لماذا كوكب الزهرة هو توأم الأرض الشرير؟
الزهرة والأرض: حكاية توأمين كوكبيين، أحدهما جنة والآخر جحيم مستعر

في الامتداد الشاسع لنظامنا الشمسي، يبرز كوكبان صخريان كأقرباء، توأمان وُلدا من نفس السديم الشمسي البدائي قبل حوالي 4.6 مليار سنة. هذان الكوكبان هما منزلنا، كوكب الأرض، وجارنا الأقرب، كوكب الزهرة. للوهلة الأولى، تبدو أوجه التشابه بينهما مذهلة؛ فكوكب الزهرة يكاد يكون بنفس حجم الأرض (حوالي 95% من قطرها)، ويمتلك حوالي 81.5% من كتلتها، وله كثافة وتركيب كيميائي مشابهان. هذه المقاربات الفيزيائية هي التي منحت الزهرة لقب “توأم الأرض”. ولكن، تحت هذا القناع من التشابه، تكمن حقيقة مرعبة. فبينما تطورت الأرض لتصبح واحة زرقاء نابضة بالحياة، تحول كوكب الزهرة إلى عالم جحيمي لا يطاق، عالم يمكن وصفه بدقة بأنه “توأم الأرض الشرير”. هذه المقالة الأكاديمية ستستكشف الأسباب العميقة التي أدت إلى هذا التباين المأساوي، محللة العوامل الحاسمة التي رسمت مسارين متناقضين تمامًا لمصير كل من الزهرة والأرض.
الأصول المشتركة ونقطة الاختلاف الأولى
لفهم التباعد الدراماتيكي بين الكوكبين، يجب أن نعود إلى بداياتهما. تشكل كل من الزهرة والأرض في المنطقة الداخلية من النظام الشمسي من خلال عملية التراكم، حيث تجمعت الكواكب المصغرة والصخور لتشكل أجرامًا أكبر. في المراحل الأولى، يُعتقد أن كلا الكوكبين كانا يمتلكان محيطات من الماء السائل، وأغلفة جوية بدائية، وربما حتى الظروف الملائمة لنشوء الحياة. كانت النظريات المبكرة، المبنية على الملاحظات التلسكوبية التي أظهرت غطاءً سحابيًا كثيفًا، تتخيل أن كوكب الزهرة عالم استوائي رطب، شبيه بعصور ما قبل التاريخ على كوكب الأرض.
لكن العامل الجغرافي البسيط كان له تداعيات هائلة: المسافة من الشمس. يدور كوكب الزهرة على مسافة متوسطة تبلغ حوالي 108 مليون كيلومتر من الشمس، أي أقرب بنسبة 30% تقريبًا من كوكب الأرض. هذا القرب يعني أن الزهرة يتلقى ما يقرب من ضعف كمية الإشعاع الشمسي التي تصل إلى الأرض. هذا الفارق في الطاقة المستلمة كان الشرارة التي أشعلت سلسلة من الأحداث الكارثية التي حولت الزهرة إلى ما هو عليه اليوم، وشكلت نقطة الانفصال الأولى والأكثر أهمية في تاريخه مقارنة بتاريخ الأرض. هذا التدفق الإضافي للطاقة الشمسية منع الماء السائل من الاستقرار بشكل دائم على السطح، وبدلاً من ذلك، أدى إلى تبخره بمعدلات أعلى بكثير مما حدث على الأرض في مراحلها الأولى.
نقطة التحول الكارثية: الانفلات الحراري على كوكب الزهرة
إن القصة المحورية في تحول الزهرة إلى جحيم هي ظاهرة تُعرف بـ “الانفلات الحراري” (Runaway Greenhouse Effect)، وهي عملية تمثل تحذيرًا صارخًا لما يمكن أن يحدث لمناخ كوكب ما. على كوكب الأرض، يلعب تأثير الاحتباس الحراري دورًا حيويًا في الحفاظ على درجة حرارة معتدلة تسمح بوجود الماء السائل والحياة. غازات مثل ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء تحبس بعض الحرارة الصادرة من السطح، مما يمنع تجمد الكوكب. هذه العملية على الأرض متوازنة بفضل دورات جيولوجية ومناخية معقدة، مثل دورة الكربون التي تسحب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزنه في الصخور والمحيطات.
على كوكب الزهرة، خرج هذا النظام عن السيطرة تمامًا. مع زيادة الإشعاع الشمسي، تبخرت المحيطات البدائية التي يُعتقد أنها كانت موجودة على الزهرة، مما أدى إلى تشبع الغلاف الجوي بكميات هائلة من بخار الماء. بخار الماء هو أحد أقوى غازات الدفيئة، وقد أدى وجوده الكثيف إلى حبس المزيد والمزيد من الحرارة، مما رفع درجة الحرارة السطحية أكثر، وهو ما أدى بدوره إلى تبخر المزيد من المياه. هذه الحلقة المفرغة ذات التغذية الراجعة الإيجابية هي جوهر الانفلات الحراري.
مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات حرجة، بدأت الصخور على سطح الزهرة في “خبز” وإطلاق ثاني أكسيد الكربون المحبوس بداخلها. على عكس الأرض، لم يكن لدى الزهرة محيطات سائلة لامتصاص هذا الفائض من ثاني أكسيد الكربون، ولم تكن هناك عمليات تكتونية نشطة (مثل التي تحدث على الأرض) لدفن الكربون في القشرة. نتيجة لذلك، تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بلا هوادة، ليحل محل بخار الماء كغاز الدفيئة المهيمن. اليوم، يتكون الغلاف الجوي لكوكب الزهرة من حوالي 96.5% من ثاني أكسيد الكربون، وهو تركيز هائل يحبس الحرارة بكفاءة لا مثيل لها، مما يجعل من الزهرة الكوكب الأكثر سخونة في النظام الشمسي، حتى أكثر من عطارد الأقرب إلى الشمس.
الغلاف الجوي: وشاح سام مقابل درع واقٍ
إن المقارنة بين الغلاف الجوي لكوكب الزهرة والغلاف الجوي لكوكب الأرض هي مقارنة بين الموت والحياة. الغلاف الجوي لكوكب الأرض هو درع ديناميكي وواقي، يتكون أساسًا من النيتروجين (78%) والأكسجين (21%)، مع كميات ضئيلة من غازات الدفيئة التي تنظم درجة الحرارة. إنه يسمح بمرور الضوء المرئي، ويحمينا من الإشعاع فوق البنفسجي الضار، ويوفر الأكسجين الذي نتنفسه.
في المقابل، الغلاف الجوي لكوكب الزهرة هو وشاح كثيف وسام. كتلته أكبر بـ 93 مرة من كتلة غلاف الأرض الجوي، مما يولد ضغطًا على السطح يعادل الضغط الموجود على عمق كيلومتر واحد تحت محيطات الأرض؛ ضغط كافٍ لسحق غواصة عسكرية. هذا الغلاف الجوي، الذي يهيمن عليه ثاني أكسيد الكربون، يخلق تأثيرًا حراريًا شديدًا يرفع درجة حرارة السطح إلى متوسط مروع يبلغ 462 درجة مئوية (864 درجة فهرنهايت)، وهي درجة حرارة كافية لإذابة الرصاص. علاوة على ذلك، فإن طبقات السحب السميكة التي تغطي الزهرة بشكل دائم ليست مكونة من بخار الماء كما هو الحال على الأرض، بل من قطرات حمض الكبريتيك المسببة للتآكل الشديد. هذه السحب تساهم في عكس حوالي 75% من ضوء الشمس، مما يفسر لمعان الزهرة في سمائنا، لكنها أيضًا تخفي سطحًا مظلمًا ومحترقًا. الفرق بين أجواء الزهرة والأرض يمثل الانقسام الأكثر وضوحًا بين عالم مضياف وآخر معادٍ للحياة بشكل مطلق.
السطح والجيولوجيا: عالم من البراكين مقابل عالم من الماء
تكشف نظرة فاحصة على جيولوجيا الكوكبين عن اختلافات جوهرية أخرى. يتميز سطح الأرض بتنوعه المذهل، والذي تشكله عملية مستمرة تُعرف بتكتونية الصفائح. تتحرك قشرة الأرض المقسمة إلى صفائح باستمرار، مما يؤدي إلى تكوين الجبال والمحيطات والبراكين والزلازل. هذه العملية لا تشكل جغرافيتنا فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا حاسمًا في تنظيم مناخ الأرض من خلال إعادة تدوير المواد الكيميائية الحيوية مثل الكربون بين السطح والغلاف الجوي والوشاح. وجود الماء السائل على الأرض يساهم أيضًا في عمليات التعرية والنحت، مما يخلق الأنهار والوديان والسواحل التي نعرفها.
أما سطح الزهرة، الذي تم رسم خرائطه بدقة باستخدام الرادار من قبل مسبار ماجلان التابع لناسا، فيروي قصة مختلفة تمامًا. يهيمن على 풍경 الزهرة السهول البركانية الشاسعة، التي تغطي حوالي 80% من سطحه، وتتخللها آلاف البراكين، بعضها أكبر بكثير من أي بركان على الأرض. على عكس الأرض، لا يبدو أن الزهرة يمتلك نظامًا نشطًا لتكتونية الصفائح. بدلاً من ذلك، يعتقد العلماء أن قشرته عبارة عن صفيحة واحدة متصلة. تشير قلة الفوهات الصدمية الصغيرة إلى أن السطح حديث جيولوجيًا، ربما لا يتجاوز عمره 300 إلى 600 مليون سنة. النظرية السائدة هي أن الحرارة تتراكم تحت القشرة السميكة لكوكب الزهرة على مدى فترات طويلة، حتى تصل إلى نقطة حرجة، مما يؤدي إلى أحداث “إعادة تسطيح كارثية” عالمية، حيث تندلع كميات هائلة من الحمم البركانية وتغطي الكوكب بأكمله. هذه الطبيعة الجيولوجية العنيفة والمتقطعة تقف في تناقض صارخ مع التطور الجيولوجي المستمر والديناميكي الذي يميز كوكب الأرض.
الدوران والمجال المغناطيسي: يوم أطول من سنة وغياب الدرع الحامي
حتى في طريقة دورانهما، يظهر الزهرة والأرض كعالمين مختلفين. تدور الأرض حول محورها مرة كل 24 ساعة تقريبًا، مما يخلق دورة نهار وليل منتظمة وحيوية للحياة. أما الزهرة، فيمتلك دورانًا بطيئًا بشكل لا يصدق وتراجعيًا (يدور في الاتجاه المعاكس لمعظم الكواكب الأخرى، بما في ذلك الأرض). يستغرق اليوم الواحد على الزهرة (الدوران حول محوره) 243 يومًا أرضيًا، وهو أطول من سنته (الدوران حول الشمس) التي تبلغ 225 يومًا أرضيًا. هذا الدوران البطيء له آثار عميقة على مناخه وتوزيع الحرارة على سطحه.
لكن الأهم من ذلك هو نتيجة هذا الدوران البطيء: غياب مجال مغناطيسي عالمي جوهري. يتم توليد المجال المغناطيسي القوي لكوكب الأرض من خلال حركة الحديد المنصهر في لبه الخارجي، وهي عملية تُعرف بـ “تأثير الدينامو”. يعمل هذا المجال المغناطيسي كدرع غير مرئي يحمي الكوكب من الرياح الشمسية، وهي تيار مستمر من الجسيمات المشحونة التي تتدفق من الشمس. بدون هذا الدرع، كانت الرياح الشمسية ستجرد الغلاف الجوي لـ الأرض ببطء، وتزيل طبقة الأوزون، وتجعل الحياة على السطح مستحيلة.
يفتقر الزهرة إلى هذا الدرع الحيوي. يُعتقد أن دورانه البطيء للغاية يمنع توليد دينامو فعال في لبه. نتيجة لذلك، يتفاعل الغلاف الجوي العلوي لكوكب الزهرة مباشرة مع الرياح الشمسية. هذا التفاعل المستمر أدى على الأرجح إلى تجريد الزهرة من كميات هائلة من مياهه البدائية على مدى مليارات السنين. تقوم الرياح الشمسية بتفكيك جزيئات الماء في الغلاف الجوي العلوي إلى هيدروجين وأكسجين؛ الهيدروجين الخفيف يهرب بسهولة إلى الفضاء، بينما يبقى الأكسجين ويتفاعل مع الصخور. هذه العملية، جنبًا إلى جنب مع الانفلات الحراري، ساهمت في جعل الزهرة العالم الجاف والمقفر الذي هو عليه اليوم. إن وجود المجال المغناطيسي على الأرض وغيابه على الزهرة هو أحد أهم الفروق الحاسمة التي فصلت بين مصير الكوكبين.
دروس من الزهرة: مرآة تحذيرية لمستقبل الأرض
إن دراسة كوكب الزهرة ليست مجرد تمرين أكاديمي في علم الكواكب المقارن؛ إنها تقدم دروسًا عميقة وتحذيرات صارخة لكوكب الأرض. يمثل الزهرة مثالًا واقعيًا لما يمكن أن يحدث عندما يخرج تأثير الاحتباس الحراري عن السيطرة. إنه مختبر طبيعي لدراسة فيزياء المناخ في أقصى حالاتها. من خلال فهم العمليات التي حولت الزهرة إلى عالم سام، يمكن لعلماء المناخ تحسين نماذجهم لفهم والتنبؤ بالتغيرات المناخية على الأرض.
بينما لا تواجه الأرض خطرًا وشيكًا للتحول إلى نسخة طبق الأصل من الزهرة – نظرًا لبعدها عن الشمس وديناميكياتها الجيولوجية المختلفة – فإن قصة الزهرة تسلط الضوء على حساسية توازن المناخ الكوكبي. إنها تظهر أن كوكبًا شبيهًا بـ الأرض يمكن أن يعبر نقطة اللاعودة، حيث تؤدي التغذية الراجعة الإيجابية إلى تغييرات مناخية لا رجعة فيها. إن الزيادة المستمرة في تركيزات غازات الدفيئة في غلاف الأرض الجوي، الناتجة عن النشاط البشري، تدفع مناخنا نحو منطقة مجهولة. كوكب الزهرة يقف كتذكير دائم بأن الظروف التي تجعل كوكبًا صالحًا للسكن، مثل تلك التي نتمتع بها على الأرض، هي ثمينة وهشة، وليست مضمونة بأي حال من الأحوال.
الخاتمة: توأمان فرقتهما الأقدار
في الختام، فإن لقب “توأم الأرض الشرير” الذي أُطلق على كوكب الزهرة هو وصف مناسب بشكل مدهش. على الرغم من ولادتهما من نفس المواد وفي نفس الجزء من النظام الشمسي، فإن مساراتهما التطورية تباعدت بشكل جذري. فرق بسيط في المسافة من الشمس أطلق سلسلة من الأحداث الكارثية على الزهرة: انفلات حراري قضى على محيطاته، وتراكم غلاف جوي سام وكثيف، ونشاط بركاني عنيف، وغياب درع مغناطيسي واقٍ. كل خطوة على هذا الطريق المظلم أبعدت الزهرة عن الشبه بكوكب الأرض، وحولته من توأم محتمل إلى نقيضه الجحيمي. إن قصة الزهرة والأرض ليست مجرد حكاية عن كوكبين، بل هي شهادة على التوازن الدقيق للقوى التي تحكم قابلية السكن في الكون، وتذكير بأن منزلنا، كوكب الأرض، هو بالفعل جوهرة نادرة وثمينة تستحق كل جهد للحفاظ عليها.
الأسئلة الشائعة
1. لماذا يُطلق على كوكب الزهرة لقب “توأم الأرض الشرير” على الرغم من أوجه التشابه الفيزيائية بينهما؟
الإجابة: يُشتق هذا اللقب من التناقض المذهل بين التشابهات السطحية والاختلافات الجوهرية العميقة بين كوكب الزهرة وكوكب الأرض. من الناحية الفيزيائية، الكوكبان شبه متطابقين في الحجم والكتلة والكثافة والتركيب الصخري العام، مما يجعلهما توأمين كوكبيين. لكن الصفة “الشرير” تصف بيئة الزهرة المعادية للحياة بشكل مطلق. فبينما تطورت الأرض لتصبح ملاذاً للحياة مع محيطاتها المائية ودرجات حرارتها المعتدلة وغلافها الجوي الغني بالأكسجين، تحول الزهرة إلى عالم جحيمي. متوسط درجة حرارة سطحه يبلغ 462 درجة مئوية، وضغطه الجوي يعادل 92 ضعف ضغط الأرض، وغلافه الجوي يتكون من ثاني أكسيد الكربون السام مع سحب من حمض الكبريتيك. لذا، فإن اللقب يجسد هذه المفارقة المأساوية: كيف يمكن لكوكبين متشابهين في الأصل أن يتباعدا إلى نقيضين، أحدهما جنة والآخر جحيم.
2. ما هي ظاهرة “الانفلات الحراري” بالضبط، ولماذا حدثت على الزهرة وليس على الأرض؟
الإجابة: الانفلات الحراري هو عملية مناخية كارثية ذات تغذية راجعة إيجابية لا يمكن إيقافها. بدأت هذه الظاهرة على الزهرة بسبب قربه من الشمس، مما أدى إلى تبخر محيطاته البدائية. بخار الماء هو غاز دفيئة قوي، وقد أدى تراكمه في الغلاف الجوي إلى حبس المزيد من الحرارة، مما رفع درجة الحرارة وأدى إلى تبخر المزيد من الماء، وهكذا في حلقة مفرغة. في النهاية، ارتفعت الحرارة لدرجة أن ثاني أكسيد الكربون المحبوس في الصخور تحرر وأطلق في الغلاف الجوي، ليحل محل بخار الماء كغاز الدفيئة المهيمن ويخلق الظروف الحالية. لم تحدث هذه الظاهرة على كوكب الأرض لسببين رئيسيين: أولاً، المسافة الأكبر من الشمس التي سمحت للماء بالبقاء في حالة سائلة. ثانيًا، وجود دورة كربون جيولوجية نشطة على الأرض، حيث تسحب المحيطات وتكتونية الصفائح ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزنه في الصخور الرسوبية، مما منع تراكمه الكارثي الذي شهده الزهرة.
3. هل يمكن أن يتعرض كوكب الأرض لظاهرة انفلات حراري مماثلة لتلك التي حدثت على الزهرة؟
الإجابة: من المستبعد للغاية أن تواجه الأرض سيناريو انفلات حراري مطابق تماماً لما حدث على الزهرة في المستقبل القريب، وذلك بسبب موقعها المداري الأبعد عن الشمس. الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض ليست كافية لبدء عملية تبخر شاملة للمحيطات. ومع ذلك، فإن قصة الزهرة تمثل تحذيراً علمياً بالغ الأهمية. إنها توضح حساسية المناخ الكوكبي وتُظهر أن الكواكب يمكن أن تتجاوز “نقاط التحول” التي تؤدي إلى تغيرات مناخية لا رجعة فيها. إن الزيادة الحالية في غازات الدفيئة بسبب النشاط البشري على الأرض، وإن لم تكن كافية لإحداث انفلات حراري كامل، إلا أنها تدفع مناخنا نحو حالة أكثر دفئاً وغير مستقرة، مما يسلط الضوء على هشاشة التوازن الذي يجعل كوكبنا صالحاً للسكن مقارنة بجاره الزهرة.
4. كيف يمكن للغلاف الجوي لكوكبين جارين مثل الزهرة والأرض أن يكونا مختلفين إلى هذا الحد؟
الإجابة: يكمن الاختلاف الجذري في التطور التاريخي لكل غلاف جوي. الغلاف الجوي لكوكب الأرض هو نتاج توازن دقيق بين العمليات الجيولوجية (البراكين التي تطلق الغازات) والبيولوجية (الحياة التي تستهلك ثاني أكسيد الكربون وتنتج الأكسجين) والكيميائية (امتصاص ثاني أكسيد الكربون في المحيطات). على الأرض، معظم الكربون مخزّن في القشرة والمحيطات. أما الزهرة، فقد فقد هذا التوازن. بسبب الحرارة الشديدة وغياب المحيطات السائلة والحياة، تراكم كل الكربون المتاح تقريباً في غلافه الجوي على شكل ثاني أكسيد الكربون. هذا أدى إلى غلاف جوي كثيف جداً (96.5% CO2) يولد ضغطاً هائلاً وتأثير احتباس حراري جامح. المقارنة بين أجواء الزهرة والأرض هي في جوهرها مقارنة بين كوكب لديه آلية فعالة لإعادة تدوير الكربون وآخر فقد هذه الآلية تماماً.
5. ما هي أبرز ملامح سطح الزهرة، وكيف تختلف جيولوجيته عن جيولوجيا الأرض؟
الإجابة: سطح الزهرة هو عالم بركاني بامتياز. تكشف الخرائط الرادارية عن سهول حمم بركانية شاسعة تغطي أكثر من 80% من سطحه، بالإضافة إلى آلاف البراكين الدرعية، وسمات فريدة مثل “التيجان” (Coronae) التي يُعتقد أنها ناتجة عن تصاعد أعمدة الوشاح. الاختلاف الجيولوجي الرئيسي عن الأرض هو غياب تكتونية الصفائح. قشرة الزهرة تبدو وكأنها صفيحة واحدة متصلة. النظرية السائدة هي “إعادة التسطيح الكارثية”، حيث تتراكم الحرارة الداخلية تحت القشرة لمئات الملايين من السنين ثم تنفجر في نوبات عالمية من النشاط البركاني الذي يغطي السطح بأكمله. هذا يتناقض بشكل حاد مع جيولوجيا الأرض الديناميكية والمستمرة، حيث تعمل حركة الصفائح على إعادة تشكيل السطح باستمرار وتلعب دوراً حاسماً في تنظيم المناخ.
6. لماذا يفتقر الزهرة إلى مجال مغناطيسي قوي مثل الذي يحمي الأرض، وما هي عواقب ذلك؟
الإجابة: يتم توليد المجال المغناطيسي القوي لكوكب الأرض بواسطة “تأثير الدينامو” في لبه الخارجي المصهور، والذي يتطلب مكونين رئيسيين: لب معدني سائل، ودوران كوكبي سريع. بينما يُعتقد أن الزهرة يمتلك لباً مشابهاً للب الأرض، فإن دورانه بطيء للغاية (يستغرق اليوم الواحد عليه 243 يوماً أرضياً). هذا الدوران البطيء جداً غير كافٍ لتحريك المادة في اللب وتوليد مجال مغناطيسي عالمي. العواقب وخيمة؛ فالمجال المغناطيسي للأرض يعمل كدرع يحمي غلافنا الجوي من التآكل بفعل الرياح الشمسية. أما الزهرة، فيتفاعل غلافه الجوي العلوي مباشرة مع هذه الرياح، مما أدى على مدى مليارات السنين إلى تجريد الكوكب من مياهه البدائية عن طريق تفكيك جزيئات الماء وهروب الهيدروجين الخفيف إلى الفضاء، مساهماً في جفافه الشديد.
7. كيف يمكن أن يكون اليوم على الزهرة أطول من سنته؟
الإجابة: هذه الظاهرة الغريبة هي نتيجة لمزيج من الدوران المحوري البطيء جداً والدوران المداري الأسرع نسبياً. يستغرق الزهرة حوالي 225 يوماً أرضياً لإكمال دورة واحدة حول الشمس (سنته). في المقابل، يستغرق 243 يوماً أرضياً لإكمال دورة واحدة حول محوره (يومه الفلكي)، وهو أبطأ دوران لأي كوكب في النظام الشمسي. علاوة على ذلك، فإن دورانه “تراجعي”، أي أنه يدور في اتجاه معاكس لدوران الأرض ومعظم الكواكب الأخرى. هذا المزيج الفريد من الدوران البطيء والتراجعي يجعل يوماً واحداً على الزهرة أطول من سنته، وهي سمة لا مثيل لها في نظامنا الشمسي.
8. هل كان كوكب الزهرة صالحاً للسكن في الماضي مثل كوكب الأرض؟
الإجابة: تشير العديد من النماذج المناخية الحاسوبية إلى أنه من المحتمل جداً أن يكون الزهرة قد تمتع بظروف صالحة للسكن في الماضي السحيق. لمدة قد تصل إلى مليارين أو ثلاثة مليارات سنة، ربما كان لديه محيطات من الماء السائل ودرجات حرارة سطحية معتدلة، مما يجعله أول كوكب صالح للسكن في النظام الشمسي، حتى قبل الأرض. ولكن، مع زيادة إشعاع الشمس تدريجياً على مدى الزمن الجيولوجي، وصل الزهرة، بسبب قربه من الشمس، إلى نقطة حرجة حيث لم يعد بإمكانه الحفاظ على مياهه السائلة، مما أدى إلى بدء الانفلات الحراري الذي قضى على أي فرصة لنشوء حياة معقدة وحوله إلى ما هو عليه اليوم.
9. كيف تمكن العلماء من دراسة سطح الزهرة وهو مغطى بالكامل بسحب كثيفة؟
الإجابة: تمكن العلماء من اختراق حجاب الزهرة السحابي باستخدام تقنية الرادار. على عكس الضوء المرئي، يمكن لموجات الرادار أن تخترق السحب الكثيفة وتصل إلى السطح وترتد مرة أخرى إلى المركبة الفضائية. من خلال تحليل زمن وقوة الإشارات المرتدة، يمكن للعلماء بناء خرائط طبوغرافية مفصلة للسطح. كانت المهمة المحورية في هذا المجال هي مسبار “ماجلان” التابع لناسا في أوائل التسعينيات، والذي قام برسم خرائط عالية الدقة لـ 98% من سطح الزهرة. بالإضافة إلى ذلك، نجحت بعض المسابر السوفيتية من برنامج “فينيرا” في الهبوط على السطح في السبعينيات والثمانينيات وأرسلت الصور والبيانات الأولى مباشرة من هذا العالم المعادي، مقدمة لمحة فريدة عن طبيعة الصخور والظروف على سطح الزهرة مقارنة بـالأرض.
10. ما الذي تأمل المهمات الفضائية المستقبلية إلى الزهرة في اكتشافه؟
الإجابة: تهدف المهمات المستقبلية المخطط لها، مثل DAVINCI و VERITAS التابعتين لناسا ومهمة EnVision التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، إلى الإجابة عن أسئلة أساسية حول تطور الزهرة. تسعى هذه المهمات إلى فهم تاريخه الجيولوجي بدقة أكبر، وتحديد ما إذا كانت البراكين لا تزال نشطة اليوم، وتحليل تركيب غلافه الجوي السفلي بالتفصيل، والبحث عن أدلة على وجود محيطات قديمة. الهدف الأسمى هو فهم سبب وكيفية تباعد مساري التوأمين الكوكبيين، الزهرة والأرض، بشكل جذري. إن فهم هذه العملية سيقدم رؤى لا تقدر بثمن حول العوامل التي تحدد قابلية السكن للكواكب الصخرية داخل وخارج نظامنا الشمسي.