الثابت باي (π): رحلة عبر الزمن والرياضيات لكشف أسرار العدد الأكثر شهرة في العالم

في قلب الرياضيات والهندسة، وفي نسيج قوانين الفيزياء التي تحكم الكون، يكمن ثابت رياضي فريد استحوذ على خيال العلماء والمفكرين لآلاف السنين. هذا الثابت، المعروف عالمياً بالرمز اليوناني “π”، هو أكثر من مجرد رقم؛ إنه جسر بين الهندسة الإقليدية البسيطة وأعقد مفاهيم التحليل الرياضي والفيزياء النظرية. إن الثابت باي (π)، بتعريفه الأساسي كنسبة بين محيط الدائرة وقطرها، يمثل لغزاً لا نهائياً وتحدياً مستمراً للعقل البشري. تبدأ هذه المقالة رحلة أكاديمية لاستكشاف تاريخ وخصائص وتطبيقات هذا الثابت المذهل، وتكشف لماذا يظل الثابت باي (π) محور اهتمام لا ينضب في عالم العلوم.
لمحة تاريخية عن اكتشاف الثابت باي (π)
لم يكن اكتشاف الثابت باي (π) لحظة واحدة من الإلهام، بل كان عملية تطورية تدريجية امتدت عبر حضارات وثقافات متعددة. بدأت الحاجة إلى فهم هذه النسبة الغامضة مع أولى المحاولات البشرية لبناء هياكل دائرية وقياس الأراضي الزراعية. أدركت الحضارات القديمة أن هناك علاقة ثابتة بين محيط الدائرة وقطرها، لكن تحديد قيمتها الدقيقة كان تحدياً هائلاً.
كان البابليون من أوائل من حاولوا تقدير قيمة الثابت باي (π). تشير الألواح الطينية التي يعود تاريخها إلى حوالي 1900 قبل الميلاد إلى أنهم استخدموا قيمة تقريبية تساوي 3.125. وقد تم التوصل إلى هذه القيمة من خلال حساب محيط مضلع سداسي منتظم مرسوم داخل دائرة، معتبرين أن محيط الدائرة أكبر قليلاً. أما في مصر القديمة، فقد قدمت بردية ريند (حوالي 1650 قبل الميلاد) تقديراً مختلفاً. استخدم المصريون قيمة تقريبية لـ الثابت باي (π) تبلغ (16/9)²
، وهو ما يساوي تقريباً 3.1605. كانت هذه التقديرات، على الرغم من عدم دقتها بالمعايير الحديثة، كافية بشكل ملحوظ للتطبيقات العملية في ذلك الوقت، مثل البناء والري.
جاءت القفزة النوعية في فهم الثابت باي (π) مع الإغريق القدماء، وتحديداً مع أرخميدس من سيراكيوز (حوالي 287-212 قبل الميلاد). لم يكن أرخميدس أول من حاول حساب النسبة، لكنه كان أول من طور منهجية رياضية صارمة لحصر قيمتها. استخدم طريقة “الاستنفاد” (Method of Exhaustion) عن طريق رسم مضلعات منتظمة داخل الدائرة (محصورة) وخارجها (محيطة). بدأ بمضلع سداسي الأضلاع، ثم ضاعف عدد الأضلاع بشكل متكرر إلى 12، 24، 48، وصولاً إلى مضلع له 96 ضلعاً. من خلال حساب محيطي المضلعين الداخلي والخارجي، تمكن أرخميدس من إثبات أن قيمة الثابت باي (π) تقع بين 223/71
(حوالي 3.1408) و 22/7
(حوالي 3.1428). لم يكتفِ بتقديم تقدير، بل وضع حداً أعلى وأدنى للقيمة الحقيقية، وهو ما يمثل علامة فارقة في تاريخ الرياضيات. لقد أرسى عمله الأساس لكيفية التعامل مع الثابت باي (π) بشكل دقيق لأكثر من 1500 عام.
خلال العصور الوسطى، استمر السعي وراء قيمة أكثر دقة لـ الثابت باي (π) في أجزاء أخرى من العالم. في الصين، حقق عالم الرياضيات زو تشونغزي (429-500 م) إنجازاً مذهلاً بحساب قيمة الثابت باي (π) بدقة تصل إلى سبع منازل عشرية، مقدراً أنها تقع بين 3.1415926 و 3.1415927. كما قدم الكسر التقريبي 355/113
، والذي يظل أحد أفضل التقريبات الكسرية لـ الثابت باي (π) حتى يومنا هذا. ظل هذا الإنجاز هو الأكثر دقة في العالم لما يقرب من ألف عام.
وفي العالم الإسلامي، ساهم علماء الرياضيات أيضاً بشكل كبير. قام العالم الفارسي غياث الدين الكاشي (حوالي 1380-1429 م)، في مرصده بسمرقند، باستخدام طريقة المضلعات التي طورها أرخميدس ولكن بعدد هائل من الأضلاع. لقد حسب قيمة الثابت باي (π) بدقة تصل إلى 16 منزلة عشرية في عام 1424، محطماً جميع الأرقام القياسية السابقة. يُظهر هذا التقدم كيف أن البحث عن طبيعة الثابت باي (π) كان مشروعاً عالمياً، حيث بنت كل حضارة على إنجازات من سبقوها.
الطبيعة الرياضية للثابت باي (π)
إن السحر الحقيقي لـ الثابت باي (π) لا يكمن فقط في تاريخه الطويل، بل في خصائصه الرياضية العميقة والمدهشة. هذه الخصائص هي التي ترفعه من مجرد ثابت هندسي إلى حجر زاوية في العديد من فروع الرياضيات.
أولاً وقبل كل شيء، الثابت باي (π) هو عدد غير نسبي (Irrational). هذا يعني أنه لا يمكن التعبير عنه ككسر بسيط من عددين صحيحين a/b
. على الرغم من أن التقريبات مثل 22/7
أو 355/113
مفيدة للغاية، إلا أنها تبقى مجرد تقريبات. تم إثبات لا نسبية الثابت باي (π) لأول مرة في عام 1761 على يد العالم السويسري يوهان هاينريش لامبرت. implications هذا الاكتشاف هائلة: فالتمثيل العشري لـ الثابت باي (π) يستمر إلى ما لا نهاية دون أن يتكرر في نمط دوري. كلما حسبنا المزيد من الأرقام، تظهر أرقام جديدة بترتيب يبدو عشوائياً تماماً. هذه الخاصية هي مصدر سحر لا ينتهي للرياضيين والهواة على حد سواء.
لكن الطبيعة الرياضية لـ الثابت باي (π) تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. في عام 1882، أثبت عالم الرياضيات الألماني فرديناند فون ليندمان أن الثابت باي (π) هو أيضاً عدد متسامٍ (Transcendental). العدد المتسامي هو عدد غير جبري، أي أنه ليس حلاً (أو جذراً) لأي معادلة متعددة الحدود غير صفرية ذات معاملات نسبية. هذا الاكتشاف لم يكن مجرد إضافة خاصية أخرى إلى الثابت باي (π)؛ بل حل بشكل قاطع إحدى أقدم وأشهر المسائل في تاريخ الرياضيات: “تربيع الدائرة”. كانت هذه المسألة، التي طرحها الإغريق القدماء، تتساءل عما إذا كان من الممكن بناء مربع له نفس مساحة دائرة معينة باستخدام المسطرة والفرجار فقط. أثبت برهان ليندمان أن هذا مستحيل، لأن جميع الأطوال التي يمكن إنشاؤها بهذه الأدوات هي أعداد جبرية، وبما أن مساحة الدائرة (A = πr²
) تتضمن الثابت باي (π) المتسامي، فلا يمكن إنشاء طول ضلع المربع المطلوب (sqrt(π) * r
).
إحدى الخصائص الأخرى التي لا تزال في طور التخمين هي “الحالة الطبيعية” (Normality) لـ الثابت باي (π). يُقال عن العدد إنه “طبيعي” إذا ظهرت جميع أرقامه (0-9) وجميع تسلسلات الأرقام الممكنة بنفس التكرار على المدى الطويل. على سبيل المثال، في عدد طبيعي، يجب أن يظهر الرقم 7 حوالي 10% من الوقت، ويجب أن يظهر التسلسل “314” حوالي 0.1% من الوقت. على الرغم من أن التحليلات الإحصائية لمليارات الأرقام المحسوبة من الثابت باي (π) تشير بقوة إلى أنه طبيعي، إلا أنه لم يتم إثبات ذلك رياضياً حتى الآن. إذا ثبت أن الثابت باي (π) طبيعي، فإن هذا يعني أن أي تسلسل رقمي محدود يمكن تخيله – مثل تاريخ ميلادك، أو رقم هاتفك، أو حتى نص كامل مشفر رقمياً – سيظهر في مكان ما في التوسع العشري اللانهائي لـ الثابت باي (π).
طرق حساب الثابت باي (π) عبر العصور
إن السعي لحساب قيمة الثابت باي (π) بدقة متزايدة يعكس تطور الفكر الرياضي نفسه. يمكن تقسيم هذا السعي إلى ثلاث مراحل رئيسية: العصر الهندسي، وعصر التفاضل والتكامل، والعصر الحاسوبي.
في العصر الهندسي، الذي هيمن عليه منهج أرخميدس، كان حساب الثابت باي (π) يعتمد كلياً على المضلعات. كانت هذه الطريقة فعالة ولكنها شاقة للغاية. كل زيادة طفيفة في الدقة كانت تتطلب مضاعفة عدد أضلاع المضلع، مما يزيد من تعقيد الحسابات بشكل كبير. وصل هذا النهج إلى ذروته مع علماء مثل لودولف فان كويلن في حوالي عام 1600، الذي أمضى جزءاً كبيراً من حياته في استخدام طريقة المضلعات لحساب الثابت باي (π) إلى 35 منزلة عشرية، وهو إنجاز كان فخوراً به لدرجة أنه طلب نقش هذه الأرقام على شاهد قبره.
جاءت الثورة الحقيقية مع تطور التفاضل والتكامل في القرن السابع عشر. فتح هذا المجال الجديد الباب أمام طرق حسابية أكثر قوة وكفاءة تعتمد على المتسلسلات اللانهائية (Infinite Series). كانت إحدى أولى هذه المتسلسلات وأشهرها هي متسلسلة مادهافا-لايبنتز:π/4 = 1 - 1/3 + 1/5 - 1/7 + 1/9 - ...
على الرغم من جمالها وبساطتها، إلا أن هذه المتسلسلة تتقارب ببطء شديد، مما يجعلها غير عملية للحسابات الدقيقة. ومع ذلك، سرعان ما تم اكتشاف متسلسلات أخرى تتقارب بسرعة أكبر. في عام 1706، اكتشف جون ماشين صيغة أنيقة وسريعة التقارب:π/4 = 4 * arctan(1/5) - arctan(1/239)
باستخدام متسلسلات تايلور لتوسيع حدي arctan
، تمكن ماشين من حساب الثابت باي (π) إلى 100 منزلة عشرية. أصبحت الصيغ الشبيهة بصيغة ماشين هي الطريقة القياسية لحساب الثابت باي (π) يدوياً لأكثر من 250 عام، مما سمح للرياضيين بالوصول إلى مئات المنازل العشرية.
بدأ العصر الحاسوبي في منتصف القرن العشرين مع ظهور أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية. أحدث هذا نقلة نوعية في القدرة على حساب الثابت باي (π). في عام 1949، استخدم كمبيوتر ENIAC لحساب 2037 منزلة عشرية في 70 ساعة، وهو ما تجاوز كل ما تم تحقيقه يدوياً في آلاف السنين. منذ ذلك الحين، أصبح سباق حساب الثابت باي (π) مقياساً لقوة الحوسبة وكفاءة الخوارزميات. تم تطوير خوارزميات جديدة، مثل خوارزمية غاوس-ليجيندر وخوارزميات بورنوين، التي تتقارب بسرعة هائلة (تقارب تربيعي أو أسرع)، مما يعني أن عدد الأرقام الصحيحة يتضاعف تقريباً في كل خطوة. اليوم، تم حساب الثابت باي (π) إلى أكثر من 100 تريليون منزلة عشرية. هذه الدقة الهائلة لا تخدم أي غرض عملي مباشر (فقط حوالي 40 منزلة عشرية كافية لحساب محيط الكون المرئي بدقة تصل إلى حجم ذرة هيدروجين)، ولكنها تظل دافعاً قوياً للابتكار في علوم الكمبيوتر والرياضيات الحاسوبية.
تطبيقات الثابت باي (π) في العلوم والهندسة
إن أهمية الثابت باي (π) تتجاوز بكثير عالم الرياضيات البحتة. فهو يظهر بشكل غير متوقع في مجموعة واسعة من الصيغ التي تصف العالم المادي، مما يجعله ثابتاً فيزيائياً أساسياً بقدر ما هو ثابت رياضي.
في الهندسة وعلم المثلثات، تطبيقات الثابت باي (π) هي الأكثر وضوحاً. فهو أساسي لحساب مساحات الدوائر (A = πr²
)، وحجوم الكرات (V = (4/3)πr³
)، والأسطوانات (V = πr²h
)، والمخاريط. كما أنه يلعب دوراً محورياً في تعريف الزوايا بوحدة الراديان، حيث أن 2π
راديان تعادل 360 درجة، مما يبسط العديد من الصيغ في علم المثلثات والتفاضل والتكامل.
في الفيزياء، يظهر الثابت باي (π) في بعض أهم المعادلات التي تصف الكون. في ميكانيكا الكم، يظهر في مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ، الذي يضع حداً أساسياً لدقة قياس أزواج معينة من الخصائص الفيزيائية، مثل موضع الجسيم وزخمه. وفي نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، يظهر الثابت باي (π) في معادلات المجال التي تربط انحناء الزمكان بتوزيع المادة والطاقة. كما أنه يوجد في قانون كولوم الذي يصف القوة بين الشحنات الكهربائية، وفي معادلات ماكسويل التي توحد الكهرباء والمغناطيسية والضوء. وجود الثابت باي (π) في هذه المجالات المتنوعة ليس من قبيل الصدفة؛ بل يعكس الحقيقة العميقة بأن التناظر الدائري والكروي متأصل في العديد من الظواهر الطبيعية، من مدارات الكواكب إلى الموجات الكهرومغناطيسية.
في الهندسة، لا يمكن الاستغناء عن الثابت باي (π). يستخدمه المهندسون الكهربائيون في تحليل دوائر التيار المتردد، ويستخدمه المهندسون الميكانيكيون في تصميم التروس والأنظمة الدوارة، ويستخدمه مهندسو الطيران في حساب الديناميكا الهوائية. حتى في معالجة الإشارات الرقمية، يعد الثابت باي (π) عنصراً أساسياً في تحويل فورييه، وهي أداة رياضية حيوية تستخدم لتحليل الإشارات المعقدة (مثل الصوت والصور) إلى تردداتها المكونة.
يمتد تأثير الثابت باي (π) أيضاً إلى الإحصاء والاحتمالات. فهو يظهر بشكل بارز في صيغة التوزيع الطبيعي (منحنى الجرس)، وهو أحد أهم التوزيعات الاحتمالية في الإحصاء ويستخدم لنمذجة عدد لا يحصى من الظواهر الطبيعية والاجتماعية. هناك أيضاً مسألة “إبرة بوفون” الكلاسيكية، وهي تجربة احتمالية يمكن من خلالها تقدير قيمة الثابت باي (π) عن طريق إلقاء إبر بشكل عشوائي على سطح مقسم بخطوط متوازية. إن ظهور الثابت باي (π) في سياق لا علاقة له بالدوائر بشكل مباشر يوضح مدى عمق وتغلغل هذا الثابت في بنية الرياضيات.
الثابت باي (π) في الثقافة الشعبية والفلسفة
لقد تجاوز الثابت باي (π) حدود الأوساط الأكاديمية ليصبح رمزاً ثقافياً عالمياً للرياضيات والغموض واللانهاية. يتم الاحتفال به سنوياً في 14 مارس (3/14 في تنسيق التاريخ الأمريكي) في “يوم باي”، وهو حدث يجمع بين الأنشطة التعليمية وتناول الفطائر (Pies). لقد ألهم الثابت باي (π) الفنانين والكتاب والموسيقيين. في رواية “اتصال” لكارل ساغان، تكتشف البشرية رسالة من كائنات فضائية ذكية مخبأة في أعماق التوسع العشري لـ الثابت باي (π). هذا المفهوم الخيالي يعكس فكرة فلسفية أعمق: هل يمكن أن يحتوي هذا التسلسل الذي يبدو عشوائياً على نمط أو معنى مخفي؟
إن السعي لحفظ أرقام الثابت باي (π) أصبح رياضة ذهنية تعرف باسم “Piphilology”. يتنافس الناس في جميع أنحاء العالم على حفظ وتلاوة أكبر عدد ممكن من الأرقام، حيث تصل الأرقام القياسية العالمية الحالية إلى عشرات الآلاف من المنازل العشرية. هذا السعي، على الرغم من عدم وجود فائدة عملية له، يجسد الانبهار البشري باللانهاية وقدرة العقل على التعامل مع التعقيد.
من الناحية الفلسفية، يطرح الثابت باي (π) أسئلة عميقة حول طبيعة الواقع الرياضي. كيف يمكن لنسبة هندسية بسيطة ومحددة تماماً (محيط الدائرة إلى قطرها) أن تولد عدداً ذا تعقيد لا نهائي وغير متكرر؟ هل الرياضيات “مخترعة” أم “مكتشفة”؟ إن وجود ثابت مثل الثابت باي (π)، الذي يظهر في مجالات غير مرتبطة ظاهرياً، من الدوائر إلى الاحتمالات إلى قوانين الكون، يدعم فكرة أن الرياضيات هي لغة أساسية للكون، وأننا نكتشف هياكل موجودة بشكل مستقل عن العقل البشري. إن الثابت باي (π) هو شهادة على أن النظام والتعقيد اللامتناهي يمكن أن يتعايشا في مفهوم رياضي واحد.
في الختام، إن الثابت باي (π) هو أكثر بكثير من مجرد رقم. إنه رحلة عبر تاريخ الفكر البشري، من المحاولات العملية للحضارات القديمة، إلى الصرامة المنطقية للإغريق، إلى القوة التحليلية للتفاضل والتكامل، وأخيراً إلى القدرة غير المحدودة للحوسبة الحديثة. إنه ثابت يربط بين الهندسة والجبر والتحليل، وبين الرياضيات البحتة والعالم المادي. إن طبيعته كعدد غير نسبي ومتسامٍ تضفي عليه غموضاً لا ينتهي، بينما تستمر تطبيقاته في التوسع مع كل تقدم علمي وتكنولوجي جديد. سيظل الثابت باي (π) مصدر إلهام وتحدٍ للأجيال القادمة من الرياضيين والعلماء، وسيظل رمزاً قوياً للسعي البشري الأبدي للمعرفة وفهم الكون. إن دراسة الثابت باي (π) هي في جوهرها دراسة للرياضيات نفسها: بسيطة في مفهومها، ومعقدة بشكل لا نهائي في طبيعتها، وذات صلة عالمية بكل شيء.
الأسئلة الشائعة
1. ما هو التعريف الرياضي الدقيق للثابت باي (π)؟
الإجابة: الثابت باي (π) هو ثابت رياضي يُعرّف في الهندسة الإقليدية بأنه النسبة بين محيط أي دائرة وقطرها. هذه النسبة ثابتة بغض النظر عن حجم الدائرة. رياضياً، إذا كان C
هو المحيط و d
هو القطر، فإن π = C/d
.
2. لماذا يعتبر الثابت باي (π) قيمة ثابتة لجميع الدوائر بغض النظر عن حجمها؟
الإجابة: يرجع ثبات قيمة الثابت باي (π) إلى خاصية التشابه الهندسي. جميع الدوائر متشابهة هندسياً، مما يعني أن أي دائرة هي مجرد تكبير أو تصغير لأي دائرة أخرى. وبالتالي، فإن النسبة بين أجزائها المتناظرة (مثل المحيط والقطر) تظل ثابتة دائماً.
3. هل الكسر 22/7 هو القيمة الدقيقة للثابت باي (π)؟
الإجابة: لا، الكسر 22/7 (حوالي 3.142857) هو مجرد تقريب شائع ومناسب لـ الثابت باي (π)، والذي قدمه أرخميدس. القيمة الحقيقية لـ الثابت باي (π) هي عدد غير نسبي، مما يعني أنه لا يمكن التعبير عنه بدقة على شكل كسر من عددين صحيحين.
4. ما الذي يعنيه أن الثابت باي (π) عدد “غير نسبي” (irrational)؟
الإجابة: كون الثابت باي (π) عدداً غير نسبي يعني أن تمثيله العشري يستمر إلى ما لا نهاية دون أن يكرر نفسه في نمط دوري. هذا يعني أيضاً، كما ذكرنا، أنه لا يمكن كتابته على صورة كسر بسيط a/b
حيث a
و b
عددان صحيحان.
5. ما هو الفرق بين كون الثابت باي (π) عدداً غير نسبي وكونه عدداً “متسامياً” (transcendental)؟
الإجابة: كل عدد متسامٍ هو عدد غير نسبي، ولكن ليس العكس. العدد غير النسبي هو أي عدد لا يمكن كتابته ككسر بسيط (مثل √2
). أما العدد المتسامي فهو فئة أكثر تحديداً، وهو عدد ليس جذراً (حلاً) لأي معادلة متعددة الحدود غير صفرية ذات معاملات نسبية. إثبات أن الثابت باي (π) متسامٍ (بواسطة ليندمان عام 1882) كان أكثر صعوبة وأهمية، حيث أثبت استحالة “تربيع الدائرة”.
6. من هو العالم الذي ينسب إليه الفضل في وضع أول منهجية صارمة لحساب قيمة الثابت باي (π)؟
الإجابة: يُنسب الفضل إلى العالم اليوناني أرخميدس (القرن الثالث قبل الميلاد) في تطوير أول منهجية رياضية صارمة لحساب الثابت باي (π). استخدم طريقة “الاستنفاد” عن طريق حصر الدائرة بين مضلعين منتظمين (داخلي وخارجي) وزيادة عدد أضلاعهما تدريجياً لتقريب قيمة الثابت.
7. ما هي الخوارزميات الحديثة التي تستخدمها أجهزة الكمبيوتر لحساب تريليونات من أرقام الثابت باي (π)؟
الإجابة: تعتمد الحسابات الحديثة لـ الثابت باي (π) على خوارزميات التكرار السريع التي تتقارب بسرعة هائلة نحو القيمة الدقيقة. من أشهر هذه الخوارزميات خوارزمية غاوس-ليجيندر (Gauss-Legendre algorithm) وخوارزميات بورنوين (Borwein’s algorithms)، بالإضافة إلى صيغ من نوع رامانوجان-ساتو (Ramanujan-Sato series).
8. بعيداً عن الهندسة، أين يظهر الثابت باي (π) بشكل غير متوقع في مجالات العلوم الأخرى؟
الإجابة: يظهر الثابت باي (π) في مجالات متنوعة بشكل مدهش. في الفيزياء، يوجد في مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ ومعادلات آينشتاين للمجال. وفي الإحصاء، هو جزء أساسي من صيغة التوزيع الطبيعي (منحنى الجرس). كما يظهر في علم المثلثات، ومعالجة الإشارات (تحويل فورييه)، وحتى في الجيولوجيا عند حساب انحناء الأنهار.
9. ما هي الفائدة العملية أو العلمية من حساب الثابت باي (π) إلى هذا العدد الهائل من المنازل العشرية؟
الإجابة: من الناحية العملية، لا توجد حاجة لمعظم هذه الأرقام؛ فحوالي 40 منزلة عشرية كافية لمعظم حسابات الفيزياء الفلكية. ومع ذلك، فإن السعي لحساب المزيد من أرقام الثابت باي (π) يعمل كمحفز قوي لتطوير خوارزميات حسابية أسرع، واختبار قوة وموثوقية أجهزة الكمبيوتر العملاقة (Supercomputers)، ودفع حدود الرياضيات الحاسوبية.
10. ما هو أصل الاحتفال بـ “يوم باي” (Pi Day)، وما أهميته الثقافية؟
الإجابة: يتم الاحتفال بـ “يوم باي” في 14 مارس لأن التاريخ (3/14) يطابق الأرقام الثلاثة الأولى من الثابت باي (π) وهي 3.14. بدأ هذا التقليد في عام 1988 من قبل الفيزيائي لاري شو. ثقافياً، أصبح هذا اليوم فرصة عالمية لتعزيز الاهتمام بالرياضيات والعلوم بطريقة ممتعة وتفاعلية، وغالباً ما يتضمن أنشطة تعليمية ومسابقات وأكل الفطائر (Pies).