الفرق بين جدار الحماية (Firewall) وبرنامج مكافحة الفيروسات (Antivirus).

في العصر الرقمي المتسارع، أصبح الأمن السيبراني حجر الزاوية للحفاظ على سلامة البيانات وخصوصية المستخدمين واستمرارية الأعمال. ومع تزايد تعقيد وتطور التهديدات الرقمية، يبرز مفهومان أساسيان في مجال الحماية، غالباً ما يتم الخلط بينهما أو اعتبارهما مترادفين: جدار الحماية (Firewall) وبرنامج مكافحة الفيروسات (Antivirus). على الرغم من أن كليهما يهدف إلى حماية الأنظمة الحاسوبية، إلا أنهما يعملان بآليات مختلفة تماماً، ويستهدفان أنواعاً متباينة من التهديدات، ويشغلان مواقع متميزة ضمن استراتيجية الدفاع في العمق (Defense in Depth). إن الفهم الدقيق للفرق الجوهري بين جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات ليس مجرد مسألة أكاديمية، بل هو ضرورة عملية لكل من المستخدمين الأفراد والمؤسسات الكبرى لبناء بنية تحتية رقمية آمنة ومرنة. ستعمل هذه المقالة على تفكيك هذين المفهومين، وتحليل وظائفهما الأساسية، ومقارنة آليات عملهما، وتوضيح كيف يتكاملان معاً لتوفير حماية شاملة.
المفهوم الوظيفي لجدار الحماية: حارس البوابة الرقمية
يعمل جدار الحماية كحاجز أو مرشح بين شبكة داخلية موثوقة (مثل شبكة منزلك أو مكتبك) وشبكة خارجية غير موثوقة (مثل الإنترنت). يمكن تشبيهه بحارس أمن يقف عند بوابة مبنى محصن؛ وظيفته الأساسية هي فحص كل من يحاول الدخول أو الخروج، واتخاذ قرار بالسماح أو المنع بناءً على مجموعة من القواعد المحددة مسبقاً. وبالتالي، فإن جوهر عمل جدار الحماية يتمحور حول التحكم في حركة مرور البيانات (Network Traffic) بناءً على سياسات أمنية محددة. لا يهتم جدار الحماية بمحتوى البيانات بقدر اهتمامه بمصدرها ووجهتها والبروتوكولات والمنافذ المستخدمة في الاتصال.
تأتي أنظمة جدار الحماية في شكلين رئيسيين: أجهزة (Hardware) وبرامج (Software). جدار الحماية القائم على الأجهزة هو جهاز مادي مستقل يتم وضعه بين الشبكة الداخلية والإنترنت، وهو شائع في بيئات الشركات الكبيرة لأنه يوفر خط دفاع قوي للشبكة بأكملها. أما جدار الحماية القائم على البرامج، فهو تطبيق يتم تثبيته على أجهزة الكمبيوتر الفردية (Endpoints) ويعمل على حماية ذلك الجهاز تحديداً، وهو النوع المدمج في معظم أنظمة التشغيل الحديثة مثل Windows وmacOS.
يعتمد عمل جدار الحماية التقليدي على عدة تقنيات، أبرزها:
- ترشيح الحزم (Packet Filtering): يقوم جدار الحماية بفحص كل حزمة بيانات بشكل فردي ومقارنة معلوماتها (مثل عنوان IP المصدر والوجهة، ورقم المنفذ) مع قائمة القواعد. إذا تطابقت الحزمة مع قاعدة “سماح”، يتم تمريرها، وإذا تطابقت مع قاعدة “منع”، يتم حظرها. هذا هو أبسط أشكال عمل جدار الحماية.
- فحص الحالة (Stateful Inspection): يتجاوز هذا النوع مجرد فحص كل حزمة بمعزل عن غيرها. يقوم جدار الحماية ذو فحص الحالة بتتبع حالة الاتصالات النشطة. فهو يعرف ما إذا كانت حزمة البيانات جزءاً من اتصال قائم ومصرح به أم أنها حزمة عشوائية غير مرغوب فيها. هذا يجعله أكثر ذكاءً وأماناً من جدار الحماية التقليدي.
- بوابات مستوى التطبيق (Application-Level Gateway/Proxy): يعمل هذا النوع من جدار الحماية كوكيل (Proxy) بين المستخدمين الداخليين والإنترنت، حيث يقوم بفحص حركة المرور على مستوى التطبيقات (مثل HTTP أو FTP)، مما يوفر مستوى أعمق من التحكم والأمان.
لذلك، فإن الدور الأساسي الذي يلعبه جدار الحماية هو منع الوصول غير المصرح به إلى الشبكة، وصد محاولات الاختراق الخارجية، وحماية المنافذ المفتوحة من المسح والاستغلال، ودرء هجمات الحرمان من الخدمة (DoS). لكن من المهم إدراك أن جدار الحماية لن يتمكن من تمييز ما إذا كان ملف تم تنزيله عبر اتصال مسموح به يحتوي على برمجيات خبيثة أم لا؛ فهذه المهمة تقع خارج نطاق تخصصه، وهي حيث يبدأ دور برنامج مكافحة الفيروسات.
آلية عمل برنامج مكافحة الفيروسات: المحقق الجنائي الداخلي
على النقيض تماماً من جدار الحماية الذي يركز على الشبكة، فإن برنامج مكافحة الفيروسات هو أداة أمنية تركز على الملفات والعمليات والبرامج داخل نظام التشغيل نفسه. يمكن تشبيه برنامج مكافحة الفيروسات بفريق من المحققين والأطباء المتخصصين الموجودين بالفعل داخل المبنى؛ وظيفتهم هي فحص كل ملف وكل شخص بالداخل، والبحث عن أي علامات للمرض أو السلوك المشبوه، وعزل التهديدات وعلاجها فور اكتشافها. إن برنامج مكافحة الفيروسات لا يهتم كثيراً بكيفية وصول الملف إلى الجهاز، بل يهتم بما إذا كان هذا الملف خبيثاً أم لا.
الهدف الأساسي الذي يسعى إليه كل برنامج مكافحة الفيروسات هو اكتشاف البرامج الضارة (Malware) ومنعها وإزالتها. وتشمل البرامج الضارة مجموعة واسعة من التهديدات مثل الفيروسات (Viruses)، والديدان (Worms)، وأحصنة طروادة (Trojans)، وبرامج الفدية (Ransomware)، وبرامج التجسس (Spyware)، وبرامج الإعلانات المتسللة (Adware). ولتحقيق هذا الهدف، يستخدم برنامج مكافحة الفيروسات الحديث مجموعة من التقنيات المتطورة:
- الكشف القائم على التوقيع (Signature-Based Detection): هذه هي الطريقة التقليدية والأكثر شيوعاً. يحتفظ برنامج مكافحة الفيروسات بقاعدة بيانات ضخمة من “التوقيعات” أو “البصمات” الرقمية للبرامج الضارة المعروفة. عند فحص ملف ما، يقوم البرنامج بمقارنة أجزاء من كوده مع قاعدة البيانات هذه. إذا حدث تطابق، يتم تحديد الملف على أنه ضار. فعالية هذه الطريقة تعتمد بشكل كامل على تحديث قاعدة بيانات التوقيعات باستمرار.
- الكشف القائم على الاستدلال (Heuristic Analysis): نظراً لظهور آلاف البرامج الضارة الجديدة يومياً، فإن الاعتماد على التوقيعات وحدها غير كافٍ. هنا يأتي دور التحليل الاستدلالي، حيث يبحث برنامج مكافحة الفيروسات عن خصائص وسلوكيات مشبوهة في الكود البرمجي، حتى لو لم يكن له توقيع معروف. على سبيل المثال، قد يعتبر محاولة برنامج ما تعديل ملفات النظام أو تشفير الملفات بشكل جماعي سلوكاً مريباً يستدعي التحقيق.
- التحليل السلوكي (Behavioral Analysis): هذه تقنية أكثر تقدماً، حيث لا يقوم برنامج مكافحة الفيروسات بفحص الكود الثابت للملف، بل يراقبه أثناء تشغيله في بيئة آمنة ومعزولة (Sandbox). إذا قام البرنامج بتنفيذ إجراءات ضارة (مثل محاولة الاتصال بخادم معروف بنشاطه الإجرامي أو سرقة كلمات المرور)، يتم إيقافه فوراً وتصنيفه كتهديد.
- الحماية السحابية (Cloud-Based Protection): تعتمد حلول برنامج مكافحة الفيروسات الحديثة على السحابة لتحليل التهديدات الجديدة بشكل فوري ومشاركة المعلومات بين ملايين المستخدمين، مما يسرّع من وتيرة الاستجابة للبرمجيات الخبيثة الناشئة.
إذن، يمكن القول إن مهمة برنامج مكافحة الفيروسات هي التعامل مع التهديدات التي نجحت بالفعل في تجاوز خط الدفاع الأول (الذي يمثله جدار الحماية) ووصلت إلى الجهاز. فهو خط الدفاع الأخير الذي يقف بين البرمجيات الخبيثة وملفاتك الحساسة.
المقارنة المباشرة: جدار الحماية مقابل برنامج مكافحة الفيروسات
لفهم الفروق بشكل أعمق، يمكننا إجراء مقارنة مباشرة بين جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات عبر عدة محاور رئيسية:
1. نطاق العمل (Scope of Operation):
- جدار الحماية: يعمل على مستوى الشبكة (Network-Level). تركيزه منصب على حزم البيانات والاتصالات بين الشبكات. إنه خط الدفاع الخارجي.
- برنامج مكافحة الفيروسات: يعمل على مستوى المضيف أو النظام (Host-Level). تركيزه منصب على الملفات والبرامج والعمليات داخل جهاز الكمبيوتر. إنه خط الدفاع الداخلي.
2. نوع التهديدات المستهدفة (Targeted Threats):
- جدار الحماية: يستهدف الوصول غير المصرح به، مسح المنافذ (Port Scanning)، هجمات الحرمان من الخدمة (DoS/DDoS)، ومحاولات استغلال ثغرات الشبكة.
- برنامج مكافحة الفيروسات: يستهدف الفيروسات، الديدان، أحصنة طروادة، برامج الفدية، برامج التجسس، وغيرها من البرامج الضارة التي تتطلب التنفيذ على الجهاز.
3. آلية العمل (Mechanism of Action):
- جدار الحماية: يتخذ قراراته بناءً على مجموعة من القواعد والسياسات المتعلقة بعناوين IP والمنافذ والبروتوكولات. آلية عمله هي “الترشيح” (Filtering).
- برنامج مكافحة الفيروسات: يتخذ قراراته بناءً على مقارنة الملفات مع قاعدة بيانات التوقيعات، وتحليل سلوك البرامج، والبحث عن أنماط مشبوهة. آلية عمله هي “الفحص” (Scanning) و”الكشف” (Detection).
4. نقطة التدخل (Point of Intervention):
- جدار الحماية: يتدخل عند محاولة إنشاء اتصال بين جهازك والشبكة الخارجية. إنه يعمل قبل أن تصل البيانات الضارة المحتملة إلى جهازك.
- برنامج مكافحة الفيروسات: يتدخل عندما يكون الملف الضار موجوداً بالفعل على جهازك أو عند محاولة تنزيله أو تشغيله. يعمل بعد وصول التهديد المحتمل.
5. التشبيه المجازي (Metaphorical Analogy):
- جدار الحماية: هو “حارس البوابة” الذي يمنع الدخلاء من الاقتراب من المبنى.
- برنامج مكافحة الفيروسات: هو “الفريق الطبي” داخل المبنى الذي يعالج أي عدوى قد تنتشر بين السكان.
من هذه المقارنة، يتضح أن الاعتماد على جدار الحماية وحده يترك النظام عرضة للهجمات التي تأتي من خلال قنوات مسموح بها (مثل مرفقات البريد الإلكتروني أو التنزيلات من مواقع الويب الموثوقة ظاهرياً). وبالمثل، فإن الاعتماد على برنامج مكافحة الفيروسات وحده يعني أن شبكتك ومنافذها مفتوحة على مصراعيها أمام محاولات الاختراق الخارجية المباشرة. لا يمكن لأي منهما أن يحل محل الآخر؛ فكلاهما ضروري.
التكامل لا التنافس: كيف يعملان معاً لتحقيق أمن شامل؟
إن العلاقة بين جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات ليست علاقة تنافسية، بل هي علاقة تكاملية بامتياز، وهي أساس استراتيجية “الدفاع في العمق”. تعمل هاتان الأداتان معاً كطبقات دفاعية متتالية، مما يجعل اختراق النظام مهمة أكثر صعوبة على المهاجمين. لنستعرض سيناريو هجوم نموذجي لنرى كيف يتكامل دور جدار الحماية مع دور برنامج مكافحة الفيروسات:
السيناريو: هجوم عبر بريد إلكتروني تصيدي (Phishing Email)
- المرحلة الأولى – وصول البريد الإلكتروني: يتلقى المستخدم بريداً إلكترونياً يبدو شرعياً يحتوي على رابط أو مرفق ضار. في هذه المرحلة، قد لا يكون لكل من جدار الحماية أو برنامج مكافحة الفيروسات دور مباشر، إلا إذا كان البريد الإلكتروني قادماً من خادم معروف بنشاطه الضار، وفي هذه الحالة قد يقوم جدار الحماية على مستوى الشبكة أو مزود الخدمة بحظر الاتصال من هذا الخادم من الأساس.
- المرحلة الثانية – النقر على الرابط: ينقر المستخدم على الرابط. يحاول المتصفح الآن الاتصال بخادم ويب يستضيف صفحة تصيدية أو برمجية خبيثة. هنا، يتدخل جدار الحماية أولاً. إذا كان عنوان IP الخاص بالخادم الضار مدرجاً في القائمة السوداء لـ جدار الحماية، فسيتم حظر الاتصال فوراً، ولن يتم تحميل الصفحة، وبالتالي يتم إيقاف الهجوم عند هذه النقطة.
- المرحلة الثالثة – تجاوز جدار الحماية وتنزيل الملف: لنفترض أن الخادم الضار جديد وغير مدرج في القائمة السوداء، يسمح جدار الحماية بالاتصال لأنه يطابق قاعدة “السماح” لحركة مرور الويب (المنفذ 80/443). يقوم المستخدم بتنزيل ملف ضار (على سبيل المثال، “Invoice.exe”).
- المرحلة الرابعة – تدخل برنامج مكافحة الفيروسات: بمجرد وصول الملف إلى القرص الصلب، يبدأ دور برنامج مكافحة الفيروسات.
- الفحص عند الوصول (On-Access Scanning): سيقوم برنامج مكافحة الفيروسات بفحص الملف فوراً. إذا كان توقيعه الرقمي موجوداً في قاعدة البيانات، فسيتم عزله أو حذفه على الفور قبل أن يتمكن المستخدم من تشغيله.
- الفحص عند التنفيذ (On-Execution Scanning): إذا لم يتعرف برنامج مكافحة الفيروسات على الملف من خلال توقيعه (لأنه قد يكون تهديداً جديداً – Zero-Day)، فإنه سيراقبه عند محاولة تشغيله. باستخدام التحليل السلوكي، قد يكتشف برنامج مكافحة الفيروسات أن الملف يحاول القيام بأنشطة مشبوهة (مثل تشفير الملفات)، فيقوم بإيقاف العملية وعزل الملف.
- المرحلة الخامسة – الاتصال والتحكم (Command and Control): إذا فشل كل من جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات في اكتشاف التهديد، وتم تشغيل البرمجية الخبيثة، فإنها ستحاول غالباً الاتصال بخادم المهاجم (C&C Server) لتلقي الأوامر أو إرسال البيانات المسروقة. هنا، قد تتاح فرصة ثانية لـ جدار الحماية. يمكن لـ جدار الحماية من الجيل التالي (NGFW) الذي يراقب حركة المرور الصادرة، اكتشاف هذا الاتصال المشبوه وحظره، مما يمنع المهاجم من التحكم في الجهاز المصاب أو سرقة البيانات.
يوضح هذا السيناريو كيف أن وجود جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات يوفر فرصاً متعددة لإيقاف الهجوم في مراحل مختلفة. إن فشل طبقة دفاعية واحدة لا يعني بالضرورة نجاح الهجوم بالكامل، لأن الطبقة التالية تكون جاهزة للتدخل.
التطورات الحديثة وطمس الحدود
في السنوات الأخيرة، بدأت الحدود بين جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات تصبح أقل وضوحاً مع ظهور تقنيات أكثر تقدماً.
- جدار الحماية من الجيل التالي (Next-Generation Firewall – NGFW): هذه الأجهزة لا تكتفي بفحص عناوين IP والمنافذ، بل تقوم بفحص أعمق لمحتوى حزم البيانات (Deep Packet Inspection). يمكن لبعض أنظمة NGFW التعرف على التطبيقات، ومنع التهديدات المعروفة على مستوى الشبكة (Intrusion Prevention System – IPS)، وحتى فحص حركة المرور المشفرة (SSL Inspection). بعضها يدمج محركات مكافحة فيروسات خاصة بالشبكة تقوم بفحص الملفات أثناء عبورها جدار الحماية، مما يضيف قدرات تشبه قدرات برنامج مكافحة الفيروسات.
- برامج مكافحة الفيروسات من الجيل التالي (Next-Generation Antivirus – NGAV) وحلول كشف نقطة النهاية والاستجابة لها (Endpoint Detection and Response – EDR): هذه الحلول تتجاوز مجرد فحص الملفات. فهي تستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل سلوك النظام بشكل مستمر، والبحث عن مؤشرات الاختراق (Indicators of Compromise). حلول EDR توفر رؤية شاملة لما يحدث على الجهاز وتسمح للمحللين الأمنيين بالتحقيق في التهديدات والاستجابة لها عن بعد. بعض هذه الحلول المتقدمة تتضمن مكون جدار حماية برمجي خاص بها للتحكم في اتصالات الجهاز.
على الرغم من هذا التداخل المتزايد، يظل المبدأ الأساسي قائماً: جدار الحماية هو في المقام الأول أداة للتحكم في الوصول إلى الشبكة، بينما يظل برنامج مكافحة الفيروسات (أو بدائله الحديثة) هو الأداة الأساسية للتعامل مع البرامج الضارة على مستوى الجهاز. إن امتلاك جدار حماية متطور لا يلغي الحاجة إلى برنامج مكافحة الفيروسات القوي، والعكس صحيح.
الخاتمة: حجران أساسيان في صرح الأمن السيبراني
في الختام، يمكن القول بأن النقاش حول “أيهما أفضل: جدار الحماية أم برنامج مكافحة الفيروسات؟” هو نقاش خاطئ من الأساس. السؤال الصحيح هو “كيف يمكن تكوين كل من جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات للعمل معاً بأقصى فعالية؟”. إن جدار الحماية هو خط الدفاع الأول الذي يحمي محيط الشبكة، ويمنع التهديدات الخارجية من الوصول إلى أجهزتك. بينما يعمل برنامج مكافحة الفيروسات كخط دفاع أخير وحاسم، يتعامل مع التهديدات التي تمكنت من التسلل عبر الدفاعات الأولية.
يمثل جدار الحماية سياسة المنع والتحكم على مستوى الاتصال، في حين يمثل برنامج مكافحة الفيروسات سياسة الكشف والعلاج على مستوى الملفات والبرامج. أحدهما يحمي “الأبواب والنوافذ”، والآخر يحمي “ما بداخل المنزل”. إن الاستغناء عن أي منهما يخلق فجوة أمنية خطيرة يمكن للمهاجمين استغلالها بسهولة. لذلك، فإن أي استراتيجية أمن سيبراني ناضجة، سواء للأفراد أو للمؤسسات، يجب أن تتضمن تطبيقاً قوياً لكل من جدار الحماية المكوّن بشكل صحيح وبرنامج مكافحة الفيروسات المحدّث باستمرار، فهما معاً يشكلان أساساً لا غنى عنه في مواجهة المشهد المتغير والعدائي للتهديدات الرقمية. إن التفاعل بين جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات هو ما يبني دفاعاً مرناً وقوياً قادراً على الصمود.
الأسئلة الشائعة
1. ما هو الفرق الأساسي بين جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات؟
الفرق الجوهري يكمن في نطاق العمل والهدف. جدار الحماية يعمل على مستوى الشبكة (Network-Level) كمرشح لحركة مرور البيانات، حيث يسمح أو يمنع الاتصالات بناءً على قواعد محددة (مثل عناوين IP والمنافذ). أما برنامج مكافحة الفيروسات فيعمل على مستوى المضيف (Host-Level)، حيث يقوم بفحص الملفات والعمليات داخل نظام التشغيل لاكتشاف البرمجيات الخبيثة وإزالتها بناءً على التوقيعات الرقمية والتحليل السلوكي.
2. هل أحتاج حقاً إلى كل من جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات؟
نعم، بشكل قاطع. الاعتماد على أحدهما دون الآخر يخلق فجوة أمنية كبيرة. جدار الحماية يمنع الوصول غير المصرح به إلى شبكتك، بينما يحميك برنامج مكافحة الفيروسات من التهديدات التي قد تتسلل عبر القنوات المسموح بها (مثل مرفقات البريد الإلكتروني أو التنزيلات). إنهما يمثلان طبقتين أساسيتين في استراتيجية الدفاع في العمق (Defense in Depth).
3. أيهما أكثر أهمية، جدار الحماية أم برنامج مكافحة الفيروسات؟
هذا السؤال يطرح مقارنة خاطئة؛ فكلاهما له نفس القدر من الأهمية ولكن لأدوار مختلفة. لا يمكن لأحدهما أن يحل محل الآخر. جدار الحماية هو خط الدفاع الأول الذي يحمي “محيط” النظام، بينما برنامج مكافحة الفيروسات هو خط الدفاع الداخلي الذي يحمي “صميم” النظام. الأمن الشامل يتطلب وجود كليهما.
4. هل يمنع جدار الحماية الفيروسات؟
بشكل غير مباشر، نعم، ولكن ليس هذا دوره الأساسي. جدار الحماية لا يقوم بفحص محتوى الملفات للبحث عن فيروسات. لكنه قد يمنع الفيروس من الوصول إلى جهازك عن طريق حظر الاتصال من مصدر غير موثوق به أو منع البرمجية الخبيثة من الاتصال بخادم التحكم والسيطرة (C&C Server) الخاص بها. مهمة التعرف على الفيروس نفسه وإزالته تقع على عاتق برنامج مكافحة الفيروسات.
5. هل يكفي جدار الحماية المدمج في نظام التشغيل مثل Windows Defender Firewall؟
للمستخدم العادي، يوفر جدار الحماية المدمج حماية أساسية جيدة ضد التهديدات الواردة. ومع ذلك، تفتقر هذه الحلول المدمجة غالباً إلى الميزات المتقدمة الموجودة في حلول الطرف الثالث أو الأجهزة المخصصة، مثل التحكم الدقيق في حركة المرور الصادرة، وأنظمة منع التسلل (IPS)، والتقارير المفصلة، وهي ميزات حيوية في بيئات الشركات.
6. كيف يتخذ كل من جدار الحماية وبرنامج مكافحة الفيروسات قراراته الأمنية؟
يتخذ جدار الحماية قراراته بناءً على مجموعة من القواعد والسياسات المحددة مسبقاً (Rules-based logic)، حيث يقارن معلومات حزمة البيانات (IP, Port, Protocol) بهذه القواعد. في المقابل، يتخذ برنامج مكافحة الفيروسات قراراته باستخدام آليات متعددة: الكشف القائم على التوقيعات (Signature-based)، والتحليل الاستدلالي (Heuristics)، والتحليل السلوكي (Behavioral analysis) لمراقبة تصرفات البرامج المشبوهة.
7. كيف يتكامل عمل جدار الحماية مع برنامج مكافحة الفيروسات في سيناريو هجوم حقيقي؟
في هجوم نموذجي، قد يحاول المهاجم الوصول إلى منفذ مفتوح على شبكتك؛ هنا يقوم جدار الحماية بحظر المحاولة. إذا فشل ذلك وقام المستخدم بتنزيل ملف ضار عبر اتصال مسموح به (مثل تصفح الويب)، فإن جدار الحماية يسمح بمرور الملف. فور وصول الملف إلى الجهاز، يتدخل برنامج مكافحة الفيروسات لفحصه وعزله قبل أن يتمكن من إحداث ضرر.
8. ما هو جدار الحماية من الجيل التالي (NGFW) وهل يغني عن برنامج مكافحة الفيروسات؟
جدار الحماية من الجيل التالي (NGFW) هو تطور متقدم يدمج وظائف إضافية مثل فحص الحزم العميق (DPI) وأنظمة منع التسلل (IPS) والوعي بالتطبيقات. بعضها يحتوي على محركات لمكافحة الفيروسات على مستوى الشبكة. على الرغم من قدراته الفائقة، فإنه لا يغني عن برنامج مكافحة الفيروسات على نقاط النهاية، والذي يوفر فحصاً أعمق وتحليلاً سلوكياً على مستوى الجهاز لا يمكن لـ جدار الحماية توفيره.
9. على أي مستوى من مستويات الحماية يعمل كل منهما؟
يعمل جدار الحماية بشكل أساسي على الطبقتين الثالثة (الشبكة) والرابعة (النقل) من نموذج OSI، حيث يتعامل مع عناوين IP والمنافذ. أما جدار الحماية من الجيل التالي فيمكنه العمل حتى الطبقة السابعة (التطبيقات). بينما يعمل برنامج مكافحة الفيروسات بالكامل على مستوى الجهاز المضيف (Endpoint) ويتعامل مع الملفات والذاكرة والعمليات داخل نظام التشغيل.
10. ماذا يحدث إذا نجح تهديد في تجاوز جدار الحماية؟
إذا تمكن تهديد (مثل برمجية خبيثة تم تنزيلها) من تجاوز جدار الحماية، فهذا يعني أن خط الدفاع الأول قد تم اختراقه. هنا تبرز الأهمية الحاسمة لوجود برنامج مكافحة الفيروسات كخط دفاع ثانٍ. سيقوم برنامج مكافحة الفيروسات بفحص التهديد فور وصوله إلى القرص الصلب أو عند محاولة تشغيله، بهدف اكتشافه وتحييده قبل أن يتسبب في أي ضرر للنظام.