البراكين: كيف تتشكل وما تأثيرها على الأرض؟
هل تعلم أن البراكين تعيد تشكيل كوكبنا منذ ملايين السنين؟

تُمثل الظواهر البركانية واحدة من أكثر القوى الطبيعية إثارةً وتأثيراً في تشكيل سطح الأرض. إن فهم هذه الظاهرة الجيولوجية لا يقتصر على الجانب العلمي فحسب، بل يمتد ليشمل تأثيراتها العميقة على حياة البشر والبيئة المحيطة بنا.
ما هي البراكين وكيف تتكون؟
لقد شغلت البراكين تفكير الإنسان منذ فجر التاريخ؛ إذ كانت موضع رهبة وإجلال في الحضارات القديمة. البراكين هي فتحات أو شقوق في القشرة الأرضية تسمح بخروج الصهارة (Magma) والغازات والرماد من باطن الأرض إلى السطح. عندما تصل هذه الصهارة إلى السطح، تُسمى حينها لافا (Lava). يحدث هذا النشاط البركاني نتيجة لحركة الصفائح التكتونية التي تشكل القشرة الأرضية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تكوين البراكين يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبنية الداخلية للأرض. يتكون كوكبنا من طبقات متعددة: القشرة الخارجية، الوشاح، واللب. في الوشاح، ترتفع درجات الحرارة بشكل هائل مما يؤدي لانصهار الصخور وتكوين الصهارة. هذه الصهارة أقل كثافة من الصخور المحيطة؛ وبالتالي تندفع نحو الأعلى باحثة عن نقاط ضعف في القشرة الأرضية لتخرج منها.
أين تتواجد البراكين على سطح الأرض؟
تتركز معظم البراكين في مناطق محددة على سطح الكوكب، وهذا ليس عشوائياً أبداً. فما هي هذه المناطق؟ إنها أطراف الصفائح التكتونية، خاصة في ما يُعرف بـ “حلقة النار” (Ring of Fire) حول المحيط الهادئ. تضم هذه المنطقة حوالي 75% من البراكين النشطة في العالم، وتمتد من سواحل أمريكا الجنوبية مروراً بأمريكا الشمالية واليابان وصولاً إلى نيوزيلندا.
من ناحية أخرى، توجد البراكين أيضاً في قيعان المحيطات على طول حدود الصفائح المتباعدة، مثل سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي. كما أن هناك البراكين التي تتكون فوق ما يُسمى “النقاط الساخنة” (Hot Spots)، وهي مناطق ثابتة من الصهارة المرتفعة من عمق الوشاح. جزر هاواي مثال كلاسيكي على هذا النوع من النشاط البركاني؛ إذ تشكلت نتيجة تحرك الصفيحة التكتونية فوق نقطةساخنة ثابتة.
ما أنواع البراكين المختلفة؟
البراكين ليست كلها متشابهة في شكلها أو طريقة ثورانها. دعونا نستعرض الأنواع الأساسية:
- البراكين الدرعية (Shield Volcanoes): تتميز بقاعدة عريضة وانحدار لطيف، وتتكون من تدفقات لافا سائلة. بركان ماونا لوا في هاواي هو أكبر بركان درعي على وجه الأرض.
- البراكين المخروطية أو المركبة (Composite Volcanoes): تُعرف أيضاً بالبراكين الطبقية، وتتكون من طبقات متناوبة من اللافا والرماد البركاني. جبل فوجي في اليابان وجبل سانت هيلينز في الولايات المتحدة أمثلة بارزة.
- المخاريط البركانية الرمادية (Cinder Cones): هي الأصغر حجماً والأبسط بنية، تتشكل من تراكم الشظايا البركانية حول الفتحة.
- كالديرا (Calderas): فوهات عملاقة تتشكل عندما ينهار بركان على نفسه بعد ثوران كارثي ضخم.
وعليه فإن فهم هذه الأنواع يساعدنا في التنبؤ بسلوك كل بركان وخطورته المحتملة.
كيف يحدث الثوران البركاني؟
لقد كنت محظوظاً بمشاهدة نشاط بركاني في آيسلندا عام 2010، وكانت تجربة لا تُنسى غيرت نظرتي للطبيعة تماماً. الثوران البركاني يحدث عندما يتراكم ضغط هائل تحت القشرة الأرضية نتيجة تجمع الصهارة والغازات المنحلة فيها. عندما يصبح الضغط أكبر من قدرة الصخور المحيطة على الاحتواء، تنفجر الصهارة باتجاه السطح.
الجدير بالذكر أن عوامل عديدة تؤثر على طبيعة الثوران. لزوجة الصهارة تلعب دوراً محورياً؛ إذ أن الصهارة عالية اللزوجة (الغنية بالسيليكا) تحبس الغازات بداخلها مما يؤدي لانفجارات عنيفة. بالمقابل، الصهارة قليلة اللزوجة تسمح بتدفق سلس نسبياً لليافا. كمية الغازات المذابة، خاصة بخار الماء وثاني أكسيد الكربون، تُعَدُّ أيضاً عاملاً حاسماً في شدة الانفجار.
ما المخاطر الناجمة عن النشاط البركاني؟
تشكل البراكين مخاطر متعددة على البشر والبيئة، ويمكن تصنيفها كالتالي:
- تدفقات اللافا: رغم أنها بطيئة نسبياً، إلا أنها تدمر كل شيء في طريقها.
- السحب البركانية الحارقة (Pyroclastic Flows): مزيج قاتل من الغازات الحارة والرماد يتحرك بسرعات تصل إلى 700 كم/ساعة.
- الرماد البركاني: يمكن أن يغطي مساحات شاسعة، مدمراً المحاصيل ومسبباً مشاكل تنفسية وانهيار المباني.
- الانهيارات الأرضية والوحل البركاني (Lahars): تحدث عندما يختلط الرماد بالماء، مشكلاً سيولاً طينية مدمرة.
- الغازات السامة: مثل ثاني أكسيد الكبريت وكبريتيد الهيدروجين.
- موجات تسونامي: قد تنتج عن ثورانات بركانية تحت البحر أو انهيارات أرضية بركانية في المحيط.
إن ثوران بركان فيزوف عام 79 ميلادية الذي دمر مدينتي بومبي وهيركولانيوم يظل أحد أشهر الكوارث البركانية في التاريخ.
هل للبراكين فوائد على الرغم من مخاطرها؟
على النقيض من ذلك، رغم المخاطر الجسيمة، تقدم البراكين فوائد جمة للإنسانية. التربة البركانية تُعَدُّ من أخصب أنواع التربة على وجه الأرض؛ إذ تحتوي على معادن وعناصر غذائية غنية تجعل الزراعة مزدهرة في المناطق البركانية. هذا يفسر الكثافة السكانية العالية حول بعض البراكين النشطة في إندونيسيا والفلبين.
وكذلك توفر البراكين مصادر طاقة حرارية أرضية (Geothermal Energy) نظيفة ومتجددة. آيسلندا مثال رائع؛ إذ تعتمد على هذه الطاقة في تدفئة المنازل وتوليد الكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، تشكل البراكين مناطق سياحية جذابة ومختبرات طبيعية للبحث العلمي. المعادن والصخور النفيسة التي تتشكل في البيئات البركانية لها قيمة اقتصادية كبيرة أيضاً.
كيف يمكن رصد ومراقبة البراكين؟
فقد أصبحت تقنيات مراقبة البراكين متطورة للغاية في العقود الأخيرة. يستخدم العلماء شبكات من أجهزة قياس الزلازل (Seismometers) لرصد الهزات الأرضية التي تسبق عادة النشاط البركاني. انظر إلى كيفية عمل هذه الأجهزة: فهي تكتشف حركة الصهارة تحت السطح من خلال الموجات الزلزالية الناتجة.
من جهة أخرى، تُستخدم تقنيات التشوه الأرضي (Ground Deformation) باستخدام أجهزة GPS وأجهزة قياس الميل لرصد أي تضخم أو تغير في شكل البركان. برأيكم ماذا يعني هذا التضخم؟ الإجابة هي أنه يشير عادة لتراكم الصهارة تحت السطح. كما أن مراقبة الغازات البركانية المنبعثة من الفوهات توفر معلومات قيمة عن حالة البركان؛ إذ أن زيادة انبعاثات الغازات قد تنذر بثوران وشيك.
ما أشهر الثورانات البركانية في التاريخ؟
ثوران بركان تامبورا في إندونيسيا عام 1815 يُعَدُّ الأقوى في التاريخ الحديث؛ إذ أدى إلى مقتل عشرات الآلاف وتسبب في “عام بلا صيف” على مستوى العالم عام 1816 بسبب كميات الرماد الهائلة التي حجبت أشعة الشمس. هذا الحدث غيّر المناخ العالمي وأدى لمجاعات واسعة النطاق في أوروبا وأمريكا الشمالية.
بينما كان ثوران بركان كراكاتوا عام 1883، أيضاً في إندونيسيا، واحداً من أعنف الانفجارات المسجلة. انفجر البركان بقوة هائلة سُمع صوتها على بُعد 4800 كيلومتر، وأحدث موجات تسونامي قتلت أكثر من 36 ألف شخص. ومما يثير الدهشة، أن هذا الثوران أثر على الطقس العالمي لسنوات؛ إذ انخفضت درجات الحرارة العالمية بسبب الجزيئات البركانية في الغلاف الجوي.
كيف يتعامل الإنسان مع التهديد البركاني؟
إن التعايش مع المخاطر البركانية يتطلب تخطيطاً دقيقاً وإستراتيجيات إدارة فعالة. فهل يا ترى يمكن التنبؤ بالثورانات البركانية بدقة؟ الإجابة معقدة. بينما يمكن رصد علامات تحذيرية، إلا أن التوقيت الدقيق للثوران يبقى صعباً في كثير من الأحيان. لذا تركز الجهود على إنشاء أنظمة إنذار مبكر وخطط إخلاء واضحة.
في اليابان، على سبيل المثال، توجد أنظمة متطورة لمراقبة البراكين النشطة الـ 110 في البلاد. التدريبات المنتظمة بين أفراد المجتمع، وإنشاء ملاجئ، ووضع خرائط للمناطق الخطرة، كلها جزء من الاستعداد. إذاً كيف يمكن تقليل المخاطر؟ من خلال التثقيف المستمر، والبحث العلمي، والتعاون الدولي في تبادل المعلومات والخبرات.
ما علاقة البراكين بتغير المناخ؟
تلعب البراكين دوراً مثيراً للاهتمام في النظام المناخي للأرض. الثورانات الكبرى تُطلق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكبريت إلى طبقة الستراتوسفير؛ إذ يتحول هذا الغاز إلى جزيئات كبريتية عاكسة لأشعة الشمس. هذا وقد يؤدي لتبريد مؤقت في درجات الحرارة العالمية يستمر لعدة سنوات، كما حدث بعد ثوران بركان بيناتوبو في الفلبين عام 1991.
على النقيض من ذلك، تُطلق البراكين أيضاً ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز دفيئة. ومما يجدر ذكره أن كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من جميع البراكين سنوياً تبلغ حوالي 1% فقط من الانبعاثات البشرية. إذاً، تأثير البراكين على المناخ معقد ومتنوع، وفهمه يساعدنا في نمذجة التغيرات المناخية بشكل أفضل.
ماذا عن البراكين خارج كوكب الأرض؟
لقد اكتشف العلماء نشاطاً بركانياً على أجرام سماوية أخرى في نظامنا الشمسي، مما يثير تساؤلات رائعة عن طبيعة العمليات الجيولوجية في الكون. قمر المشتري “آيو” (Io) هو الجسم الأكثر نشاطاً بركانياً في النظام الشمسي؛ إذ تغطيه مئات البراكين النشطة بسبب القوى المدية الهائلة التي يمارسها المشتري عليه.
كما أن كوكب الزهرة يحتوي على آلاف البراكين، ويُعتقد أن بعضها قد يكون نشطاً حتى الآن. المريخ يحتضن أكبر بركان في النظام الشمسي، “أوليمبوس مونس” (Olympus Mons)، الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 22 كيلومتراً. هذه الاكتشافات توسع فهمنا للعمليات البركانية وتُظهر أنها ظاهرة كونية وليست فريدة لكوكبنا.
الخاتمة
البراكين تُمثل تجلياً مذهلاً لقوة الطبيعة وديناميكية كوكبنا الحي. فهي تذكرنا بأن الأرض تحت أقدامنا ليست ثابتة بل في حالة تغير مستمر. من خلال دراستها ومراقبتها، نتعلم كيف نتعايش مع هذه الظاهرة الطبيعية الخطيرة والمفيدة في آن واحد. إن احترام قوة البراكين وفهم آلياتها يساعدنا في حماية الأرواح والممتلكات مع الاستفادة من الفوائد التي تقدمها.
فما رأيكم في زيارة أحد المتاحف البركانية أو المناطق البركانية الآمنة لتعميق فهمكم لهذه الظاهرة الطبيعية الفريدة؟
عشرة أسئلة شائعة مع إجاباتها
1. ما الفرق بين الصهارة واللافا؟
الصهارة هي الصخور المنصهرة الموجودة تحت سطح الأرض في باطنها، بينما اللافا هي نفس المادة المنصهرة بعد خروجها إلى السطح. التسمية تتغير بناءً على الموقع؛ إذ تحتفظ الصهارة بالغازات المذابة تحت الضغط العالي، بينما تفقد اللافا معظم هذه الغازات عند الثوران.
2. كم عدد البراكين النشطة على وجه الأرض حالياً؟
يوجد حوالي 1500 بركان نشط على سطح الأرض، ويُعَدُّ البركان نشطاً إذا ثار خلال الـ 10,000 سنة الماضية. من هذه البراكين، يثور ما يقارب 50-70 بركاناً سنوياً، معظمها على طول حلقة النار حول المحيط الهادئ.
3. هل يمكن إيقاف ثوران بركاني؟
لا يمكن إيقاف ثوران بركاني بالتقنيات الحالية؛ إذ أن القوى الطبيعية المتحكمة فيه هائلة تفوق قدرة الإنسان. فقد حاول العلماء في الستينيات تبريد تدفقات اللافا بالماء في آيسلندا بنجاح محدود، لكن هذا لا يوقف الثوران نفسه بل يُبطئ انتشار اللافا فقط.
4. ما أطول فترة خمول لبركان قبل أن يثور مجدداً؟
بعض البراكين تبقى خامدة لآلاف السنين ثم تثور فجأة. بركان فيزوف ظل هادئاً لمئات السنين قبل ثورانه الكارثي عام 79 ميلادية. لذا يصنف العلماء البراكين إلى نشطة وخامدة ومنقرضة، لكن حتى المنقرضة ظاهرياً قد تفاجئنا.
5. لماذا يعيش الناس بالقرب من البراكين رغم خطورتها؟
التربة البركانية غنية بالمعادن والمواد المغذية مما يجعلها مثالية للزراعة، وهذا يجذب المجتمعات الزراعية منذ آلاف السنين. بالإضافة إلى ذلك، توفر البراكين موارد اقتصادية كالطاقة الحرارية الأرضية والسياحة والمعادن الثمينة، مما يفوق المخاطر في نظر السكان المحليين.
6. كيف تؤثر البراكين على الطيران؟
الرماد البركاني يشكل خطراً شديداً على الطائرات؛ إذ يمكن أن يتسبب في تعطل المحركات النفاثة عند دخوله وانصهاره داخلها. ثوران بركان إيافيالايوكل في آيسلندا عام 2010 أدى لإغلاق المجال الجوي الأوروبي لأيام، مما أثر على ملايين المسافرين وكلف الاقتصاد مليارات الدولارات.
7. ما البراكين الطينية وهل تختلف عن البراكين العادية؟
البراكين الطينية ظاهرة جيولوجية مختلفة تماماً عن البراكين الحقيقية؛ إذ تنبعث منها الأوحال والغازات بدلاً من الصهارة. تتشكل عادة في المناطق الرسوبية الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، وتوجد بكثرة في أذربيجان وإيران. ليست لها نفس خطورة البراكين الحقيقية رغم تشابه المظهر.
8. هل تحدث زلازل قبل كل ثوران بركاني؟
في معظم الحالات نعم؛ إذ أن صعود الصهارة نحو السطح يسبب تشققاً في الصخور وحركة تولد هزات زلزالية. هذه الهزات عادة صغيرة ومتكررة، وتُعَدُّ من أهم العلامات التحذيرية التي يراقبها العلماء. لكن ليست كل الهزات البركانية تؤدي لثوران، مما يجعل التنبؤ الدقيق صعباً.
9. ما الفرق بين البركان النشط والخامد والمنقرض؟
البركان النشط هو الذي ثار خلال الـ 10,000 سنة الماضية أو يُظهر نشاطاً جيولوجياً مستمراً. البركان الخامد لم يثر منذ آلاف السنين لكن يحتمل أن يثور مستقبلاً. بينما البركان المنقرض لم يثر منذ عشرات آلاف السنين ولا يُتوقع نشاطه مجدداً، لكن هذا التصنيف ليس مطلقاً دائماً.
10. كيف تستفيد الدول من الطاقة الحرارية الأرضية البركانية؟
تستخدم الدول البخار والمياه الساخنة من باطن الأرض في المناطق البركانية لتوليد الكهرباء وتدفئة المباني. آيسلندا تحصل على أكثر من 25% من كهربائها و90% من التدفئة من هذه الطاقة النظيفة. كينيا والفلبين ونيوزيلندا وإيطاليا أيضاً من الدول الرائدة في استغلال هذا المورد المتجدد.