الضغط البخاري: المفهوم الأساسي، العوامل المؤثرة، والتطبيقات العملية

يمثل الضغط البخاري (Vapor Pressure) أحد المفاهيم الجوهرية في الكيمياء الفيزيائية والعلوم الهندسية، وهو مقياس كمي لميل المادة للتحول من حالتها السائلة أو الصلبة إلى الحالة الغازية (البخارية). بشكل أكثر تحديدًا، يُعرَّف الضغط البخاري بأنه الضغط الذي يمارسه بخار مادة ما عندما يكون في حالة اتزان ديناميكي مع مرحلته المتكثفة (السائلة أو الصلبة) عند درجة حرارة معينة داخل نظام مغلق. إن فهم هذا المفهوم ليس مجرد تمرين أكاديمي، بل هو أساس للعديد من العمليات الصناعية والطبيعية، بدءًا من التقطير وفصل المواد الكيميائية، وصولًا إلى فهم الظواهر الجوية مثل الرطوبة وتكون الندى. تتناول هذه المقالة بعمق طبيعة الضغط البخاري، والعوامل التي تحكم قيمته، وطرق قياسه، وأهميته في المحاليل، وتطبيقاته العملية الواسعة.
المفهوم الأساسي للضغط البخاري وحالة الاتزان الديناميكي
لفهم الضغط البخاري بشكل دقيق، يجب أولاً استيعاب فكرة التبخر والتكثف على المستوى الجزيئي. في أي سائل، تمتلك الجزيئات طاقة حركية متفاوتة وتتحرك بشكل عشوائي. بعض الجزيئات الموجودة على سطح السائل قد تمتلك طاقة حركية كافية للتغلب على القوى بين الجزيئية (Intermolecular Forces) التي تربطها ببقية جزيئات السائل، فتتمكن من الهروب إلى الفضاء فوق السائل على شكل بخار. هذه العملية تُعرف بالتبخر (Evaporation).
عندما تحدث هذه العملية في وعاء مغلق، تبدأ جزيئات البخار بالتراكم في الفضاء فوق السائل. هذه الجزيئات البخارية تتحرك أيضًا بشكل عشوائي، وبعضها سيصطدم بسطح السائل ويفقد طاقة حركية كافية ليعود مجددًا إلى الحالة السائلة، في عملية تُعرف بالتكثف (Condensation). في البداية، يكون معدل التبخر أعلى بكثير من معدل التكثف لأن تركيز جزيئات البخار يكون منخفضًا. مع مرور الوقت، يزداد تركيز جزيئات البخار، وبالتالي يزداد معدل التكثف.
تستمر هذه العملية حتى تصل إلى نقطة يصبح فيها معدل التبخر مساويًا تمامًا لمعدل التكثف. عند هذه النقطة، يُقال إن النظام قد وصل إلى حالة الاتزان الديناميكي (Dynamic Equilibrium). على الرغم من أن الجزيئات لا تزال تتحرك بين الحالتين السائلة والغازية، إلا أن العدد الكلي لجزيئات البخار في الفضاء فوق السائل يظل ثابتًا. الضغط الذي تمارسه هذه الجزيئات البخارية الثابتة عند حالة الاتزان هو ما يُعرف بـ الضغط البخاري. من المهم التأكيد على أن الضغط البخاري هو خاصية مميزة للسائل عند درجة حرارة معينة، ولا يعتمد على حجم السائل أو مساحة سطحه أو حجم الوعاء (طالما يوجد ما يكفي من السائل للوصول إلى حالة الاتزان). يعكس الضغط البخاري مدى “تطايرية” (Volatility) السائل؛ فالسوائل ذات الضغط البخاري المرتفع تتبخر بسهولة وتُعتبر متطايرة، بينما السوائل ذات الضغط البخاري المنخفض تكون أقل تطايرية.
العوامل المؤثرة على الضغط البخاري
لا تكون قيمة الضغط البخاري ثابتة لجميع المواد أو في جميع الظروف، بل تتأثر بشكل كبير بعاملين رئيسيين: طبيعة المادة (التي تتجلى في قواها بين الجزيئية) ودرجة الحرارة.
1. طبيعة السائل والقوى بين الجزيئية (Intermolecular Forces – IMFs):
تعتبر القوى بين الجزيئية هي القوى التي تربط جزيئات السائل ببعضها البعض. كلما كانت هذه القوى أقوى، احتاجت الجزيئات إلى طاقة حركية أكبر للتغلب عليها والهروب إلى الطور الغازي. نتيجة لذلك، يكون معدل التبخر أقل، وبالتالي يكون الضغط البخاري للسائل أقل عند درجة حرارة معينة.
يمكن تصنيف القوى بين الجزيئية من الأضعف إلى الأقوى كما يلي:
- قوى تشتت لندن (London Dispersion Forces): توجد في جميع الجزيئات وتزداد قوتها مع زيادة حجم الجزيء وعدد الإلكترونات فيه.
- قوى ثنائي القطب-ثنائي القطب (Dipole-Dipole Forces): توجد بين الجزيئات القطبية.
- الروابط الهيدروجينية (Hydrogen Bonding): وهي أقوى أنواع القوى بين الجزيئية، وتحدث عندما يرتبط الهيدروجين بذرة عالية الكهروسلبية مثل الأكسجين أو النيتروجين أو الفلور.
على سبيل المثال، لنقارن بين ثلاث سوائل عند نفس درجة الحرارة (20 درجة مئوية):
- ثنائي إيثيل الإيثر (C₄H₁₀O): جزيئاته غير قطبية تقريبًا وتترابط بشكل أساسي بقوى تشتت لندن الضعيفة. لذلك، يمتلك الضغط البخاري الأعلى (حوالي 58.7 كيلو باسكال)، وهو سائل شديد التطاير.
- الإيثانول (C₂H₅OH): جزيئاته قادرة على تكوين روابط هيدروجينية، وهي أقوى من قوى الإيثر. لذا، فإن الضغط البخاري للإيثانول أقل بكثير (حوالي 5.95 كيلو باسكال).
- الماء (H₂O): يمتلك كل جزيء ماء القدرة على تكوين شبكة قوية من الروابط الهيدروجينية مع الجزيئات المجاورة. هذه القوى القوية تجعل من الصعب على جزيئات الماء الهروب، مما ينتج عنه الضغط البخاري المنخفض نسبيًا (حوالي 2.34 كيلو باسكال).
هذه المقارنة توضح بجلاء كيف أن بنية الجزيء ونوع القوى الرابطة بينها تؤثر بشكل مباشر على قيمة الضغط البخاري.
2. درجة الحرارة (Temperature):
تعتبر درجة الحرارة العامل الأكثر تأثيرًا على الضغط البخاري. عند زيادة درجة حرارة سائل ما، تزداد متوسط الطاقة الحركية لجزيئاته. هذا يعني أن عددًا أكبر من الجزيئات سيمتلك الطاقة الكافية للتغلب على القوى بين الجزيئية والتحول إلى الحالة البخارية. نتيجة لذلك، يزداد معدل التبخر، مما يؤدي إلى زيادة تركيز البخار في حالة الاتزان، وبالتالي ارتفاع قيمة الضغط البخاري.
العلاقة بين الضغط البخاري ودرجة الحرارة ليست خطية، بل هي علاقة أسية (exponential). يمكن وصف هذه العلاقة رياضيًا باستخدام معادلة كلاوزيوس-كلابيرون (Clausius-Clapeyron equation)، والتي تربط بين الضغط البخاري عند درجتي حرارة مختلفتين وحرارة التبخر (Enthalpy of Vaporization) للمادة. كلما ارتفعت درجة الحرارة، زاد الضغط البخاري بشكل متسارع حتى يصل إلى نقطة يتساوى فيها مع الضغط الخارجي المحيط، وعند هذه النقطة يبدأ السائل في الغليان.
قياس الضغط البخاري: الطرق والأدوات
يعد القياس الدقيق لخاصية الضغط البخاري أمرًا حيويًا في العديد من التطبيقات العلمية والهندسية. هناك عدة طرق لقياسه، تتراوح من الطرق الكلاسيكية البسيطة إلى التقنيات الحديثة المعقدة.
من أبسط الطرق وأكثرها شيوعًا في المختبرات التعليمية هي استخدام المانومتر (Manometer). في هذه الطريقة، يتم وضع كمية من السائل المراد قياس الضغط البخاري له في دورق متصل بأنبوب على شكل حرف U يحتوي على سائل لا يمتزج مع السائل المختبر ولا يتفاعل معه (عادة الزئبق). يتم تفريغ الهواء من الدورق لضمان أن الضغط الوحيد فوق السائل هو ضغط بخاره. بعد الوصول إلى حالة الاتزان، يمارس بخار السائل ضغطًا على سطح الزئبق في أحد طرفي المانومتر، مما يؤدي إلى انخفاضه وارتفاعه في الطرف الآخر. الفرق في ارتفاع عمود الزئبق بين الطرفين يعطي مباشرة قيمة الضغط البخاري للسائل عند درجة حرارة التجربة.
توجد طرق أخرى أكثر دقة مثل استخدام جهاز الإيزوتينيسكوب (Isoteniscope)، الذي يسمح بالتحكم الدقيق في درجة الحرارة ويوفر قياسات موثوقة. كما تطورت تقنيات حديثة تعتمد على أجهزة استشعار الضغط الإلكترونية أو طرق التشبع بالغاز، حيث يتم تمرير تيار من غاز خامل عبر السائل حتى يتشبع ببخاره، ومن ثم يتم قياس كمية البخار المحمولة في الغاز لتحديد الضغط البخاري. إن اختيار طريقة القياس المناسبة يعتمد على دقة النتائج المطلوبة وطبيعة المادة المدروسة. من الضروري فهم أن كل قياس لـ الضغط البخاري يجب أن يكون مرتبطًا بدرجة حرارة محددة.
علاقة الضغط البخاري بالغليان والتقطير
يرتبط مفهوم الضغط البخاري ارتباطًا وثيقًا بظاهرة الغليان (Boiling). الغليان ليس مجرد تبخر سريع من السطح، بل هو عملية تبخر تحدث في جميع أنحاء السائل، وتتكون خلالها فقاعات من البخار ترتفع إلى السطح. تحدث هذه الظاهرة عند درجة حرارة محددة تُعرف بنقطة الغليان (Boiling Point).
تُعرَّف نقطة الغليان بأنها درجة الحرارة التي يتساوى عندها الضغط البخاري للسائل مع الضغط الخارجي (الضغط الجوي عادةً). عند هذه النقطة، تمتلك جزيئات السائل طاقة كافية لتكوين فقاعات بخار داخل السائل يمكنها مقاومة الضغط الخارجي والتمدد والصعود. لهذا السبب، تعتمد نقطة الغليان على الضغط الخارجي. على سبيل المثال، عند مستوى سطح البحر حيث يبلغ الضغط الجوي حوالي 101.3 كيلو باسكال، يغلي الماء عند 100 درجة مئوية، لأن هذا هو Temperature الذي يصل فيه الضغط البخاري للماء إلى هذه القيمة. أما على قمة جبل عالٍ، حيث يكون الضغط الجوي أقل، فإن الماء يغلي عند درجة حرارة أقل من 100 درجة مئوية، لأن الضغط البخاري للماء سيصل إلى قيمة الضغط الجوي المنخفضة عند درجة حرارة أقل.
هذه العلاقة بين الضغط البخاري ونقطة الغليان هي الأساس لعملية التقطير (Distillation)، وهي تقنية حيوية لفصل مكونات خليط سائل. في عملية التقطير الجزئي (Fractional Distillation)، يتم تسخين الخليط. المكون الذي يمتلك الضغط البخاري الأعلى (أي الأكثر تطايرًا) سيتبخر أولاً بكميات أكبر. يتم بعد ذلك تكثيف هذا البخار، الذي يكون غنيًا بالمكون الأكثر تطايرًا، وجمعه بشكل منفصل. من خلال تكرار هذه العملية، يمكن فصل المكونات ذات نقاط الغليان المختلفة (وبالتالي ذات الضغط البخاري المختلف) بكفاءة عالية. تعتمد صناعات بأكملها، مثل تكرير النفط وإنتاج المشروبات الكحولية، على مبدأ اختلاف الضغط البخاري للمكونات.
قانون راؤول والضغط البخاري للمحاليل
عندما يتم إذابة مادة غير متطايرة (مثل الملح أو السكر) في سائل مذيب (مثل الماء)، فإن الضغط البخاري للمحلول الناتج يكون دائمًا أقل من الضغط البخاري للمذيب النقي عند نفس درجة الحرارة. يمكن تفسير هذه الظاهرة على المستوى الجزيئي؛ فوجود جزيئات المذاب على سطح المحلول يقلل من عدد جزيئات المذيب الموجودة على السطح القادرة على التبخر. بعبارة أخرى، “تعيق” جزيئات المذاب عملية هروب جزيئات المذيب، مما يقلل من معدل التبخر عند الاتزان ويؤدي إلى انخفاض في الضغط البخاري.
وصف العالم الفرنسي فرانسوا ماري راؤول هذه العلاقة رياضيًا فيما يُعرف بقانون راؤول (Raoult’s Law). ينص القانون على أن الضغط البخاري الجزئي للمذيب فوق المحلول (P_solvent) يساوي حاصل ضرب الضغط البخاري للمذيب النقي (P°_solvent) في الكسر المولي للمذيب في المحلول (X_solvent):
P_solvent = X_solvent * P°_solvent
هذا الانخفاض في الضغط البخاري للمحاليل له عواقب مهمة تُعرف بالخصائص التجميعية (Colligative Properties)، وهي الخصائص التي تعتمد على عدد جسيمات المذاب وليس على طبيعتها. وتشمل هذه الخصائص ارتفاع نقطة الغليان وانخفاض نقطة التجمد. نظرًا لأن الضغط البخاري للمحلول أقل، فإنه يجب تسخينه إلى درجة حرارة أعلى حتى يتساوى الضغط البخاري مع الضغط الخارجي، مما يؤدي إلى ارتفاع نقطة الغليان. إن التحكم في الضغط البخاري عبر تكوين المحاليل له تطبيقات واسعة، من استخدام الملح لإذابة الجليد على الطرقات إلى تصميم سوائل التبريد في محركات السيارات.
التطبيقات العملية والصناعية للضغط البخاري
إن فهم والتحكم في الضغط البخاري أمر بالغ الأهمية في مجموعة واسعة من المجالات العلمية والصناعية.
1. الصناعات الكيميائية والبتروكيماوية:
تعتبر عملية التقطير، التي تعتمد كليًا على الاختلافات في الضغط البخاري، حجر الزاوية في صناعة تكرير النفط لفصل النفط الخام إلى مكونات مفيدة مثل البنزين والديزل والكيروسين. كما أنها ضرورية في إنتاج المواد الكيميائية النقية والمذيبات. بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة الضغط البخاري للمواد عند تصميم المفاعلات الكيميائية وأنظمة التخزين لتجنب الضغوط المفرطة التي قد تؤدي إلى حوادث خطيرة، خاصة عند التعامل مع السوائل المتطايرة.
2. الأرصاد الجوية وعلوم البيئة:
يعتبر الضغط البخاري للماء في الغلاف الجوي مفهومًا مركزيًا في علم الأرصاد الجوية. فهو يحدد الرطوبة النسبية ونقطة الندى (درجة الحرارة التي يتكثف عندها بخار الماء). عندما يصل الضغط البخاري الفعلي للماء في الهواء إلى قيمة الضغط البخاري للتشبع عند درجة حرارة معينة، يصبح الهواء مشبعًا، ويبدأ تكوّن الندى أو الضباب أو السحب.
3. صناعة الأغذية والمشروبات:
يؤثر الضغط البخاري على طهي الطعام. على سبيل المثال، في قدر الضغط، يتم زيادة الضغط فوق السائل، مما يتطلب الوصول إلى درجة حرارة أعلى حتى يتساوى الضغط البخاري للماء مع الضغط الداخلي المرتفع، وهذا يؤدي إلى طهي الطعام بشكل أسرع. على العكس، تُستخدم تقنية التجفيف بالتجميد (Lyophilization)، التي تعتمد على خفض الضغط بشكل كبير للسماح للماء بالتسامي (التحول مباشرة من الحالة الصلبة إلى الغازية) عند درجات حرارة منخفضة، للحفاظ على الأطعمة والأدوية الحساسة للحرارة. إن الضغط البخاري للمكونات العطرية في الأطعمة والمشروبات يحدد نكهتها ورائحتها.
4. الهندسة والصيدلة:
في الهندسة، يتم التحكم في الضغط البخاري للوقود مثل البنزين لضمان الاحتراق الفعال في المحركات في مختلف الظروف الجوية. يجب أن يكون الضغط البخاري عاليًا بما يكفي ليتبخر الوقود بسهولة في الطقس البارد، ولكن ليس مرتفعًا لدرجة تسبب “إغلاق البخار” (Vapor Lock) في الطقس الحار. في صناعة العطور، يتم اختيار المكونات بناءً على اختلاف الضغط البخاري لها لضمان تحرر الروائح المختلفة بمرور الوقت. وفي الصيدلة، يؤثر الضغط البخاري للمذيبات على معدل تجفيف الأدوية وتكوين الأقراص.
خاتمة
في الختام، يتضح أن الضغط البخاري ليس مجرد قيمة عددية في جدول كيميائي، بل هو خاصية ديناميكية أساسية تعكس التوازن الدقيق بين القوى التي تجمع المادة معًا والطاقة الحركية التي تسعى لتفريقها. من خلال فهم كيفية تأثر الضغط البخاري بدرجة الحرارة والقوى بين الجزيئية، وكيف يحكم ظواهر مثل الغليان والتبخر، نتمكن من تصميم عمليات صناعية فعالة، وتفسير الظواهر الطبيعية، وتطوير منتجات مبتكرة. إن الأهمية الكبيرة لـ الضغط البخاري تمتد عبر تخصصات متعددة، مما يجعله مفهومًا لا غنى عنه لأي عالم أو مهندس يسعى لفهم سلوك المادة والتحكم فيه. من أبسط عمليات التبخر اليومية إلى أعقد عمليات الفصل الصناعي، يظل الضغط البخاري مؤشرًا قويًا وحاسمًا على تطايرية المادة وسلوكها الفيزيائي.
الأسئلة الشائعة
1. ما الفرق الجوهري بين الضغط البخاري والضغط الجزئي للبخار؟
الإجابة: الفرق الأساسي يكمن في شرط الاتزان. الضغط البخاري هو مصطلح محدد يُستخدم لوصف ضغط البخار عندما يكون في حالة اتزان ديناميكي مع حالته السائلة (أو الصلبة) في نظام مغلق عند درجة حرارة ثابتة. إنه يمثل أقصى ضغط يمكن أن يمارسه بخار مادة ما في تلك الظروف وهو خاصية فيزيائية مميزة للمادة. أما الضغط الجزئي للبخار (Partial Pressure of Vapor) فهو مصطلح أعم، ويشير إلى الضغط الذي يمارسه مكون بخاري معين في خليط من الغازات، بغض النظر عما إذا كان النظام في حالة اتزان مع سائله أم لا. على سبيل المثال، الضغط الجزئي لبخار الماء في هواء الغرفة هو مقياس لكمية بخار الماء الموجودة فعليًا في الهواء في تلك اللحظة، ولكن هذا الضغط عادة ما يكون أقل من الضغط البخاري للماء عند درجة حرارة الغرفة (ضغط التشبع). فقط عندما تصل الرطوبة النسبية إلى 100%، يتساوى الضغط الجزئي لبخار الماء مع الضغط البخاري له.
2. لماذا يعتمد الضغط البخاري على درجة الحرارة وطبيعة السائل فقط، وليس على حجم السائل أو مساحة سطحه؟
الإجابة: يعتمد الضغط البخاري حصريًا على طبيعة السائل (قوته بين الجزيئية) ودرجة الحرارة لأن هاتين الخاصيتين تحددان الطاقة الحركية للجزيئات وميلها للهروب من الطور السائل. درجة الحرارة تحدد توزيع الطاقة الحركية بين الجزيئات؛ فزيادتها تزيد من نسبة الجزيئات التي تمتلك طاقة كافية للتبخر. طبيعة السائل تحدد قوة “الحاجز الطاقي” (القوى بين الجزيئية) الذي يجب على الجزيئات التغلب عليه. أما حجم السائل أو مساحة سطحه فلا يؤثران على قيمة الضغط البخاري عند الاتزان. صحيح أن زيادة مساحة السطح تزيد من معدل التبخر الأولي، ولكنها تزيد أيضًا من معدل التكثف بنفس النسبة لأن هناك مساحة أكبر لعودة جزيئات البخار إليها. عند الاتزان، تتوازن هاتان العمليتان، وتظل كثافة البخار (وبالتالي ضغطه) ثابتة. طالما يوجد ما يكفي من السائل للوصول إلى حالة الاتزان، فإن الضغط البخاري سيصل إلى نفس القيمة المميزة لتلك المادة عند تلك الحرارة.
3. كيف يفسر الضغط البخاري ظاهرة الغليان عند درجات حرارة مختلفة باختلاف الارتفاع؟
الإجابة: تُعرَّف نقطة الغليان بأنها درجة الحرارة التي يتساوى عندها الضغط البخاري للسائل مع الضغط الجوي المحيط. عند هذه النقطة، تكون الطاقة الداخلية للسائل كافية لتكوين فقاعات من البخار داخل كتلة السائل، وهذه الفقاعات قوية بما يكفي لمقاومة الضغط الخارجي والتمدد والصعود إلى السطح. عند مستوى سطح البحر، يكون الضغط الجوي مرتفعًا (حوالي 1 ضغط جوي). لذا، يجب تسخين الماء إلى 100 درجة مئوية حتى يصل الضغط البخاري له إلى هذه القيمة ويبدأ الغليان. على قمة جبل عالٍ، يكون عمود الهواء أعلاه أقل، وبالتالي يكون الضغط الجوي المحيط أقل. نتيجة لذلك، لا يحتاج الماء إلى الوصول إلى 100 درجة مئوية حتى يتساوى الضغط البخاري له مع الضغط الخارجي المنخفض. سيحدث التساوي عند درجة حرارة أقل، مما يعني أن الماء يغلي عند درجة حرارة أقل على المرتفعات.
4. اشرح الآلية الجزيئية وراء انخفاض الضغط البخاري عند إضافة مذاب غير متطاير (قانون راؤول).
الإجابة: يمكن تفسير انخفاض الضغط البخاري عند إضافة مذاب غير متطاير من خلال منظورين متكاملين:
- المنظور الحركي (Kinetic View): وجود جزيئات المذاب على سطح المحلول يقلل من الكسر المولي لجزيئات المذيب على السطح. وبما أن التبخر يحدث من السطح، فإن هذا يقلل من عدد جزيئات المذيب القادرة على الهروب إلى الطور الغازي في أي لحظة زمنية، مما يؤدي إلى انخفاض معدل التبخر. بينما يظل معدل التكثف (الذي يعتمد على تركيز البخار) كما هو في البداية. للوصول إلى اتزان جديد، يجب أن ينخفض تركيز البخار، مما يؤدي إلى انخفاض في الضغط البخاري.
- المنظور الثيرموديناميكي (Thermodynamic View): عملية الذوبان هي عملية عفوية تزيد من إنتروبي (عشوائية) النظام. المحلول أكثر عشوائية من المذيب النقي. هذا يعني أن جزيئات المذيب في المحلول تكون في حالة طاقة أكثر استقرارًا (أقل ميلًا للهروب) مقارنة بحالتها في المذيب النقي. وبالتالي، يتطلب الأمر طاقة إضافية (درجة حرارة أعلى) لدفعها للهروب إلى الطور الغازي، مما ينعكس كانخفاض في الضغط البخاري عند درجة حرارة معينة.
5. ما هي العلاقة الكمية بين الضغط البخاري وحرارة التبخر؟
الإجابة: العلاقة الكمية بين الضغط البخاري ودرجة الحرارة تُوصف رياضيًا بواسطة معادلة كلاوزيوس-كلابيرون (Clausius-Clapeyron equation). تربط هذه المعادلة بين معدل تغير الضغط البخاري مع درجة الحرارة وإنثالبي التبخر (ΔHvap)، وهو كمية الطاقة اللازمة لتبخير مول واحد من السائل عند ضغط ثابت.
الصيغة التفاضلية للمعادلة هي: d(ln P)/dT = ΔHvap / (RT²).
بشكل عملي، يتم استخدام الصيغة المتكاملة لمقارنة الضغط البخاري (P1 و P2) عند درجتي حرارة مختلفتين (T1 و T2):
ln(P2/P1) = – (ΔHvap/R) * (1/T2 – 1/T1)
توضح هذه المعادلة أنه كلما زادت حرارة التبخر (مما يشير إلى قوى بين جزيئية قوية)، كان تغير الضغط البخاري مع درجة الحرارة أكثر حدة، ويكون الضغط البخاري العام للسائل أقل.
6. هل للمواد الصلبة ضغط بخاري؟ اشرح المفهوم.
الإجابة: نعم، للمواد الصلبة أيضًا ضغط بخاري، على الرغم من أنه يكون عادةً أقل بكثير من ضغط السوائل عند نفس درجة الحرارة. تحدث هذه الظاهرة من خلال عملية التسامي (Sublimation)، حيث تتحول الجزيئات مباشرة من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية دون المرور بالحالة السائلة. تمامًا كما في السوائل، تمتلك بعض الجزيئات على سطح المادة الصلبة طاقة اهتزازية كافية للتغلب على القوى في الشبكة البلورية والهروب كبخار. عند الاتزان في نظام مغلق، يُعرف الضغط الذي يمارسه هذا البخار بـ الضغط البخاري للتسامي (أو ضغط التسامي). من الأمثلة الشائعة على ذلك ثاني أكسيد الكربون الصلب (الثلج الجاف) الذي يتسامى عند الضغط الجوي العادي، والنفثالين (مادة كرات العثة) الذي له ضغط بخاري ملحوظ يسمح بانتشار رائحته.
7. كيف يتم التحكم في الضغط البخاري للبنزين ليتناسب مع الظروف المناخية المختلفة؟
الإجابة: يُعد الضغط البخاري للبنزين خاصية حاسمة يتم ضبطها بعناية من قبل مصافي التكرير لتتناسب مع الفصول والمناطق الجغرافية. في الشتاء، يجب أن يكون الضغط البخاري للبنزين مرتفعًا نسبيًا لضمان تبخره بسهولة في درجات الحرارة المنخفضة، مما يسهل بدء تشغيل المحرك البارد. يتم تحقيق ذلك عن طريق مزج مكونات أكثر تطايرًا مثل البيوتان. في الصيف، يجب أن يكون الضغط البخاري للبنزين منخفضًا لتجنب التبخر المفرط في نظام الوقود، والذي يمكن أن يؤدي إلى حالة تُعرف بـ “قفل البخار” (Vapor Lock)، حيث تتشكل فقاعات بخار في خطوط الوقود وتعيق تدفقه إلى المحرك. كما يساهم خفض الضغط البخاري في الصيف في تقليل انبعاثات المركبات العضوية المتطايرة الضارة بالبيئة.
8. ما المقصود بـ “السوائل المتطايرة” و “السوائل غير المتطايرة” من منظور الضغط البخاري؟
الإجابة: يعتمد هذا التصنيف بشكل مباشر على قيمة الضغط البخاري للمادة عند درجة حرارة معينة (عادة درجة حرارة الغرفة).
- السوائل المتطايرة (Volatile Liquids): هي السوائل التي لها ضغط بخاري مرتفع نسبيًا في الظروف العادية. هذا يعني أن قواها بين الجزيئية ضعيفة، وتتبخر بسهولة وسرعة. أمثلة تشمل الأسيتون، ثنائي إيثيل الإيثر، والبنزين.
- السوائل غير المتطايرة (Non-volatile Liquids): هي السوائل التي لها ضغط بخاري منخفض جدًا أو مهمل في الظروف العادية. هذا يشير إلى أن قواها بين الجزيئية قوية جدًا، مما يجعل تبخرها بطيئًا للغاية. أمثلة تشمل الزئبق، زيت المحركات، والجلسرين. يُعتبر الماء متوسط التطاير مقارنة بهاتين الفئتين. هذا التصنيف مهم في تطبيقات مثل الكيمياء التحليلية (عند اختيار المذيبات) وفي فهم سلوك المحاليل.
9. في عملية التقطير الفراغي، كيف يساعد خفض الضغط الخارجي في فصل المركبات ذات نقاط الغليان العالية؟
الإجابة: التقطير الفراغي (Vacuum Distillation) هو تقنية تُستخدم لفصل المركبات التي تتحلل عند درجات حرارة غليانها العادية. المبدأ الأساسي يعتمد على العلاقة بين نقطة الغليان والضغط البخاري. من خلال استخدام مضخة تفريغ لخفض الضغط داخل جهاز التقطير، يتم تقليل الضغط الخارجي الذي يجب أن يتغلب عليه الضغط البخاري للسائل حتى يبدأ الغليان. نتيجة لذلك، تصل المركبات إلى نقطة غليانها عند درجات حرارة أقل بكثير من نقاط غليانها عند الضغط الجوي. هذا يسمح بتقطير وفصل المركبات الحساسة للحرارة (مثل الفيتامينات، الزيوت العطرية، وبعض مكونات النفط الثقيلة) دون تعريضها لدرجات حرارة عالية قد تسبب تحللها أو تكسيرها الكيميائي.
10. هل يمكن أن يكون الضغط البخاري أكبر من الضغط الجوي؟ ماذا يحدث في هذه الحالة؟
الإجابة: لا يمكن لـ الضغط البخاري لسائل في نظام مفتوح أن يتجاوز الضغط الجوي المحيط. بمجرد أن يصل الضغط البخاري إلى قيمة الضغط الجوي، يبدأ السائل في الغليان. أثناء الغليان، تتحول أي طاقة حرارية إضافية تُعطى للسائل إلى طاقة كامنة للتبخر (تحويل السائل إلى غاز) بدلاً من زيادة درجة حرارة السائل أو زيادة الضغط البخاري له. لذا، فإن نقطة الغليان تمثل حدًا أعلى لدرجة حرارة السائل (وبالتالي لـ الضغط البخاري له) في نظام مفتوح. أما في نظام مغلق وصلب (مثل قدر الضغط أو المفاعل الصناعي)، فمن الممكن زيادة درجة الحرارة فوق نقطة الغليان العادية، مما يؤدي إلى زيادة الضغط البخاري إلى قيم أعلى بكثير من الضغط الجوي، وهذا هو المبدأ الذي تعمل به هذه الأجهزة.