الأجرام السماوية: من النجوم والمجرات إلى ديناميكيات الكون وقوانينه

يمثل الفضاء الكوني مسرحاً شاسعاً لظواهر فيزيائية مذهلة، تتجسد في مكوناته الأساسية التي نطلق عليها اسم الأجرام السماوية (Celestial Bodies). منذ فجر التاريخ، أثارت هذه النقاط المضيئة في سماء الليل فضول الإنسان، دافعة إياه نحو التأمل ثم البحث المنهجي لفهم طبيعتها وقوانينها. إن دراسة الأجرام السماوية لا تقتصر على كونها فرعاً من فروع المعرفة، بل هي رحلة مستمرة لكشف أسرار الوجود المادي وفهم موقعنا ضمن هذا النسيج الكوني المعقد. يتناول هذا المقال بشكل أكاديمي مباشر ماهية الأجرام السماوية، ويستعرض تصنيفاتها المتنوعة، ويتعمق في آليات نشأتها وحركتها، ويسلط الضوء على الوسائل التي نعتمدها لدراستها وأهمية هذه الدراسة للحضارة الإنسانية.
تصنيف الأجرام السماوية: رحلة في تنوع الكون
إن التنوع الهائل الذي تتسم به الأجرام السماوية يستدعي وجود نظام تصنيفي دقيق لتسهيل دراستها وفهم خصائصها المميزة. يعتمد علماء الفلك في تصنيفهم على معايير متعددة مثل الحجم، والكتلة، والتركيب الكيميائي، ودرجة الحرارة، وطبيعة المدار، ومصدر الطاقة. يمكن تقسيم الأجرام السماوية بشكل عام إلى فئات رئيسية، كل منها يضم أنواعاً فرعية أكثر تخصصاً. من النجوم العملاقة التي تشع طاقة هائلة إلى الكويكبات الصخرية الصغيرة التي تسبح في الفضاء، يشكل كل نوع من هذه الأجرام السماوية جزءاً لا يتجزأ من بنية الكون. يساعد هذا التصنيف على فهم العلاقات المتبادلة بين مختلف الأجرام السماوية، وكيف تؤثر خصائص أحدها على بيئته المباشرة وعلى الأجرام الأخرى المحيطة به. إن فهم هذا التنوع هو الخطوة الأولى نحو بناء صورة متكاملة عن ديناميكية الكون.
النجوم: مصابيح الكون ومصانع العناصر
تُعتبر النجوم (Stars) الفئة الأكثر شهرة وأهمية ضمن الأجرام السماوية المضيئة. يمكن تعريف النجم بأنه جرم سماوي غازي هائل الكتلة، يتكون بشكل أساسي من الهيدروجين والهيليوم، ويولد طاقته الخاصة من خلال عمليات الاندماج النووي التي تحدث في قلبه فائق الحرارة والكثافة. هذه الطاقة المنبعثة على شكل ضوء وحرارة هي التي تجعل النجوم مرئية وتمنحها دورها المركزي في الأنظمة الكوكبية. تتفاوت النجوم بشكل كبير في خصائصها؛ فمنها الأقزام الحمراء الصغيرة والمعمرة، ومنها العمالقة الزرقاء فائقة الكتلة والسطوع والتي تعيش حياة قصيرة نسبياً. إن دورة حياة هذه الأجرام السماوية المذهلة تبدأ من سحابة غبارية وغازية وتمر بمراحل مختلفة من الاستقرار قبل أن تصل إلى نهايتها التي قد تكون على شكل قزم أبيض هادئ أو انفجار مستعر أعظم (Supernova) عنيف. تعد الشمس، نجم نظامنا الشمسي، مثالاً حيوياً على هذه الفئة من الأجرام السماوية، فهي المصدر الأساسي للطاقة التي تدعم الحياة على الأرض.
الكواكب والأقمار: عوالم تدور في فلك النجوم
تأتي الكواكب (Planets) في المرتبة التالية من حيث الأهمية في دراسة الأجرام السماوية، خاصة في سياق البحث عن بيئات أخرى في الكون. يُعرّف الكوكب بأنه جرم سماوي كبير نسبياً، لا يولد طاقته الخاصة، ويدور في مدار محدد حول نجم. يجب أن تكون كتلته كافية لتمنحه جاذبية تجعله كروي الشكل تقريباً، وأن يكون قد أخلى مداره من الأجرام الأخرى الأصغر. تنقسم الكواكب في نظامنا الشمسي إلى فئتين: الكواكب الصخرية (Terrestrial Planets) مثل عطارد والزهرة والأرض والمريخ، والكواكب الغازية العملاقة (Gas Giants) مثل المشتري وزحل وأورانوس ونبتون. وبجانب الكواكب، توجد الأقمار (Natural Satellites)، وهي الأجرام السماوية التي تدور حول الكواكب. يمكن أن تكون هذه الأقمار عوالم معقدة بحد ذاتها، فبعضها يمتلك أغلفة جوية ومحيطات تحت سطحه الجليدي، مما يجعلها أهدافاً رئيسية للبحث العلمي. إن العلاقة الديناميكية بين هذه الأجرام السماوية تشكل أنظمة متكاملة ومعقدة، ودراستها تكشف الكثير عن القوانين الفيزيائية التي تحكم الكون. إن اكتشاف آلاف الكواكب خارج نظامنا الشمسي (Exoplanets) قد وسّع من فهمنا لمدى انتشار هذه الأنواع من الأجرام السماوية.
الأجرام السماوية الصغيرة: الكويكبات والمذنبات والشهب
إلى جانب النجوم والكواكب الضخمة، يعج الفضاء بأعداد لا حصر لها من الأجرام السماوية الأصغر حجماً، والتي تلعب أدواراً حيوية في فهم تاريخ الأنظمة النجمية. من أبرز هذه الفئات الكويكبات (Asteroids)، وهي أجرام صخرية ومعدنية غير منتظمة الشكل، تتراوح أحجامها من أمتار قليلة إلى مئات الكيلومترات. يتركز معظمها في حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري. أما المذنبات (Comets)، فهي الأجرام السماوية المكونة من الجليد والغبار والصخور، وعند اقترابها من نجم، يؤدي تسخين سطحها إلى إطلاق غازات وغبار لتشكل ذيلاً طويلاً ومضيئاً. تُعتبر هذه الأجرام السماوية كبسولات زمنية تحمل معلومات قيمة عن الظروف الأولية التي سادت عند تشكل النظام الشمسي. وأخيراً، الشهب (Meteors) هي تلك الخطوط الضوئية التي نراها في السماء عندما تدخل بقايا صغيرة من الكويكبات أو المذنبات الغلاف الجوي للأرض وتحترق. إذا وصل جزء من هذا الجرم إلى سطح الأرض، فإنه يسمى نيزكاً (Meteorite). توفر دراسة هذه الأجرام السماوية الصغيرة نافذة فريدة على التركيب الكيميائي والمادي للمكونات الأساسية للكون.
السدم والمجرات: حاضنات النجوم ومدنها الكونية
عند الانتقال إلى المقاييس الكونية الأكبر، نجد أن الأجرام السماوية لا تتوزع بشكل عشوائي، بل تتجمع في هياكل عملاقة. السدم (Nebulae) هي سحب هائلة من الغاز والغبار بين النجوم، وهي تمثل مهداً لولادة الأجرام السماوية الجديدة، وخاصة النجوم. تتسبب قوى الجاذبية في تكتل المادة داخل هذه السدم، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة والضغط في مراكزها، وبدء عمليات الاندماج النووي التي تشعل نجوماً جديدة. أما المجرات (Galaxies)، فهي التجمعات الأكبر على الإطلاق، حيث تتألف من مليارات أو حتى تريليونات الأجرام السماوية التي ترتبط معاً بقوة الجاذبية. تتخذ المجرات أشكالاً مختلفة، منها الحلزونية مثل مجرتنا درب التبانة، والإهليلجية، وغير المنتظمة. تحتوي كل مجرة على نجوم وكواكب وسدم، بالإضافة إلى مكونات غامضة مثل المادة المظلمة (Dark Matter) التي تلعب دوراً حاسماً في تماسك هذه الهياكل العملاقة. إن دراسة هذه التجمعات الضخمة من الأجرام السماوية تساعد العلماء على فهم بنية الكون على نطاقه الأوسع.
نشأة وتكوين الأجرام السماوية
إن فهم كيفية تشكل الأجرام السماوية هو أحد الأهداف الرئيسية لعلم الفلك والفيزياء الفلكية. تستند النماذج الحالية إلى مبادئ فيزيائية راسخة وقوانين طبيعية يمكن ملاحظتها. تبدأ القصة عادةً في السدم الباردة والكثيفة المكونة من الغاز والغبار. تحت تأثير قوة الجاذبية، تبدأ أجزاء من هذه السحابة في الانهيار على نفسها، مكونةً كتلاً دوارة تسمى النجوم الأولية (Protostars). مع استمرار الانهيار، تزداد الكثافة والحرارة في المركز حتى تصل إلى النقطة التي يبدأ فيها الاندماج النووي، وهنا يولد نجم جديد. المادة المتبقية حول النجم الوليد تتسطح لتشكل قرصاً دواراً يسمى القرص الكوكبي الأولي (Protoplanetary Disk). داخل هذا القرص، تبدأ جزيئات الغبار الصغيرة بالالتصاق ببعضها البعض من خلال عملية تسمى التراكم (Accretion)، لتشكل أجساماً أكبر فأكبر تسمى الكواكب المصغرة (Planetesimals). تستمر هذه الكواكب المصغرة في الاصطدام والاندماج مع بعضها، لتكوّن في النهاية الكواكب والأقمار وبقية الأجرام السماوية التي نراها في الأنظمة النجمية. إن فهم هذه العملية الفيزيائية يساعد في تفسير سبب وجود أنواع مختلفة من الأجرام السماوية في مواقع محددة ضمن نظام نجمي ما.
ديناميكيات الحركة: القوانين التي تحكم الأجرام السماوية
إن حركة الأجرام السماوية في الفضاء ليست عشوائية، بل تخضع لمجموعة دقيقة من القوانين الفيزيائية التي يمكن التنبؤ بها. القانون الأساسي الذي يحكم هذه الحركة هو قانون الجذب العام لإسحاق نيوتن، الذي ينص على أن كل جسمين في الكون يجذب كل منهما الآخر بقوة تتناسب طردياً مع حاصل ضرب كتلتيهما وعكسياً مع مربع المسافة بينهما. هذه القوة هي المسؤولة عن إبقاء الكواكب في مداراتها حول النجوم، والأقمار في مداراتها حول الكواكب. وقد قام يوهانس كيبلر بصياغة ثلاثة قوانين تصف بدقة حركة الكواكب، حيث أوضح أن مدارات الأجرام السماوية ليست دائرية تماماً بل إهليلجية، وأن سرعة الكوكب تتغير أثناء دورانه حول النجم. بالإضافة إلى الدوران في المدارات، فإن معظم الأجرام السماوية تدور أيضاً حول محورها، مما ينتج عنه تعاقب الليل والنهار على الكواكب. إن فهم هذه القوانين لا يسمح فقط بالتنبؤ بمسارات الأجرام السماوية بدقة، بل هو أساسي لنجاح المهام الفضائية وإرسال المسابير لاستكشاف عوالم أخرى.
طرق رصد ودراسة الأجرام السماوية
تعتمد معرفتنا الواسعة عن الأجرام السماوية على قدرتنا على رصدها وتحليل الإشعاع القادم منها. الأداة الأساسية في هذا المجال هي التلسكوب (Telescope). تعمل التلسكوبات البصرية على تجميع الضوء المرئي من الأجرام السماوية البعيدة، مما يسمح لنا برؤية تفاصيل لا يمكن للعين المجردة التقاطها. ومع ذلك، فإن العديد من الأجرام السماوية تصدر إشعاعات في أجزاء أخرى من الطيف الكهرومغناطيسي، مثل موجات الراديو، والأشعة تحت الحمراء، والأشعة السينية، وأشعة جاما. لذلك، يستخدم العلماء أنواعاً مختلفة من التلسكوبات المتخصصة لرصد هذه الإشعاعات، مما يوفر صورة أكثر اكتمالاً عن طبيعة هذه الأجرام. إحدى أقوى الأدوات التحليلية هي التحليل الطيفي (Spectroscopy)، وهي تقنية تسمح بتحليل الضوء القادم من جرم سماوي وتحديد مكوناته الكيميائية ودرجة حرارته وسرعته. في العقود الأخيرة، أحدثت التلسكوبات الفضائية، مثل تلسكوب هابل الفضائي وتلسكوب جيمس ويب الفضائي، ثورة في دراسة الأجرام السماوية من خلال توفير صور وبيانات فائقة الدقة بعيداً عن تشويش الغلاف الجوي للأرض. كما أن المسابير الفضائية التي تزور الأجرام السماوية القريبة توفر تحليلاً مباشراً لتركيبها وخصائصها.
أهمية دراسة الأجرام السماوية للإنسانية
قد تبدو دراسة الأجرام السماوية بعيدة عن حياتنا اليومية، ولكنها في الواقع ذات أهمية بالغة للحضارة الإنسانية على عدة مستويات. على المستوى المعرفي، فإنها تجيب على أسئلة أساسية حول أصل الكون ومكانتنا فيه، وتوسع آفاق الفكر البشري. على المستوى العملي، أدت الأبحاث الفلكية إلى تطوير تقنيات متقدمة أفادت البشرية بشكل مباشر، مثل أنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) التي تعتمد على أقمار صناعية تتحرك وفقاً لقوانين حركة الأجرام السماوية، وتقنيات التصوير الطبي المتقدمة، والمواد الجديدة فائقة القوة. علاوة على ذلك، فإن مراقبة الأجرام السماوية القريبة من الأرض، مثل الكويكبات، لها أهمية حيوية في الدفاع الكوكبي لحماية كوكبنا من الاصطدامات المحتملة. إن البحث عن الموارد على الأجرام السماوية الأخرى قد يفتح آفاقاً جديدة لمستقبل البشرية. وفي النهاية، فإن رؤية صور الكون المذهلة التي تلتقطها التلسكوبات تلهم الأجيال الجديدة وتدفعها نحو العلم والابتكار. إن الاستثمار في دراسة الأجرام السماوية هو استثمار في مستقبل المعرفة والتقدم البشري.
خاتمة: الأجرام السماوية ودعوة مستمرة للاكتشاف
في الختام، تمثل الأجرام السماوية عالماً لا نهائياً من العجائب والظواهر التي تنتظر من يكتشفها. من أصغر نيزك إلى أكبر تجمع مجري، يروي كل جرم سماوي فصلاً من قصة الكون. لقد قطعنا شوطاً طويلاً في فهم طبيعة هذه الأجرام السماوية، والقوانين الفيزيائية التي تحكمها، والعمليات التي أدت إلى تكوينها. ومع كل اكتشاف جديد، تزداد معرفتنا وتتسع رؤيتنا للكون، ولكن في الوقت نفسه، تظهر أسئلة جديدة أكثر عمقاً وتحدياً. إن دراسة الأجرام السماوية ليست مجرد علم، بل هي تعبير عن الفضول البشري الأزلي ورغبتنا في استكشاف المجهول. سيظل الفضاء الكوني، بكل ما يحتويه من الأجرام السماوية المتنوعة، هو الحدود النهائية التي تدعونا باستمرار للنظر إلى الأعلى والتساؤل والبحث والاكتشاف.
الأسئلة الشائعة
١. ما هو الفرق الجوهري بين النجم والكوكب؟
الفرق الجوهري بين النجم والكوكب يكمن في مصدر طاقتهما وكتلتهما. النجم هو جرم سماوي هائل الكتلة، يتكون بشكل أساسي من الهيدروجين والهيليوم، وتكون كتلته كبيرة بما يكفي لتوليد ضغط وحرارة هائلين في نواته، مما يؤدي إلى بدء تفاعلات الاندماج النووي. هذه العملية تدمج ذرات الهيدروجين لتكوين الهيليوم، مطلقة كميات هائلة من الطاقة على شكل ضوء وحرارة. هذا الإنتاج الذاتي للطاقة هو ما يجعل النجوم مضيئة ومشعة. أما الكوكب، فهو جرم سماوي كتلته أقل بكثير من كتلة النجم، وغير كافية لبدء الاندماج النووي في نواته. لذلك، لا ينتج الكوكب ضوءه الخاص، بل هو جرم معتم يعكس ضوء النجم الذي يدور حوله. باختصار، النجم هو مفاعل نووي طبيعي، بينما الكوكب هو جسم بارد نسبياً يستمد إضاءته وحرارته من نجمه الأم.
٢. لماذا لا تسقط الأجرام السماوية على بعضها البعض بفعل الجاذبية؟
على الرغم من أن قوة الجاذبية تسحب جميع الأجرام السماوية نحو بعضها البعض، فإنها لا تتصادم عادةً بسبب امتلاكها لسرعة جانبية (Tangential Velocity) كافية. يمكن تشبيه ذلك بقمر صناعي يدور حول الأرض؛ فالجاذبية تسحبه باستمرار نحو الأسفل، ولكن سرعته الأفقية الهائلة تجعله “يخطئ” السقوط على الأرض باستمرار، فيدخل في حالة من السقوط الحر الدائم التي نسميها المدار. إن المدار هو توازن دقيق بين قوة الجذب المركزي (الجاذبية) والسرعة المماسية للجرم السماوي. إذا كانت سرعة الجرم بطيئة جداً، فسوف يسقط بشكل حلزوني نحو الجرم الأكبر. وإذا كانت سرعته كبيرة جداً، فسوف يفلت من قبضة الجاذبية وينطلق في الفضاء. معظم الأجرام السماوية في الأنظمة المستقرة، مثل الكواكب في نظامنا الشمسي، تتحرك بسرعات مناسبة تماماً للحفاظ على مدارات شبه ثابتة لملايين ومليارات السنين.
٣. كيف يحدد العلماء التركيب الكيميائي للأجرام السماوية البعيدة؟
يستخدم العلماء تقنية قوية تسمى التحليل الطيفي (Spectroscopy) لتحديد المكونات الكيميائية للأجرام السماوية التي تبعد عنا مليارات الكيلومترات. تعتمد هذه التقنية على حقيقة أن كل عنصر كيميائي يمتص أو يبعث الضوء عند أطوال موجية محددة وفريدة، تماماً مثل بصمة الإصبع. عندما يمر ضوء نجم عبر تلسكوب متصل بمطياف، يتم فصل الضوء إلى مكوناته اللونية (طيف). يظهر هذا الطيف كشريط من الألوان تتخلله خطوط داكنة (أطياف الامتصاص) أو خطوط ساطعة (أطياف الانبعاث). كل خط أو مجموعة من الخطوط تتوافق مع عنصر معين. من خلال مقارنة هذه “البصمات الطيفية” مع أطياف العناصر المعروفة في المختبر، يمكن لعلماء الفلك تحديد العناصر الموجودة في غلاف النجم الجوي أو في سحابة غازية بدقة مذهلة، بالإضافة إلى تحديد درجة حرارة الجرم وكثافته وسرعته.
٤. ما هي المادة المظلمة (Dark Matter)، وما دورها في تماسك المجرات؟
المادة المظلمة هي شكل افتراضي من المادة يُعتقد أنها تشكل حوالي ٢٧٪ من كثافة الطاقة في الكون. سُميت بـ “المظلمة” لأنها لا تتفاعل مع الإشعاع الكهرومغناطيسي، أي أنها لا تمتص أو تعكس أو تبعث أي ضوء، مما يجعل رصدها المباشر مستحيلاً باستخدام التلسكوبات التقليدية. تم استنتاج وجودها من خلال تأثيرات الجاذبية التي تمارسها على المادة المرئية. على سبيل المثال، وجد علماء الفلك أن النجوم الموجودة في الأطراف الخارجية للمجرات الحلزونية تدور بسرعات عالية جداً، أسرع بكثير مما يمكن أن تسمح به جاذبية المادة المرئية وحدها (النجوم والغاز والغبار). بدون وجود كتلة إضافية غير مرئية، كان من المفترض أن تطير هذه النجوم بعيداً في الفضاء. لذلك، يُعتقد أن المادة المظلمة تشكل “هالة” جاذبية ضخمة تحيط بالمجرات وتوفر الكتلة الإضافية اللازمة للحفاظ على تماسكها ومنعها من التفكك.
٥. ما الفرق الدقيق بين الكويكب والمذنب والنيزك؟
على الرغم من أنها جميعاً من الأجرام السماوية الصغيرة، إلا أن هناك فروقاً دقيقة بينها تتعلق بالتركيب والموقع والسلوك:
- الكويكب (Asteroid): هو جرم صخري ومعدني في الغالب، يتراوح حجمه من أمتار إلى مئات الكيلومترات. تتواجد معظم الكويكبات في حزام الكويكبات بين مداري المريخ والمشتري.
- المذنب (Comet): هو جرم مكون بشكل أساسي من الجليد (ماء متجمد، أمونيا، ميثان) مخلوط بالصخور والغبار، ويُطلق عليه أحياناً “كرة الثلج القذرة”. تأتي المذنبات من المناطق الباردة والبعيدة في النظام الشمسي. عندما يقترب المذنب من الشمس، يؤدي الإشعاع الشمسي إلى تبخر الجليد، مطلقاُ الغاز والغبار لتكوين غلاف جوي مؤقت (ذؤابة) وذيلين مميزين: ذيل غباري يعكس ضوء الشمس وذيل أيوني يتوهج ويتجه دائماً بعيداً عن الشمس.
- النيزك (Meteorite): المصطلح الأدق يبدأ بـ “الجرِم النَيزَكي” (Meteoroid)، وهو قطعة صغيرة من كويكب أو مذنب تسبح في الفضاء. عندما يدخل هذا الجرم الغلاف الجوي للأرض ويحترق بسبب الاحتكاك، فإنه يظهر كخط مضيء في السماء يسمى “شهاب” (Meteor). إذا نجا جزء من هذا الجرم من الاحتراق ووصل إلى سطح الأرض، فإن القطعة الصخرية التي تصل تسمى “نيزك” (Meteorite).
٦. لماذا تختلف ألوان النجوم، وماذا يخبرنا لون النجم عنه؟
لون النجم هو مؤشر مباشر على درجة حرارة سطحه. هذه العلاقة تخضع لقوانين فيزياء الإشعاع، حيث أن الأجسام الساخنة تشع طاقة بأطوال موجية أقصر. النجوم الأكثر سخونة (تصل حرارتها إلى ٣٠,٠٠٠ كلفن أو أكثر) تشع معظم طاقتها في الجزء الأزرق والبنفسجي من الطيف، لذلك تبدو لنا زرقاء أو بيضاء مزرقة. النجوم متوسطة الحرارة، مثل شمسنا (حوالي ٥,٨٠٠ كلفن)، تشع طاقتها بشكل متوازن عبر الطيف، مما يعطيها لوناً أصفر-أبيض. أما النجوم الأكثر برودة (حوالي ٣,٠٠٠ كلفن)، فإنها تشع معظم طاقتها في الجزء الأحمر وتحت الأحمر من الطيف، فتبدو لنا حمراء أو برتقالية. لذا، عندما نرى نجماً أزرق مثل “الرجل” (Rigel) ونجماً أحمر مثل “منكب الجوزاء” (Betelgeuse)، فإننا نعلم على الفور أن “الرجل” أكثر سخونة بشكل كبير من “منكب الجوزاء”.
٧. ما هو المستعر الأعظم (Supernova) وماذا ينتج عنه؟
المستعر الأعظم هو انفجار نجمي هائل وعنيف يمثل المرحلة النهائية في حياة نجم ضخم (أكبر من كتلة الشمس بحوالي ٨ مرات). يحدث هذا الانفجار عندما يستنفد النجم وقوده النووي في نواته. عند هذه النقطة، تتوقف عمليات الاندماج التي كانت تدعم النجم ضد قوة جاذبيته، مما يؤدي إلى انهيار النواة على نفسها بشكل كارثي في جزء من الثانية. هذا الانهيار يولد موجة صدمة هائلة ترتد إلى الخارج، ممزقة الطبقات الخارجية للنجم وقاذفة إياها في الفضاء بسرعة هائلة. يكون الانفجار ساطعاً لدرجة أنه قد يفوق سطوع مجرة بأكملها لفترة وجيزة. ما يتبقى بعد الانفجار يعتمد على كتلة النواة المنهارة؛ قد يكون نجماً نيوترونياً فائق الكثافة، أو إذا كانت الكتلة كبيرة بما فيه الكفاية، قد ينهار إلى ثقب أسود. كما أن المستعرات العظمى تلعب دوراً حيوياً في تخصيب الكون بالعناصر الثقيلة (أثقل من الحديد) التي تكونت أثناء الانفجار.
٨. هل كل الأجرام السماوية كروية الشكل، ولماذا؟
ليست كل الأجرام السماوية كروية. الشكل الكروي هو نتيجة مباشرة لقوة الجاذبية. بالنسبة للأجسام ذات الكتلة الكافية، مثل النجوم والكواكب الكبيرة، تسحب الجاذبية المادة بشكل متساوٍ من جميع الاتجاهات نحو مركز الكتلة. هذه القوة تتغلب على صلابة المادة وتجبرها على اتخاذ الشكل الأكثر كفاءة من حيث الطاقة، وهو الشكل الكروي، وهي حالة تُعرف بالتوازن الهيدروستاتيكي (Hydrostatic Equilibrium). أما الأجرام السماوية الأصغر حجماً، مثل الكويكبات ومعظم الأقمار الصغيرة، فإن جاذبيتها أضعف من أن تتمكن من التغلب على صلابة بنيتها الصخرية. نتيجة لذلك، تحتفظ هذه الأجرام بأشكالها غير المنتظمة التي تشكلت بها نتيجة الاصطدامات والتراكم. لذا، فإن الشكل الكروي هو علامة مميزة على أن الجرم السماوي يمتلك كتلة وجاذبية كبيرة.
٩. ما هي الثقوب السوداء وكيف يتم رصدها بما أنها لا تُصدر ضوءاً؟
الثقب الأسود هو جرم سماوي يتميز بجاذبية فائقة القوة لدرجة أنه لا يمكن لأي شيء، ولا حتى الضوء، الإفلات من قبضته بمجرد عبور منطقة تسمى “أفق الحدث”. يتشكل الثقب الأسود عادةً عندما ينهار نجم ضخم جداً في نهاية حياته. بما أن الثقوب السوداء لا تُصدر أي إشعاع خاص بها، فلا يمكن رصدها مباشرة. بدلاً من ذلك، يستنتج العلماء وجودها بشكل غير مباشر من خلال مراقبة تأثيرها على الأجرام السماوية والمادة المحيطة بها. من طرق الرصد:
- حركة النجوم: رصد نجم يدور بسرعة عالية حول نقطة فارغة في الفضاء، مما يشير إلى وجود كتلة هائلة وغير مرئية (ثقب أسود) في مركز المدار.
- قرص التراكم: عندما يسحب الثقب الأسود الغاز والغبار من نجم قريب، تتشكل هذه المادة على شكل قرص دوار حوله يسمى “قرص التراكم”. يؤدي الاحتكاك الشديد في هذا القرص إلى تسخين المادة لدرجات حرارة هائلة، مما يجعلها تصدر أشعة سينية قوية يمكن رصدها بواسطة التلسكوبات الفضائية.
- عدسات الجاذبية: يمكن لجاذبية الثقب الأسود الهائلة أن تحني ضوء النجوم والمجرات البعيدة التي تمر خلفه، مما يؤدي إلى تشويه وتكبير صورتها، وهي ظاهرة تُعرف باسم “عدسة الجاذبية”.
١٠. ما هي المجرة، وما هو نوع مجرتنا؟
المجرة هي عبارة عن نظام كوني هائل ومترابط بفعل الجاذبية، يتألف من مليارات أو حتى تريليونات الأجرام السماوية، بما في ذلك النجوم، وبقايا النجوم، والغاز والغبار بين النجوم، بالإضافة إلى كمية كبيرة من المادة المظلمة. إنها بمثابة “مدن” كونية تحتوي على أنظمة نجمية وكواكب وسدم. تتخذ المجرات أشكالاً مختلفة، وأشهرها الحلزونية، والإهليلجية، وغير المنتظمة. مجرتنا، التي تضم نظامنا الشمسي، تُسمى درب التبانة (Milky Way). وهي مجرة حلزونية ضلعية كبيرة، يبلغ قطرها حوالي ١٠٠,٠٠٠ سنة ضوئية وتحتوي على ما يقدر بـ ١٠٠ إلى ٤٠٠ مليار نجم. تقع شمسنا في إحدى أذرعها الحلزونية (ذراع الجبار)، على بعد حوالي ٢٧,٠٠٠ سنة ضوئية من مركز المجرة، حيث يُعتقد بوجود ثقب أسود هائل.