصل مباشرة. يتم شد العاصبة حتى يتوقف النزيف تماماً ويختفي النبض البعيد. من الضروري تسجيل وقت تطبيق العاصبة بوضوح، حيث أن الاستخدام المطول قد يؤدي إلى تلف الأنسجة. لا يجب إرخاء العاصبة أو إزالتها إلا من قبل طاقم طبي مؤهل في بيئة طبية مجهزة.

التعامل مع أنواع النزيف الخاصة

بعض أنواع النزيف تتطلب تقنيات خاصة تختلف عن الإجراءات القياسية. نزيف الأنف (الرعاف) مثلاً، يتطلب جلوس المصاب مع إمالة الرأس قليلاً إلى الأمام، والضغط على الجزء اللين من الأنف لمدة 10-15 دقيقة. من الخطأ الشائع إمالة الرأس إلى الخلف، حيث قد يؤدي ذلك إلى ابتلاع الدم وحدوث غثيان أو قيء.

النزيف من الأذن أو العين يتطلب حذراً خاصاً، حيث قد يشير إلى إصابة خطيرة في الرأس. في هذه الحالات، لا يجب محاولة إيقاف النزيف بالضغط المباشر، بل يتم تغطية المنطقة بضمادة نظيفة دون ضغط والإسراع في نقل المصاب إلى المستشفى. النزيف من الأذن بعد إصابة في الرأس قد يكون علامة على كسر في قاعدة الجمجمة.

النزيف الداخلي يشكل تحدياً خاصاً لأنه غير مرئي ولا يمكن السيطرة عليه بتقنيات الإسعافات الأولية العادية. يجب الاشتباه في وجود نزيف داخلي عند وجود علامات الصدمة دون نزيف خارجي واضح، أو بعد إصابات قوية في البطن أو الصدر. العلامات تشمل ألماً شديداً، وانتفاخاً أو تصلباً في البطن، وكدمات واسعة، وقيء دموي، أو براز أسود. في هذه الحالات، يكون العلاج الوحيد هو النقل السريع إلى المستشفى مع مراقبة العلامات الحيوية ومعالجة الصدمة.

الوقاية من الصدمة النزفية ومعالجتها

الصدمة النزفية هي حالة طبية طارئة تحدث عندما يفقد الجسم كمية كبيرة من الدم، مما يؤدي إلى عدم قدرة الجهاز الدوري على توصيل الأكسجين والمواد الغذائية الكافية إلى الأعضاء الحيوية. الوقاية من الصدمة ومعالجتها المبكرة جزء أساسي من إدارة حالات النزيف الشديد.

تشمل إجراءات الوقاية من الصدمة السيطرة السريعة على النزيف، ووضع المصاب في وضعية مناسبة (عادة الاستلقاء مع رفع الساقين 20-30 سنتيمتراً إذا لم تكن هناك إصابات تمنع ذلك)، والحفاظ على دفء المصاب بتغطيته ببطانية، وطمأنته وتهدئته لتقليل القلق الذي قد يزيد من سوء الحالة. يجب تجنب إعطاء المصاب أي شيء عن طريق الفم، حتى الماء، لأنه قد يحتاج إلى جراحة عاجلة.

مراقبة العلامات الحيوية بانتظام أمر ضروري لتقييم تطور الحالة. يشمل ذلك فحص مستوى الوعي، ومعدل وقوة النبض، ومعدل وعمق التنفس، ولون ودرجة حرارة الجلد. أي تدهور في هذه المؤشرات يتطلب تسريع عملية النقل إلى المستشفى وإبلاغ الطاقم الطبي بالتفاصيل.

الاعتبارات الخاصة والمضاعفات المحتملة

هناك عدة اعتبارات خاصة يجب أخذها في الحسبان عند التعامل مع حالات النزيف. المرضى الذين يتناولون أدوية مضادة للتخثر مثل الوارفارين أو الأسبرين قد يعانون من نزيف أطول وأصعب في السيطرة. المصابون بأمراض نزفية وراثية مثل الهيموفيليا يحتاجون إلى عناية خاصة حتى مع الجروح البسيطة. كبار السن والأطفال الصغار أكثر عرضة للإصابة بالصدمة النزفية بسرعة بسبب احتياطيات الدم المحدودة لديهم.

المضاعفات المحتملة لتقنيات السيطرة على النزيف تشمل العدوى، وتلف الأنسجة بسبب نقص التروية، ومتلازمة الحيز في حالة الضمادات الضيقة جداً. لتقليل خطر العدوى، يجب استخدام أنظف المواد المتاحة والحفاظ على نظافة اليدين قدر الإمكان. يجب أيضاً توثيق جميع الإجراءات المتخذة وأوقاتها لمساعدة الطاقم الطبي في المستشفى.

التدريب والممارسة

إتقان تقنيات السيطرة على النزيف يتطلب أكثر من مجرد المعرفة النظرية. التدريب العملي المنتظم ضروري لبناء الثقة والمهارة اللازمتين للتصرف بفعالية في حالات الطوارئ الحقيقية. يُنصح بشدة بالالتحاق بدورات الإسعافات الأولية المعتمدة التي توفر فرصاً للممارسة العملية تحت إشراف مدربين مؤهلين.

التدريب يجب أن يشمل سيناريوهات واقعية تحاكي ضغوط الموقف الحقيقي، بما في ذلك التعامل مع مصابين متعددين، والعمل في ظروف صعبة، واتخاذ قرارات سريعة تحت الضغط. الممارسة المنتظمة تساعد على تطوير الذاكرة العضلية وتحسين القدرة على التقييم السريع واتخاذ القرارات المناسبة.

الخاتمة

السيطرة على النزيف هي مهارة حياتية أساسية يمكن أن تنقذ الأرواح في المواقف الحرجة. من خلال فهم المبادئ الأساسية للإرقاء، وإتقان تقنيات الضغط المباشر واستخدام نقاط الضغط، والقدرة على تطبيق الضمادات بشكل صحيح، واستخدام العاصبات عند الضرورة، يمكن لأي شخص أن يصبح حلقة حيوية في سلسلة البقاء على قيد الحياة.

المعرفة وحدها لا تكفي؛ يجب أن تقترن بالممارسة المنتظمة والاستعداد النفسي للتصرف في حالات الطوارئ. كما أن الوقاية تبقى دائماً خيراً من العلاج، لذا يجب الحرص على اتباع إجراءات السلامة في جميع جوانب الحياة لتقليل خطر الإصابات والنزيف.

في النهاية، تذكر أن الهدف الأساسي من الإسعافات الأولية للنزيف هو الحفاظ على الحياة ومنع تدهور الحالة حتى وصول المساعدة الطبية المتخصصة. بالمعرفة الصحيحة والتدريب المناسب، يمكن لكل فرد في المجتمع أن يساهم في إنقاذ الأرواح وتقليل المعاناة الناجمة عن إصابات النزيف.

تعتبر السيطرة على النزيف حجر الزاوية في طب الطوارئ والعناية بالإصابات الحادة، حيث يشكل فقدان الدم غير المتحكم به السبب الرئيسي للوفيات التي يمكن الوقاية منها في حوادث الرضوض. إن فهم الآليات الفسيولوجية والاستجابات المرضية للنزيف، بالإضافة إلى الإلمام بأحدث استراتيجيات التدخل، هو أمر بالغ الأهمية للممارسين الصحيين. تقدم هذه المقالة عشرة أسئلة احترافية مصممة لتغطية الجوانب الأساسية والمتقدمة في السيطرة على النزيف، مع إجابات أكاديمية مطولة.

الأسئلة الشائعة

1. ما هي الآليات الفسيولوجية الطبيعية التي يستجيب بها الجسم لوقف النزيف، والمعروفة بالإرقاء (Hemostasis)؟

الإرقاء هو عملية فسيولوجية معقدة ومتعددة الخطوات تهدف إلى وقف النزيف عند حدوث إصابة في الأوعية الدموية مع الحفاظ على سيولة الدم في باقي الدورة الدموية. تنقسم هذه العملية إلى مرحلتين رئيسيتين: الإرقاء الأولي والإرقاء الثانوي.

  • الإرقاء الأولي: تبدأ هذه المرحلة فور حدوث الإصابة وتلف البطانة الغشائية للوعاء الدموي. تتمثل الاستجابة الفورية في حدوث تضيق وعائي (Vasoconstriction) لتقليل تدفق الدم إلى المنطقة المصابة. بعد ذلك، تلتصق الصفائح الدموية بالكولاجين المكشوف في جدار الوعاء الدموي المصاب، وهي عملية يتم تنشيطها بواسطة بروتين يسمى عامل فون ويلبراند (von Willebrand factor). يؤدي هذا الالتصاق إلى تنشيط الصفائح الدموية، فتتغير شكلها وتطلق محتويات حبيباتها، مثل الأدينوسين ثنائي الفوسفات (ADP) والثرومبوكسان A2، التي تجذب المزيد من الصفائح الدموية إلى الموقع لتتجمع وتُكوّن “سدادة صفيحية” (platelet plug) غير مستقرة تسد الجرح بشكل مؤقت.
  • الإرقاء الثانوي (شلال التخثر): تعمل هذه المرحلة على تقوية السدادة الصفيحية الهشة عن طريق تكوين شبكة من خيوط الفبرين المستقرة. يتم ذلك من خلال سلسلة من التفاعلات الإنزيمية التي تشمل بروتينات بلازمية تُعرف بعوامل التخثر. ينقسم شلال التخثر تقليدياً إلى مسارين:
    • المسار الداخلي (Intrinsic Pathway): يتم تفعيله عند تماس الدم مع سطح غريب أو الكولاجين داخل الوعاء الدموي المصاب.
    • المسار الخارجي (Extrinsic Pathway): يتم تفعيله بواسطة العامل النسيجي (Tissue Factor) الذي يُطلق من الخلايا المصابة خارج الأوعية الدموية. يعتبر هذا المسار هو البادئ الرئيسي لعملية التخثر في الجسم الحي.

يلتقي كلا المسارين في “مسار مشترك” نهائي يؤدي إلى تحويل البروثرومبين (العامل الثاني) إلى ثرومبين. يقوم الثرومبين بعد ذلك بتحويل الفيبرينوجين (العامل الأول) الذائب في البلازما إلى خيوط فيبرين غير ذائبة، والتي تترسب لتشكل شبكة ثلاثية الأبعاد تحبس خلايا الدم والصفائح، مكونةً جلطة دموية مستقرة وصلبة توقف النزيف بشكل فعال.

2. كيف يتم تصنيف الصدمة النزفية، وما هي العلامات السريرية المميزة لكل مرحلة؟

الصدمة النزفية هي حالة طبية طارئة تنتج عن فقدان كمية كبيرة من الدم، مما يؤدي إلى عدم كفاية إمداد الأنسجة بالأكسجين. يتم تصنيفها عادةً إلى أربع فئات بناءً على نسبة الدم المفقود والأعراض السريرية المصاحبة، وفقًا لنظام دعم الحياة المتقدم في الإصابات (ATLS):

  • الفئة الأولى (Class I):
    • فقدان الدم: يصل إلى 15% من حجم الدم (حوالي 750 مل في شخص بالغ).
    • العلامات السريرية: عادة لا تظهر أعراض واضحة. قد يشعر المريض بقلق خفيف. معدل ضربات القلب، ضغط الدم، الضغط النبضي، ومعدل التنفس تبقى ضمن المعدلات الطبيعية. لا تتطلب هذه المرحلة عادةً تعويضاً للسوائل.
  • الفئة الثانية (Class II):
    • فقدان الدم: بين 15% و 30% من حجم الدم (750-1500 مل).
    • العلامات السريرية: يبدأ الجسم في إظهار علامات المعاوضة. يزداد معدل ضربات القلب (تسرع القلب)، ويقل الضغط النبضي (الفرق بين الضغط الانقباضي والانبساطي) بسبب زيادة المقاومة الوعائية الطرفية. قد يظهر على المريض شحوب في الجلد وبرودة في الأطراف، ويزداد معدل التنفس.
  • الفئة الثالثة (Class III):
    • فقدان الدم: بين 30% و 40% من حجم الدم (1500-2000 مل).
    • العلامات السريرية: تفشل آليات المعاوضة في الجسم، ويبدأ ضغط الدم بالانخفاض بشكل واضح. يُظهر المريض تسرعاً ملحوظاً في ضربات القلب، وتسرعاً في التنفس، وتغيرًا في الحالة العقلية (مثل التشوش أو الهياج). يصبح النبض ضعيفًا وسريعًا. يحتاج المريض في هذه المرحلة إلى نقل الدم بشكل فوري.
  • الفئة الرابعة (Class IV):
    • فقدان الدم: أكثر من 40% من حجم الدم (أكثر من 2000 مل).
    • العلامات السريرية: تكون هذه المرحلة مهددة للحياة بشكل مباشر. يعاني المريض من تسرع شديد في ضربات القلب، انخفاض حاد في ضغط الدم، وقد يكون النبض المحيطي غائبًا. يكون المريض في حالة من الخمول أو فقدان الوعي. الجلد بارد وشاحب جدًا. هذه الحالة تتطلب إنعاشًا فوريًا ومكثفًا بالدم والسوائل.

3. ما هو “الثالوث المميت” (Lethal Triad) في سياق إصابات الرضوض، وكيف تساهم كل من مكوناته في تفاقم النزيف؟

“الثالوث المميت” هو حلقة مفرغة قاتلة تحدث في مرضى الإصابات الشديدة، وتتكون من ثلاثة عناصر مترابطة: انخفاض درجة حرارة الجسم (Hypothermia)، الحماض الاستقلابي (Acidosis)، واعتلال التخثر (Coagulopathy). كل عامل من هذه العوامل يؤدي إلى تفاقم العاملين الآخرين، مما يخلق دوامة تؤدي إلى تدهور سريع في حالة المريض وزيادة معدل الوفيات.

  • انخفاض درجة حرارة الجسم (Hypothermia): فقدان الدم يقلل من قدرة الجسم على الحفاظ على درجة حرارته. يؤثر انخفاض درجة الحرارة بشكل مباشر على وظيفة الصفائح الدموية ويُبطئ التفاعلات الإنزيمية في شلال التخثر، حيث أن عوامل التخثر تعمل على النحو الأمثل عند درجة حرارة الجسم الطبيعية (حوالي 37 درجة مئوية). هذا الضعف في آلية التخثر يؤدي إلى استمرار النزيف، مما يسبب فقدانًا إضافيًا للحرارة ويزيد من تفاقم الحالة.
  • الحماض الاستقلابي (Acidosis): عندما ينخفض تدفق الدم إلى الأنسجة بسبب النزيف (نقص التروية)، تتحول الخلايا من الأيض الهوائي إلى الأيض اللاهوائي لإنتاج الطاقة، مما يؤدي إلى تراكم حمض اللاكتيك وانخفاض درجة حموضة الدم (pH). الحماض يضعف وظيفة عوامل التخثر بشكل كبير، وخاصة فعالية الثرومبين، ويقلل من قدرة القلب على الانقباض، مما يقلل من النتاج القلبي ويزيد من سوء تروية الأنسجة، وبالتالي يفاقم الحماض والنزيف.
  • اعتلال التخثر (Coagulopathy): يحدث اعتلال التخثر نتيجة لعدة عوامل مجتمعة: استهلاك عوامل التخثر والصفائح الدموية في محاولة لوقف النزيف، وتأثير انخفاض درجة الحرارة والحماض على وظيفتها، بالإضافة إلى تخفيف عوامل التخثر بسبب إعطاء السوائل الوريدية التي لا تحتوي عليها. هذا الاعتلال يمنع تكوين جلطة دموية مستقرة، مما يؤدي إلى نزيف مستمر لا يمكن السيطرة عليه، وهو ما يغذي بدوره انخفاض درجة الحرارة والحماض، مكملاً بذلك الحلقة المفرغة.

4. ما هو مبدأ “الإنعاش للحد من الضرر” (Damage Control Resuscitation – DCR)، وما هي مكوناته الأساسية؟

“الإنعاش للحد من الضرر” هو استراتيجية علاجية حديثة تستخدم في التعامل مع المرضى المصابين بنزيف حاد وصدمة نزفية. الهدف منها هو تجنب المضاعفات الناجمة عن طرق الإنعاش التقليدية (مثل إعطاء كميات كبيرة من المحاليل الملحية) والتي يمكن أن تفاقم “الثالوث المميت”. تركز هذه الاستراتيجية على استعادة الفسيولوجيا الطبيعية للجسم بدلاً من مجرد إعادة ضغط الدم إلى مستوياته الطبيعية. مكوناتها الأساسية تشمل:

  1. انخفاض ضغط الدم المسموح به (Permissive Hypotension): يتمثل هذا المبدأ في قبول ضغط دم انقباضي أقل من الطبيعي (عادة حوالي 80-90 ملم زئبقي) حتى يتم السيطرة على مصدر النزيف جراحيًا. الهدف هو الحفاظ على تروية كافية للأعضاء الحيوية (مثل الدماغ والقلب) دون رفع الضغط إلى درجة تؤدي إلى إزاحة الجلطات المتكونة حديثًا أو تخفيف عوامل التخثر، مما قد يؤدي إلى تفاقم النزيف. (يستثنى من ذلك مرضى إصابات الدماغ الرضحية).
  2. الإنعاش المبكر بمنتجات الدم بنسب متوازنة: بدلاً من الاعتماد على كميات كبيرة من السوائل البلورانية (Crystalloids)، يتم نقل مكونات الدم (خلايا الدم الحمراء المكدوسة، البلازما الطازجة المجمدة، والصفائح الدموية) بنسب متوازنة، غالبًا ما تكون 1:1:1. هذه المقاربة تهدف إلى محاكاة الدم الكامل، مما يوفر ليس فقط قدرة على حمل الأكسجين ولكن أيضًا عوامل تخثر وصفائح دموية ضرورية لوقف النزيف ومكافحة اعتلال التخثر.
  3. منع وعلاج انخفاض حرارة الجسم والحماض: يتم اتخاذ إجراءات فعالة لتدفئة المريض (مثل استخدام بطانيات التدفئة والسوائل الوريدية الدافئة) لمكافحة انخفاض درجة الحرارة. كما يتم مراقبة ومعالجة الحماض الاستقلابي لضمان عمل أنظمة الجسم بشكل فعال، وبالتالي كسر الحلقة المفرغة “للثالوث المميت”.

5. متى يجب استخدام العاصبة (Tourniquet)، وما هي الاعتبارات الهامة عند تطبيقها بشكل صحيح؟

العاصبة هي أداة فعالة للغاية في السيطرة على النزيف الشرياني الحاد الذي يهدد الحياة في الأطراف (الذراعين والساقين)، والذي لا يمكن السيطرة عليه بالضغط المباشر. الاستخدام الصحيح وفي الوقت المناسب يمكن أن ينقذ الأرواح.

  • مؤشرات الاستخدام:
    • نزيف شرياني حاد ونافر من أحد الأطراف.
    • فشل الضغط المباشر في السيطرة على النزيف.
    • في حالات الإصابات الجماعية حيث لا يمكن للمسعف البقاء مع مصاب واحد لتطبيق الضغط المباشر.
    • الإصابات التي يصعب الوصول إليها لتطبيق الضغط المباشر.
  • اعتبارات التطبيق الصحيح:
    1. الموقع: يجب وضع العاصبة على بعد حوالي 5-7 سم (2-3 بوصات) فوق موقع النزيف، وليس مباشرة على الجرح. لا يجب وضعها أبدًا فوق مفصل (مثل الكوع أو الركبة).
    2. التطبيق: يتم شد العاصبة بقوة حتى يتوقف النزيف تمامًا ويختفي النبض البعيد (النبض أسفل موقع العاصبة). إذا لم يتوقف النزيف، فقد يتطلب الأمر شدها أكثر أو وضع عاصبة ثانية أعلى من الأولى.
    3. تسجيل الوقت: من الأهمية بمكان تسجيل وقت وضع العاصبة بوضوح على العاصبة نفسها أو على جبين المريض. هذه المعلومة حيوية للفريق الطبي في المستشفى لتحديد المدة التي بقي فيها الطرف دون تروية دموية.
    4. عدم الإزالة: بمجرد وضع العاصبة بشكل فعال، لا ينبغي إزالتها أو فكها إلا من قبل أفراد طبيين مؤهلين في بيئة خاضعة للرقابة، حيث أن إزالتها بشكل غير صحيح يمكن أن يؤدي إلى عودة النزيف أو إطلاق السموم المتراكمة في الطرف.
    5. الألم: يجب إبلاغ المصاب بأن تطبيق العاصبة سيكون مؤلمًا، ولكنه ضروري لإنقاذ حياته.

6. ما هو حشو الجروح (Wound Packing)، ومتى يتم اللجوء إليه، خاصة مع استخدام العوامل المرقئة (Hemostatic Agents)؟

حشو الجروح هو أسلوب يستخدم للسيطرة على النزيف الشديد في المناطق التي لا يمكن فيها استخدام العاصبة، مثل مناطق الاتصال بين الجذع والأطراف (النزيف الوصلي – Junctional Hemorrhage) كالفخذ والكتف، وكذلك في الرقبة.

  • آلية العمل: تعتمد هذه التقنية على حشو الجرح بالكامل وبقوة بشاش أو ضمادات خاصة، ثم تطبيق ضغط مباشر قوي ومستمر لمدة 3-5 دقائق على الأقل. الهدف هو ملء التجويف الناتج عن الجرح بالكامل لممارسة ضغط مباشر على الأوعية الدموية النازفة في عمق الجرح، مما يساعد على تكوين الجلطة.
  • استخدام العوامل المرقئة: لزيادة فعالية حشو الجروح، غالبًا ما يتم استخدام شاش مشبع بعوامل مرقئة (Hemostatic Gauze). هذه العوامل هي مواد تسرع من عملية التخثر الطبيعية. يمكن تصنيفها إلى:
    • عوامل معززة للتخثر: مثل الكاولين (Kaolin)، وهو طين معدني ينشط المسار الداخلي لشلال التخثر.
    • عوامل مستقلة عن شلال التخثر: مثل الشيتوزان (Chitosan)، وهو بوليمر مشتق من القشريات يحمل شحنة موجبة قوية تجذب خلايا الدم الحمراء والصفائح الدموية سالبة الشحنة لتكوين جلطة صناعية.

يتم إدخال الشاش المرقئ في عمق الجرح وملء الفراغ بالكامل، ثم يتم تطبيق ضغط مباشر قوي. أثبتت هذه التقنية فعاليتها العالية في السيطرة على النزيف الذي كان يعتبر قاتلاً في السابق.

7. ما هي التحديات الرئيسية في السيطرة على النزيف الوصلي (Junctional Hemorrhage)، وما هي الأدوات المتخصصة المتاحة للتعامل معه؟

النزيف الوصلي هو نزيف يحدث في مناطق التقاء الأطراف بالجذع، مثل منطقة الحوض والأربية، والكتف والإبط، والرقبة. تمثل هذه الإصابات تحديًا كبيرًا لأنها غالبًا ما تكون غزيرة ولا يمكن السيطرة عليها باستخدام العواصب التقليدية للأطراف.

  • التحديات:
    • التشريح المعقد: تمر شرايين وأوردة كبيرة عبر هذه المناطق (مثل الشريان الفخذي والإبطي)، وأي إصابة فيها يمكن أن تؤدي إلى فقدان دم كارثي في دقائق.
    • عدم قابلية الضغط: يصعب تطبيق ضغط محيطي فعال في هذه المناطق بسبب شكل الجسم وعدم وجود عظم واحد يمكن الضغط عليه.
    • صعوبة الوصول: قد تكون الجروح عميقة أو في مناطق يصعب الوصول إليها لتطبيق الضغط المباشر أو الحشو الفعال.
  • الأدوات المتخصصة:
    1. حشو الجروح بالشاش المرقئ: كما ذكرنا سابقًا، يعتبر هذا هو الخط الأول والأكثر شيوعًا للتعامل مع النزيف الوصلي.
    2. العواصب الوصلية (Junctional Tourniquets): تم تطوير أجهزة متخصصة مصممة خصيصًا لهذه المناطق. تعمل هذه الأجهزة عن طريق تطبيق ضغط بؤري مباشر على الشريان المصاب ضد عظم الحوض أو الترقوة. من الأمثلة على ذلك جهاز (SAM Junctional Tourniquet) و (Combat Ready Clamp).
    3. الأجهزة القابلة للنفخ: بعض الأجهزة تستخدم وسائد هوائية قابلة للنفخ لممارسة ضغط مستهدف على موقع النزيف.
    4. قسطرة البالون لإغلاق الأوعية الدموية (REBOA): في البيئة الاستشفائية، يمكن استخدام هذه التقنية المتقدمة حيث يتم إدخال قسطرة مع بالون عبر الشريان الفخذي ورفعها إلى الشريان الأورطي لنفخ البالون، مما يوقف تدفق الدم مؤقتًا إلى الجزء السفلي من الجسم للسيطرة على النزيف الحوضي أو البطني غير القابل للضغط.

8. ما هو دور حمض الترانيكساميك (Tranexamic Acid – TXA) في علاج النزيف الحاد، وما هي آلية عمله؟

حمض الترانيكساميك (TXA) هو دواء مضاد لانحلال الفبرين (Antifibrinolytic) أظهر فعالية في تقليل الوفيات الناجمة عن النزيف في مرضى الإصابات.

  • آلية العمل: بعد تكوين الجلطة الدموية (شبكة الفبرين)، يبدأ الجسم بشكل طبيعي في عملية تحليلها لإعادة فتح الوعاء الدموي، وهي عملية تسمى انحلال الفبرين (Fibrinolysis). يتم تنشيط البلازمينوجين إلى البلازمين، وهو الإنزيم المسؤول عن تكسير خيوط الفبرين. في حالات النزيف الحاد، يمكن أن يؤدي انحلال الفبرين المبكر أو المفرط إلى تفكك الجلطات قبل الأوان واستمرار النزيف. يعمل حمض الترانيكساميك عن طريق الارتباط بمواقع محددة على البلازمينوجين، مما يمنع تحوله إلى البلازمين. وبذلك، فإنه لا يعزز تكوين الجلطات الجديدة، ولكنه “يحمي” ويُثبّت الجلطات التي تم تكوينها بالفعل، مما يمنع تفككها ويساعد على السيطرة على النزيف.
  • الاستخدام السريري: توصي الإرشادات الحالية بإعطاء حمض الترانيكساميك في أقرب وقت ممكن للمرضى الذين يعانون أو يشتبه في معاناتهم من نزيف حاد، ويفضل أن يكون ذلك في غضون ثلاث ساعات من الإصابة. أظهرت الدراسات الكبرى (مثل دراسة CRASH-2) أن الإعطاء المبكر يقلل بشكل كبير من معدل الوفيات المرتبطة بالنزيف دون زيادة ملحوظة في خطر حدوث مضاعفات التخثر (مثل الجلطات الدموية).

9. كيف يختلف التعامل مع النزيف الداخلي (Internal Bleeding) عن النزيف الخارجي، وما هي المؤشرات التي تدل على وجوده؟

يختلف التعامل مع النزيف الداخلي بشكل جذري عن النزيف الخارجي، حيث أن مصدر النزيف غير مرئي ولا يمكن تطبيق إجراءات السيطرة المباشرة (مثل الضغط أو الحشو) في البيئة ما قبل المستشفى.

  • النزيف الخارجي: يمكن رؤية مصدر النزيف والسيطرة عليه مباشرة من خلال تقنيات مثل الضغط المباشر، رفع الطرف، حشو الجروح، واستخدام العواصب.
  • النزيف الداخلي: يحدث النزيف داخل تجاويف الجسم مثل الصدر، البطن، أو الحوض. السيطرة النهائية عليه تتطلب غالبًا تدخلًا جراحيًا فوريًا. لذلك، ينصب التركيز في البيئة ما قبل المستشفى على التعرف السريع على الحالة، وبدء الإنعاش، والنقل السريع إلى مركز إصابات متخصص.
  • مؤشرات النزيف الداخلي:
    • آلية الإصابة: حوادث السير عالية السرعة، السقوط من ارتفاع، الإصابات النافذة في الجذع.
    • علامات الصدمة غير المبررة: وجود علامات الصدمة النزفية (تسرع القلب، انخفاض ضغط الدم، شحوب الجلد) دون وجود نزيف خارجي واضح.
    • أعراض موضعية:
      • نزيف الصدر (Hemothorax): ألم في الصدر، صعوبة في التنفس، انخفاض أصوات التنفس في الجانب المصاب.
      • نزيف البطن (Hemoperitoneum): ألم أو انتفاخ في البطن، صلابة في جدار البطن، وجود كدمات (مثل علامة كولين حول السرة أو علامة غراي تيرنر على الخاصرة).
      • كسور الحوض: ألم شديد في الحوض، عدم استقرار عند الضغط على الحوض، وجود دم في مخرج البول.
      • كسور العظام الطويلة: مثل عظم الفخذ، يمكن أن يؤدي إلى فقدان كمية كبيرة من الدم (1-1.5 لتر) داخل الأنسجة الرخوة المحيطة.

10. ما هي الأخطاء الشائعة التي يجب تجنبها عند تقديم الإسعافات الأولية للسيطرة على النزيف؟

على الرغم من أن نية المساعدة تكون حسنة، إلا أن بعض الإجراءات الخاطئة يمكن أن تزيد من سوء الإصابة أو تؤخر الرعاية الفعالة.

  • إزالة الضمادات المشبعة بالدم: عند وضع ضمادة على جرح نازف وتطبيق الضغط، قد تتشبع بالدم. من الخطأ إزالة هذه الضمادة لوضع واحدة جديدة، لأن هذا الإجراء يزيل الجلطة الأولية التي بدأت تتكون وقد يؤدي إلى عودة النزيف بغزارة. الإجراء الصحيح هو إضافة ضمادة جديدة فوق الضمادة الأولى ومواصلة الضغط.
  • استخدام العاصبة بشكل غير صحيح أو عندما لا تكون ضرورية: لا ينبغي استخدام العاصبة في حالات النزيف الوريدي البسيط أو النزيف الذي يمكن السيطرة عليه بالضغط المباشر. كما أن ربطها بشكل غير محكم يمكن أن يؤدي إلى إعاقة العودة الوريدية مع السماح باستمرار التدفق الشرياني، مما قد يزيد من النزيف.
  • استخدام مواد غير مناسبة كعاصبة: يجب تجنب استخدام مواد ضيقة مثل الأسلاك أو الخيوط، لأنها يمكن أن تسبب تلفًا شديدًا في الأنسجة والأعصاب. يفضل استخدام عاصبة تجارية مصممة لهذا الغرض.
  • إزالة الأجسام المغروزة في الجرح: إذا كان هناك جسم غريب (مثل قطعة زجاج أو سكين) مغروزًا في الجرح، فلا يجب إزالته أبدًا. هذا الجسم قد يكون هو ما يسد الوعاء الدموي النازف، وإزالته يمكن أن تسبب نزيفًا كارثيًا. الإجراء الصحيح هو تثبيت الجسم في مكانه وتضميد الجرح حوله.
  • تجاهل سلامة المسعف الشخصية: قبل مساعدة المصاب، من المهم التأكد من سلامة المكان وارتداء معدات الوقاية الشخصية مثل القفازات إن وجدت، لتجنب انتقال الأمراض المنقولة عن طريق الدم.
  • تأخير طلب المساعدة الطبية: حتى لو بدا أن النزيف قد توقف، يجب دائمًا طلب المساعدة الطبية المتخصصة في حالات النزيف الشديد، حيث أن المريض قد يحتاج إلى رعاية متقدمة لتقييم مدى الإصابة ومنع حدوث مضاعفات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى