الفلك

كوكب المريخ: رحلة استكشافية إلى الكوكب الأحمر وأسراره الجيولوجية

دراسة شاملة للخصائص الفيزيائية والجيولوجية والغلاف الجوي للكوكب الرابع

يمثل الكوكب الأحمر نقطة جذب علمية وإنسانية منذ قرون طويلة، حيث يحمل في طياته أسراراً جيولوجية ومناخية تثير فضول العلماء والباحثين. إن دراسة هذا العالم الصحراوي البعيد تفتح أمامنا نافذة لفهم تاريخ المجموعة الشمسية وإمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض.

المقدمة

يعد كوكب المريخ رابع الكواكب بعداً عن الشمس في المجموعة الشمسية، وقد حظي باهتمام استثنائي من قبل المجتمع العلمي والإنساني على مر العصور. يحمل هذا الكوكب اسمه نسبة إلى إله الحرب الروماني “مارس” (Mars)، وهو تسمية تعكس لونه الأحمر الذي يذكر القدماء بلون الدم. يقع كوكب المريخ على مسافة متوسطة تبلغ حوالي 228 مليون كيلومتر من الشمس، وهو ما يجعله أحد الكواكب الصخرية الخارجية في النظام الشمسي الداخلي.

تشير الدراسات الفلكية والجيولوجية إلى أن كوكب المريخ يمتلك تاريخاً جيولوجياً معقداً يمتد لمليارات السنين، حيث شهد تغيرات مناخية وجيولوجية جذرية أثرت على سطحه وغلافه الجوي. يتميز هذا الكوكب بخصائص فريدة تجعله محط أنظار العلماء الذين يسعون لفهم الظروف التي كانت سائدة في الماضي البعيد، وما إذا كانت هذه الظروف قد سمحت بنشوء أشكال حياة بدائية. إن البحث في أسرار السطح المريخي لا يقتصر على الجانب العلمي فحسب، بل يمتد ليشمل إمكانيات مستقبلية للاستكشاف البشري والاستيطان المحتمل.

الخصائص الفيزيائية لكوكب المريخ

يمتلك كوكب المريخ مجموعة من الخصائص الفيزيائية التي تميزه عن بقية كواكب المجموعة الشمسية، حيث يبلغ قطره حوالي 6,779 كيلومتراً، أي ما يعادل نصف قطر كوكب الأرض تقريباً. هذا الحجم الأصغر نسبياً يجعله ثاني أصغر الكواكب الصخرية بعد عطارد. تبلغ كتلة كوكب المريخ حوالي 6.39 × 10^23 كيلوغرام، وهي تعادل نحو 11% فقط من كتلة الأرض، مما يؤدي إلى قوة جاذبية سطحية تبلغ حوالي 38% من الجاذبية الأرضية.

تؤثر هذه الجاذبية المنخفضة على العديد من الخصائص الفيزيائية للكوكب، بما في ذلك قدرته على الاحتفاظ بغلاف جوي كثيف. يبلغ متوسط كثافة الكوكب حوالي 3.93 غرام لكل سنتيمتر مكعب، وهي كثافة أقل من كثافة الأرض التي تبلغ 5.52 غرام لكل سنتيمتر مكعب. يتكون الهيكل الداخلي لكوكب المريخ من نواة معدنية يعتقد أنها مكونة بشكل رئيسي من الحديد والنيكل، يحيط بها طبقة صخرية سميكة تعرف بالوشاح، وقشرة خارجية صخرية يتراوح سمكها بين 50 إلى 125 كيلومتراً.

يدور كوكب المريخ حول محوره مرة كل 24.6 ساعة تقريباً، وهي فترة قريبة جداً من اليوم الأرضي، مما يجعل اليوم المريخي، المعروف باسم “سول” (Sol)، أطول بحوالي 40 دقيقة فقط من اليوم الأرضي. أما بالنسبة لدورانه حول الشمس، فإن كوكب المريخ يستغرق حوالي 687 يوماً أرضياً لإكمال دورة واحدة، أي ما يعادل 1.88 سنة أرضية، وهذا يعني أن السنة المريخية أطول بكثير من السنة الأرضية. يميل محور دوران الكوكب بزاوية تبلغ حوالي 25 درجة، وهي قريبة من ميل محور الأرض البالغ 23.5 درجة، مما يؤدي إلى حدوث فصول موسمية مشابهة لتلك الموجودة على الأرض، لكن بفترات أطول بكثير.

اللون الأحمر المميز والتركيب السطحي

يكتسب كوكب المريخ لونه الأحمر المميز الذي جعله يعرف بـ”الكوكب الأحمر” من التركيب الكيميائي لسطحه، وتحديداً من وجود أكسيد الحديد الثلاثي (Fe₂O₃)، المعروف أيضاً بالصدأ أو الهيماتيت (Hematite). تغطي طبقة من الغبار الناعم الغني بأكاسيد الحديد معظم سطح الكوكب، مما يعطيه هذا المظهر الصدئ المحمر الذي يمكن رؤيته بوضوح من الأرض بالعين المجردة.

يتكون السطح المريخي بشكل رئيسي من صخور بازلتية بركانية، وهي صخور نارية تشكلت من تبريد الحمم البركانية. تحتوي هذه الصخور على نسب عالية من السيليكون والأكسجين، بالإضافة إلى عناصر أخرى مثل الحديد والمغنيسيوم والألمنيوم والكالسيوم والبوتاسيوم. أظهرت التحليلات التي أجرتها المركبات الفضائية والمركبات الجوالة (Rovers) أن التربة المريخية تحتوي أيضاً على معادن طينية ومعادن كبريتية، مما يشير إلى تفاعلات كيميائية حدثت في الماضي بوجود الماء.

تختلف طبيعة السطح بشكل كبير بين نصفي الكوكب الشمالي والجنوبي، في ظاهرة تعرف بـ”الانقسام المريخي” (Martian Dichotomy). يتميز نصف الكوكب الشمالي بسهول منخفضة نسبياً وسلسة، بينما يحتوي نصفه الجنوبي على مرتفعات وعرة مليئة بالفوهات الصدمية القديمة. يعتقد العلماء أن هذا الاختلاف الجذري قد يكون ناتجاً عن اصطدام ضخم حدث في المراحل المبكرة من تاريخ كوكب المريخ، أو عن نشاط جيولوجي داخلي غير متماثل. تعكس هذه الخصائص السطحية تاريخاً جيولوجياً معقداً يمتد لأكثر من 4 مليارات سنة، حيث تشكل السطح الحالي نتيجة لعمليات بركانية وتكتونية وتعرية وصدمات نيزكية متعددة.

الغلاف الجوي المريخي وخصائصه

يمتلك كوكب المريخ غلافاً جوياً رقيقاً للغاية مقارنة بالغلاف الجوي الأرضي، حيث يبلغ الضغط الجوي على سطحه حوالي 1% فقط من الضغط الجوي على سطح الأرض عند مستوى سطح البحر. يتكون الغلاف الجوي المريخي بشكل رئيسي من ثاني أكسيد الكربون (CO₂) بنسبة تصل إلى 95.3%، يليه النيتروجين بنسبة 2.7%، والأرجون بنسبة 1.6%، بالإضافة إلى كميات ضئيلة من الأكسجين وبخار الماء وغازات أخرى.

تؤدي الطبيعة الرقيقة للغلاف الجوي إلى عدة نتائج مهمة على المناخ والظروف السطحية لكوكب المريخ. أولاً، لا يوفر الغلاف الجوي حماية كافية من الإشعاع الكوني والإشعاع الشمسي الضار، مما يجعل السطح معرضاً لمستويات عالية من الإشعاع. ثانياً، تتسع نطاقات درجات الحرارة بشكل كبير نظراً لعدم قدرة الغلاف الجوي الرقيق على الاحتفاظ بالحرارة. يتراوح متوسط درجة حرارة السطح حول -63 درجة مئوية، لكنها قد تصل إلى 20 درجة مئوية خلال النهار عند خط الاستواء في الصيف، بينما تنخفض إلى -125 درجة مئوية في الليل أو عند القطبين في الشتاء.

يشهد الغلاف الجوي المريخي ظواهر جوية مثيرة للاهتمام رغم رقته، حيث تحدث عواصف ترابية موسمية يمكن أن تغطي مناطق محلية أو حتى الكوكب بأكمله. تعد العواصف الترابية الكوكبية الشاملة (Global Dust Storms) من أكثر الظواهر الجوية إثارة على كوكب المريخ، حيث يمكن أن تستمر لأسابيع أو حتى أشهر، وتؤثر بشكل كبير على الظروف المناخية ورؤية السطح. بالإضافة إلى ذلك، لوحظت سحب رقيقة مكونة من بلورات الماء الجليدية أو ثاني أكسيد الكربون المتجمد، وكذلك ظواهر جوية أخرى مثل الزوابع الغبارية (Dust Devils) التي تشبه الأعاصير الصغيرة.

يعتقد العلماء أن كوكب المريخ كان يمتلك في الماضي البعيد غلافاً جوياً أكثر كثافة ودفئاً، مما سمح بوجود الماء السائل على السطح. لكن بفعل عوامل متعددة، أبرزها ضعف المجال المغناطيسي الكوكبي وصغر حجم الكوكب نسبياً، فقد الكوكب معظم غلافه الجوي على مدى مليارات السنين. أدى غياب المجال المغناطيسي القوي إلى تعرض الغلاف الجوي للرياح الشمسية التي عملت على تجريد الكوكب من جزيئات غلافه الجوي تدريجياً، مما أدى إلى الوضع الحالي الذي نشهده اليوم.

التضاريس والمعالم الجيولوجية الكبرى

يتميز سطح كوكب المريخ بتنوع تضاريسي استثنائي يشمل أعمق الأودية وأعلى الجبال في المجموعة الشمسية. تعكس هذه المعالم الجيولوجية الضخمة تاريخاً طويلاً من النشاط الجيولوجي الذي شكل وجه الكوكب على مدى مليارات السنين. من أبرز هذه المعالم نجد أخدود “فاليس مارينيريس” (Valles Marineris)، وهو نظام أخاديد عملاق يمتد لمسافة تزيد عن 4,000 كيلومتر على طول خط استواء الكوكب، بعمق يصل إلى 7 كيلومترات في بعض المناطق.

يعتبر فاليس مارينيريس أطول وأعمق أخدود في المجموعة الشمسية، وهو أكبر بعشر مرات من “الأخدود الأعظم” (Grand Canyon) في الولايات المتحدة الأمريكية. يعتقد العلماء أن تشكل هذا الأخدود الضخم كان نتيجة لعمليات تكتونية مرتبطة بانتفاخ منطقة ثارسيس البركانية القريبة، بالإضافة إلى عمليات التعرية والانهيارات الأرضية على مدى العصور. يحتوي الأخدود على طبقات صخرية متعددة تكشف عن سجل جيولوجي غني يمتد لمليارات السنين، مما يجعله موقعاً مثالياً للدراسات الجيولوجية وفهم تاريخ كوكب المريخ.

إلى جانب فاليس مارينيريس، يوجد على سطح الكوكب العديد من الفوهات الصدمية التي تشكلت نتيجة اصطدامات نيزكية على مدى تاريخه الطويل. تتراوح هذه الفوهات في الحجم من فوهات صغيرة بضعة أمتار إلى فوهات ضخمة يبلغ قطرها مئات الكيلومترات. تعد فوهة “هيلاس بلانيتيا” (Hellas Planitia) واحدة من أكبر الفوهات الصدمية في المجموعة الشمسية، حيث يبلغ قطرها حوالي 2,300 كيلومتر وعمقها أكثر من 7 كيلومترات. توفر دراسة هذه الفوهات معلومات قيمة عن معدل القصف النيزكي في تاريخ المجموعة الشمسية المبكر وعن طبقات القشرة المريخية المختلفة.

الأودية والقنوات المائية القديمة

تشكل الأودية والقنوات القديمة على سطح كوكب المريخ أحد أكثر الأدلة إثارة على وجود الماء السائل في الماضي البعيد. تظهر الصور عالية الدقة التي التقطتها المركبات الفضائية شبكات معقدة من الأودية المتفرعة التي تشبه إلى حد كبير أنظمة الأنهار الأرضية، مما يشير إلى أن المياه الجارية قد نحتت هذه المعالم في الماضي. تتركز معظم هذه الأودية في المرتفعات الجنوبية القديمة للكوكب، وهي مناطق تعود إلى أكثر من 3.5 مليار سنة.

تنقسم القنوات المائية المريخية إلى عدة أنواع رئيسية، كل منها يشير إلى عملية تشكل مختلفة. الأودية المتفرعة (Valley Networks) تشبه أنهار الأرض وتشير إلى تدفقات مائية مستمرة على مدى فترات طويلة، ربما نتيجة لهطول الأمطار أو ذوبان الجليد. أما القنوات الفيضانية الكبرى (Outflow Channels) فهي أكبر حجماً وتشير إلى تدفقات كارثية هائلة من المياه حدثت بشكل مفاجئ، ربما نتيجة لانفجار خزانات مياه جوفية ضخمة. تمتد بعض هذه القنوات لمئات الكيلومترات وتحمل سمات جيومورفولوجية مميزة مثل الجزر الانسيابية والقنوات المتشابكة.

يعتقد الباحثون أن وجود هذه الأودية والقنوات يدل على أن كوكب المريخ شهد فترة أو فترات في تاريخه المبكر كانت فيها الظروف المناخية أكثر دفئاً ورطوبة مما هي عليه اليوم. في تلك الحقبة القديمة، المعروفة بالعصر النويسي (Noachian Period)، كان الغلاف الجوي أكثر كثافة والضغط الجوي أعلى، مما سمح بوجود الماء السائل على السطح. هذه الظروف القديمة تثير تساؤلات مهمة حول إمكانية وجود بيئات صالحة للحياة في الماضي المريخي، وهو ما يجعل البحث عن آثار حياة ميكروبية قديمة أحد الأهداف الرئيسة للبعثات الاستكشافية الحالية.

بالإضافة إلى الأودية والقنوات الكبيرة، اكتشفت الأقمار الصناعية المريخية معالم أصغر تعرف بـ”الخطوط المنحدرة المتكررة” (Recurring Slope Lineae – RSL)، وهي خطوط داكنة تظهر وتختفي موسمياً على المنحدرات الشديدة. يعتقد بعض العلماء أن هذه الخطوط قد تكون ناتجة عن تدفق محلول ملحي (ماء مالح) خلال الأشهر الدافئة، مما يشير إلى احتمال وجود نشاط مائي محدود حتى في الوقت الحاضر.

البراكين والجبال العملاقة على كوكب المريخ

يحتوي سطح كوكب المريخ على بعض من أضخم التراكيب البركانية في المجموعة الشمسية، وأشهرها جبل “أوليمبوس مونس” (Olympus Mons)، وهو أعلى جبل بركاني معروف في النظام الشمسي. يبلغ ارتفاع هذا البركان الدرعي العملاق حوالي 21.9 كيلومتر فوق المستوى المرجعي للكوكب، أي أكثر من ضعفي ارتفاع جبل إيفرست على الأرض، ويبلغ قطر قاعدته حوالي 600 كيلومتر، مما يجعله يغطي مساحة تقارب مساحة فرنسا بأكملها.

تقع معظم البراكين المريخية الكبرى في منطقة تعرف بـ”ثارسيس” (Tharsis)، وهي هضبة بركانية ضخمة تقع بالقرب من خط الاستواء في النصف الغربي من كوكب المريخ. بالإضافة إلى أوليمبوس مونس، تضم هذه المنطقة ثلاثة براكين ضخمة أخرى تعرف مجتمعة بـ”براكين ثارسيس” (Tharsis Montes)، وهي: أسكريوس مونس (Ascraeus Mons)، وبافونيس مونس (Pavonis Mons)، وأرسيا مونس (Arsia Mons). تشكلت منطقة ثارسيس على مدى مليارات السنين نتيجة لنشاط بركاني مكثف، وتمثل انتفاخاً ضخماً في قشرة الكوكب يبلغ ارتفاعه عدة كيلومترات.

يعود السبب في الحجم الهائل للبراكين المريخية إلى عدة عوامل، أهمها ضعف قوة الجاذبية مقارنة بالأرض، مما يسمح للتراكيب البركانية بالنمو إلى ارتفاعات أكبر قبل أن تنهار تحت وزنها. كذلك، لا يمتلك كوكب المريخ صفائح تكتونية متحركة كما هو الحال على الأرض، مما يعني أن البقع الساخنة البركانية تظل ثابتة لفترات زمنية طويلة جداً، مما يسمح ببناء تراكيب بركانية ضخمة فوق نفس النقطة على مدى ملايين أو حتى مليارات السنين.

على الرغم من أن معظم البراكين المريخية تعتبر خامدة حالياً، إلا أن الدراسات الجيولوجية تشير إلى أن بعضها قد يكون نشطاً في الماضي الجيولوجي القريب نسبياً، ربما منذ بضعة ملايين من السنين فقط. وجدت بعض الأبحاث الحديثة أدلة على نشاط بركاني محتمل في العصور الجيولوجية الحديثة، بل وحتى احتمالات ضئيلة لنشاط بركاني محدود في الوقت الحاضر. هذا النشاط البركاني المحتمل له آثار مهمة على فهمنا للديناميكية الداخلية للكوكب وإمكانية وجود مصادر حرارية جوفية قد تدعم بيئات صالحة للحياة الميكروبية.

الأقمار المريخية: فوبوس وديموس

يمتلك كوكب المريخ قمرين صغيرين يدوران حوله، وهما فوبوس (Phobos) وديموس (Deimos)، وقد سميا على اسم أبناء إله الحرب مارس في الأساطير اليونانية، حيث يعني فوبوس “الخوف” وديموس “الرعب”. اكتشف عالم الفلك الأمريكي أساف هول (Asaph Hall) هذين القمرين عام 1877، وهما يمثلان أجساماً سماوية صغيرة جداً مقارنة بقمر الأرض.

فوبوس هو القمر الأكبر والأقرب إلى الكوكب، حيث يبلغ قطره حوالي 22.4 كيلومتر، ويدور على مسافة تبعد فقط حوالي 6,000 كيلومتر عن سطح كوكب المريخ، مما يجعله أقرب قمر إلى كوكبه في المجموعة الشمسية. يكمل فوبوس دورة كاملة حول الكوكب في مدة 7 ساعات و39 دقيقة فقط، أي أنه يدور حول الكوكب ثلاث مرات في اليوم المريخي الواحد. نتيجة لقربه الشديد من الكوكب، فإن فوبوس يتعرض لقوى مد وجزر قوية تؤدي إلى اقترابه التدريجي من السطح بمعدل حوالي 1.8 متر كل قرن، ويتوقع العلماء أنه سيصطدم بالكوكب أو سيتفتت ليشكل حلقة حوله خلال الـ 50 مليون سنة القادمة.

أما ديموس فهو القمر الأصغر والأبعد، حيث يبلغ قطره حوالي 12.4 كيلومتر، ويدور على مسافة تبعد حوالي 23,460 كيلومتر عن سطح الكوكب. يكمل ديموس دورة واحدة حول كوكب المريخ في مدة 30.3 ساعة تقريباً، أي أطول بقليل من اليوم المريخي. كلا القمرين لهما شكل غير منتظم، ويشبهان الكويكبات أكثر من القمر الكروي، مما يدعم النظرية القائلة بأنهما كانا في الأصل كويكبات تم أسرها بواسطة جاذبية الكوكب في الماضي البعيد.

المناخ والفصول الموسمية

يشهد كوكب المريخ تغيرات موسمية واضحة نتيجة لميل محور دورانه البالغ 25 درجة، وهو قريب جداً من ميل محور الأرض. تؤدي هذه الزاوية المائلة إلى اختلاف كمية أشعة الشمس التي تصل إلى المناطق المختلفة من الكوكب على مدار السنة المريخية، مما يخلق فصولاً موسمية متميزة في كلا النصفين الشمالي والجنوبي. ومع ذلك، فإن السنة المريخية الأطول (687 يوماً أرضياً) تعني أن كل فصل يستمر لفترة أطول بكثير من الفصول الأرضية.

تؤثر الفصول الموسمية بشكل واضح على القمم الجليدية القطبية لكوكب المريخ، حيث تتكون هذه القمم من خليط من جليد الماء وثاني أكسيد الكربون المتجمد (الجليد الجاف). خلال فصل الشتاء في كل نصف كرة، تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير، مما يؤدي إلى تجمد كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون الجوي وترسبها على القطب، مما يزيد من حجم القمة الجليدية. وعندما يحل فصل الصيف، تتسامى (تتحول مباشرة من الحالة الصلبة إلى الغازية) طبقة الجليد الجاف، مما يؤدي إلى انكماش القمة الجليدية بشكل كبير.

تتسبب هذه العملية الموسمية في تغيرات ملحوظة في الضغط الجوي على كوكب المريخ، حيث يمكن أن يتفاوت الضغط الجوي بنسبة تصل إلى 25% بين الفصول المختلفة نتيجة لتجمد وتسامي كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. كذلك، يرتبط النشاط الموسمي بحدوث العواصف الترابية، حيث تميل العواصف الكبرى إلى الحدوث خلال الربيع والصيف في النصف الجنوبي من كوكب المريخ، عندما يكون الكوكب في أقرب نقطة له من الشمس ويتلقى أكبر كمية من الطاقة الشمسية.

يتميز مناخ الكوكب بالجفاف الشديد، حيث أن الغلاف الجوي الرقيق والضغط المنخفض لا يسمحان بوجود الماء السائل على السطح في معظم الظروف. ومع ذلك، تشير بعض النماذج المناخية إلى أن ظروفاً مؤقتة قد تسمح بذوبان الجليد محلياً في بعض المواقع وخلال بعض الفترات، خاصة في المناطق الاستوائية خلال الصيف. درجات الحرارة على كوكب المريخ تتفاوت بشكل كبير، ليس فقط بين الفصول والمواقع المختلفة، ولكن أيضاً بين النهار والليل، حيث يمكن أن تتغير درجة الحرارة بأكثر من 100 درجة مئوية في موقع واحد خلال يوم مريخي واحد.

البحث عن الماء والجليد على كوكب المريخ

يعد البحث عن الماء على كوكب المريخ أحد أهم أولويات البعثات الاستكشافية، نظراً لأهمية الماء كعنصر أساسي للحياة كما نعرفها. على الرغم من أن الماء السائل لا يمكن أن يستقر على سطح الكوكب في الوقت الحاضر بسبب الضغط الجوي المنخفض ودرجات الحرارة الباردة، إلا أن الأدلة على وجود الماء بأشكال أخرى وفيرة ومقنعة. اكتشفت البعثات الاستكشافية كميات كبيرة من جليد الماء في باطن الأرض، خاصة في المناطق القطبية والمناطق المتوسطة من الكوكب.

في عام 2008، أكدت المركبة الفضائية “فينيكس” (Phoenix) وجود جليد مائي تحت سطح التربة مباشرة في المنطقة القطبية الشمالية، حيث حفرت المركبة في التربة وكشفت عن جليد أبيض نقي تبخر بعد تعرضه للشمس. هذا الاكتشاف أكد التوقعات السابقة المبنية على قياسات الأقمار الصناعية التي أظهرت وجود كميات هائلة من الجليد المائي تحت السطح في المناطق القطبية. تشير بعض التقديرات إلى أن القمة الجليدية القطبية الشمالية لكوكب المريخ تحتوي على كمية من جليد الماء كافية لتغطية الكوكب بأكمله بطبقة من الماء بعمق عدة أمتار لو ذابت.

استخدمت الأقمار الصناعية مثل “مارس ريكونيسانس أوربيتر” (Mars Reconnaissance Orbiter) رادارات مخترقة للأرض للكشف عن رواسب جليدية ضخمة مدفونة تحت السطح في المناطق المتوسطة من الكوكب. بعض هذه الرواسب الجليدية توجد على أعماق ضحلة نسبياً، مما يجعلها موارد محتملة قيمة للبعثات البشرية المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، اكتشفت البعثات المختلفة معادن رطبة (Hydrated Minerals) مثل الطين والكبريتات التي تتشكل فقط بوجود الماء، مما يقدم دليلاً إضافياً على وجود بيئة رطبة في الماضي المريخي.

في السنوات الأخيرة، أثار اكتشاف محتمل لبحيرة مياه سائلة تحت القمة الجليدية القطبية الجنوبية لكوكب المريخ اهتماماً كبيراً في المجتمع العلمي. استخدمت المركبة الفضائية الأوروبية “مارس إكسبريس” (Mars Express) رادار اختراق الأرض، وأظهرت البيانات إشارات راديوية قوية تتسق مع وجود ماء سائل على عمق حوالي 1.5 كيلومتر تحت الجليد. إذا تأكد هذا الاكتشاف، فإنه سيكون له آثار مهمة على فهمنا لإمكانية وجود بيئات صالحة للحياة الميكروبية في الوقت الحاضر على كوكب المريخ.

البعثات الاستكشافية إلى كوكب المريخ

البعثات المبكرة والإنجازات التاريخية

شهد استكشاف كوكب المريخ تطوراً ملحوظاً منذ بداية عصر الفضاء، حيث أُرسلت العشرات من البعثات الفضائية لدراسة هذا العالم الغامض. بدأت المحاولات الأولى في ستينيات القرن الماضي، لكن العديد منها واجه فشلاً تقنياً. حققت بعثة “مارينر 4” (Mariner 4) التابعة لوكالة ناسا الأمريكية أول نجاح كبير في عام 1965، عندما قامت بأول تحليق ناجح بالقرب من الكوكب والتقطت أول صور مقربة لسطحه، والتي كشفت عن سطح مليء بالفوهات يشبه سطح القمر.

في عام 1976، حققت بعثة “فايكنج” (Viking) إنجازاً تاريخياً بهبوط أول مركبتين فضائيتين بنجاح على سطح كوكب المريخ. أرسلت مركبتا فايكنج 1 و2 صوراً تفصيلية للسطح وأجرت تجارب بيولوجية وكيميائية للبحث عن علامات حياة، وعلى الرغم من أن النتائج كانت غير حاسمة، إلا أن البعثة قدمت كماً هائلاً من البيانات حول الجيولوجيا والمناخ والغلاف الجوي المريخي.

البعثات الحديثة والمركبات الجوالة

في العقود الأخيرة، شهد استكشاف كوكب المريخ نهضة حقيقية مع إرسال مركبات جوالة متطورة قادرة على التحرك على السطح وإجراء تحليلات علمية معقدة. هبطت المركبة الجوالة “سبيريت” (Spirit) والمركبة “أوبورتيونيتي” (Opportunity) على الكوكب في عام 2004 ضمن برنامج مارس روفر التابع لوكالة ناسا. صُممت هاتان المركبتان للعمل لمدة 90 يوماً فقط، لكنهما تجاوزتا التوقعات بكثير، حيث عملت أوبورتيونيتي لمدة 15 سنة تقريباً قبل أن تتوقف عن الاتصال في عام 2018.

المركبة الجوالة “كيوريوسيتي” (Curiosity) التي هبطت على كوكب المريخ في عام 2012 تمثل قفزة نوعية في قدرات الاستكشاف، حيث تزن حوالي 900 كيلوغرام وتحمل مختبراً علمياً متكاملاً. استكشفت كيوريوسيتي فوهة “غيل” (Gale Crater) واكتشفت أدلة قوية على أن المنطقة كانت تحتوي على بحيرة في الماضي القديم، مع ظروف كيميائية كان يمكن أن تدعم الحياة الميكروبية. أحدث مركبة جوالة هي “بيرسيفيرانس” (Perseverance) التي هبطت على الكوكب في فبراير 2021 ضمن بعثة “مارس 2020″، وهي مصممة للبحث عن علامات حياة ميكروبية قديمة وجمع عينات من الصخور والتربة للإرجاع المحتمل إلى الأرض في بعثات مستقبلية.

البعثات الدولية والمستقبل الاستكشافي

لم يعد استكشاف كوكب المريخ محصوراً بوكالة ناسا الأمريكية، بل أصبح مشروعاً دولياً يشارك فيه العديد من الوكالات الفضائية حول العالم. أرسلت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) بعثة “مارس إكسبريس” الناجحة، بينما نجحت الهند في إرسال مركبة “مانغاليان” (Mangalyaan) في عام 2014، لتصبح أول دولة آسيوية تصل إلى المريخ. وفي عام 2021، حققت الصين إنجازاً كبيراً بإنزال المركبة الجوالة “تشورونغ” (Zhurong) بنجاح على سطح الكوكب ضمن بعثة “تيانوين-1” (Tianwen-1).

تخطط العديد من الوكالات الفضائية لبعثات مستقبلية طموحة، بما في ذلك بعثات لإرجاع عينات من كوكب المريخ إلى الأرض، وهو مشروع معقد يتطلب تنسيقاً بين عدة بعثات. هذه العينات ستمكن العلماء من إجراء تحليلات تفصيلية في المختبرات الأرضية بدقة وقدرات تفوق بكثير ما يمكن تحقيقه بالأجهزة المحمولة على المركبات الفضائية. على المدى الأبعد، تخطط وكالات فضائية ومنظمات خاصة لبعثات بشرية مأهولة إلى الكوكب، وهو هدف طموح يواجه تحديات تقنية ولوجستية وصحية هائلة.

احتمالية وجود حياة على كوكب المريخ

يمثل البحث عن حياة على كوكب المريخ أحد أكثر الأسئلة العلمية إثارة وأهمية في عصرنا الحالي. على الرغم من أن الظروف السطحية الحالية للكوكب قاسية للغاية ولا تبدو مواتية للحياة كما نعرفها، إلا أن الأدلة المتزايدة على وجود بيئة أكثر دفئاً ورطوبة في الماضي تفتح إمكانيات مثيرة لوجود حياة ميكروبية قديمة، أو حتى إمكانية بقاء أشكال حياة ميكروبية في بيئات محمية تحت السطح.

تعتمد الحياة كما نعرفها على ثلاثة عناصر رئيسة: الماء السائل، ومصدر للطاقة، والمركبات العضوية الضرورية. أظهرت الدراسات أن كوكب المريخ كان يمتلك على الأقل العنصر الأول في الماضي، حيث تشير الأودية والقنوات والمعادن الرطبة إلى وجود ماء سائل وافر منذ مليارات السنين. اكتشفت المركبات الجوالة أيضاً مركبات عضوية في صخور مريخية مختلفة، على الرغم من أن وجود المركبات العضوية لا يعني بالضرورة وجود حياة، حيث يمكن أن تتشكل هذه المركبات عبر عمليات جيولوجية غير بيولوجية.

في السنوات الأخيرة، أثار اكتشاف تقلبات موسمية في مستويات غاز الميثان في الغلاف الجوي المريخي اهتماماً كبيراً، حيث اكتشفت المركبة الجوالة كيوريوسيتي أن تركيزات الميثان ترتفع خلال أشهر الصيف وتنخفض في الشتاء. على الأرض، يُنتج معظم الميثان الجوي بواسطة كائنات حية، لكنه يمكن أن ينتج أيضاً عبر عمليات جيولوجية مثل التفاعلات بين الصخور والماء. لا يزال مصدر الميثان المريخي وسبب تقلباته الموسمية موضوع نقاش علمي مستمر، ويتطلب مزيداً من البحث لتحديد ما إذا كان بيولوجياً أم جيولوجياً.

بالإضافة إلى البحث عن حياة قديمة، يستكشف العلماء إمكانية وجود “بيئات صالحة للسكن” (Habitable Environments) في الوقت الحاضر على كوكب المريخ، خاصة في البيئات تحت السطحية. يمكن أن توفر المياه الجوفية المحتملة، أو الرواسب الجليدية، أو حتى البحيرات المالحة العميقة تحت القمم الجليدية القطبية ملاذات محمية من الإشعاع القاسي ودرجات الحرارة المتجمدة على السطح. في هذه البيئات المحمية، يمكن نظرياً لأشكال حياة ميكروبية متطرفة (Extremophiles) أن تبقى على قيد الحياة، بشكل مشابه لبعض الكائنات الميكروبية الأرضية التي تعيش في بيئات قاسية مثل الينابيع الحارة أو الصحاري الجليدية أو أعماق الصخور.

مستقبل استكشاف واستيطان كوكب المريخ

يمثل الاستكشاف البشري المأهول لكوكب المريخ أحد أكبر الطموحات العلمية والهندسية للقرن الحادي والعشرين. تعمل وكالات فضائية متعددة، بقيادة وكالة ناسا الأمريكية، على تطوير التقنيات اللازمة لإرسال بعثات بشرية إلى الكوكب خلال العقود القادمة. يواجه هذا الهدف الطموح تحديات هائلة، تشمل مدة الرحلة الطويلة (حوالي 6-9 أشهر في الاتجاه الواحد)، والتعرض للإشعاع الكوني، وتوفير الإمدادات الغذائية والأكسجين والماء، والعودة الآمنة إلى الأرض.

التحديات التقنية واللوجستية

من أبرز التحديات التقنية التي تواجه البعثات البشرية إلى كوكب المريخ هو تطوير أنظمة دفع قوية وفعالة قادرة على نقل حمولات ثقيلة عبر مسافات شاسعة. تتطلب البعثة البشرية الواحدة إرسال عدة أطنان من المعدات والإمدادات، بالإضافة إلى أنظمة الدعم الحيوي والمأوى والمركبات. كذلك، يجب تطوير تقنيات هبوط متقدمة قادرة على إنزال حمولات ثقيلة بأمان على سطح الكوكب، وهو أمر أكثر تعقيداً من هبوط المركبات الآلية الحالية.

يشكل التعرض للإشعاع خلال الرحلة الطويلة وعلى سطح الكوكب تحدياً صحياً كبيراً، حيث يفتقر كوكب المريخ إلى مجال مغناطيسي قوي وغلاف جوي كثيف لحماية السطح من الإشعاع الكوني والشمسي. يستكشف العلماء حلولاً مختلفة، بما في ذلك بناء مساكن تحت السطح أو استخدام التربة المريخية كدرع واقٍ، أو تطوير مواد متقدمة قادرة على امتصاص أو انعكاس الإشعاع. بالإضافة إلى ذلك، تشكل الجاذبية المنخفضة على الكوكب (38% من جاذبية الأرض) تحدياً صحياً محتملاً على المدى الطويل، حيث يمكن أن تؤدي إلى فقدان كتلة العظام والعضلات.

استغلال الموارد المحلية

تعد تقنيات استغلال الموارد المحلية (In-Situ Resource Utilization – ISRU) عنصراً حاسماً لنجاح البعثات البشرية طويلة المدى إلى كوكب المريخ. بدلاً من نقل جميع الإمدادات الضرورية من الأرض، وهو أمر مكلف جداً ومعقد، تهدف تقنيات ISRU إلى استخدام الموارد المتاحة على الكوكب لإنتاج الماء والأكسجين والوقود والمواد البنائية. على سبيل المثال، يمكن استخراج جليد الماء من التربة أو من الرواسب الجليدية تحت السطحية، ثم تحليله كهربائياً لإنتاج الأكسجين للتنفس والهيدروجين للوقود.

يمكن أيضاً استخدام ثاني أكسيد الكربون الوفير في الغلاف الجوي المريخي (95.3% من الغلاف الجوي) لإنتاج الأكسجين عبر عمليات كيميائية مختلفة، بما في ذلك التحليل الكهربائي وعملية “سابيتير” (Sabatier Process) التي تتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الهيدروجين لإنتاج الميثان والماء. بالفعل، تختبر تجربة “موكسي” (MOXIE) على متن المركبة الجوالة بيرسيفيرانس هذه التقنية، حيث نجحت في إنتاج الأكسجين من الغلاف الجوي المريخي، مما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في البعثات المستقبلية.

رؤية الاستيطان الدائم

على المدى الأبعد، يتصور بعض المخططين والمنظمات إنشاء مستوطنات بشرية دائمة على كوكب المريخ، وهو هدف طموح للغاية يتطلب تطوير بنية تحتية شاملة وأنظمة دعم حياة مستدامة. تشمل المقترحات لمثل هذه المستوطنات بناء قواعد تحت السطح أو في أنابيب الحمم البركانية للحماية من الإشعاع، وتطوير أنظمة زراعية في بيئات مغلقة لإنتاج الغذاء، وإنشاء مصانع لمعالجة المعادن والمواد المحلية.

تتطلب رؤية الاستيطان طويل المدى أيضاً معالجة قضايا قانونية وأخلاقية معقدة، بما في ذلك “حماية الكواكب” (Planetary Protection) لتجنب تلويث البيئة المريخية بميكروبات أرضية قد تعيق البحث عن حياة مريخية أصلية، وكذلك قضايا الملكية والحوكمة في الفضاء الخارجي. على الرغم من هذه التحديات الهائلة، يرى الكثيرون أن استكشاف واستيطان كوكب المريخ يمثل خطوة طبيعية في توسع الجنس البشري وضمان استمراريته على المدى الطويل.

الخاتمة

يبقى كوكب المريخ واحداً من أكثر الأجرام السماوية إثارة للاهتمام والدراسة في المجموعة الشمسية، حيث يجمع بين قربه النسبي من الأرض وخصائصه الفريدة التي تجعله هدفاً مثالياً للاستكشاف العلمي والبشري. كشفت عقود من الاستكشاف الروبوتي عن كوكب معقد ذي تاريخ جيولوجي غني، شهد تحولات مناخية دراماتيكية من عالم دافئ ورطب محتمل إلى الصحراء المتجمدة القاحلة التي نراها اليوم.

أسفرت الدراسات المكثفة للسطح المريخي عن اكتشافات مذهلة، من البراكين العملاقة والأودية الضخمة إلى الأدلة المقنعة على وجود الماء السائل في الماضي والجليد المائي في الحاضر. هذه الاكتشافات لا تعمق فهمنا لتاريخ كوكب المريخ فحسب، بل تفتح أيضاً إمكانيات مثيرة حول إمكانية وجود حياة ميكروبية قديمة أو حتى حالية في بيئات محمية تحت السطح. تستمر البعثات الاستكشافية الجارية والمخططة في دفع حدود معرفتنا، مع طموحات تتجاوز الاستكشاف الروبوتي نحو إرسال بشر إلى الكوكب الأحمر وربما إنشاء مستوطنات دائمة في المستقبل.

إن دراسة كوكب المريخ ليست مجرد سعي علمي أكاديمي، بل تحمل آثاراً عميقة على فهمنا لمكاننا في الكون وإمكانية وجود حياة خارج الأرض. مع تقدم التكنولوجيا وتزايد الاستثمار الدولي في استكشاف الفضاء، يبدو أن العقود القادمة ستشهد تطورات مذهلة في فهمنا لهذا العالم الغامض. سيظل الكوكب الأحمر محط أنظار البشرية، رمزاً لفضولنا العلمي وطموحنا الاستكشافي، ووجهة محتملة لتوسع الحضارة الإنسانية إلى ما وراء كوكبنا الأم. إن الأسرار التي لا تزال مخفية في تربة كوكب المريخ وصخوره وجليده تنتظر الكشف عنها، وكل اكتشاف جديد يقربنا خطوة نحو الإجابة عن الأسئلة الأساسية حول أصول الحياة وتاريخ المجموعة الشمسية ومستقبل البشرية في الفضاء.

سؤال وجواب

1. لماذا يُسمى المريخ بالكوكب الأحمر؟

يكتسب كوكب المريخ لونه الأحمر المميز من التركيب الكيميائي لسطحه، وتحديداً من وجود أكسيد الحديد الثلاثي المعروف بالصدأ. تغطي طبقة من الغبار الناعم الغني بأكاسيد الحديد معظم سطح الكوكب، مما يعطيه هذا المظهر المحمر الذي يمكن رؤيته بوضوح من الأرض بالعين المجردة. هذا اللون الأحمر جعل القدماء يربطونه بإله الحرب نظراً لتشابه لونه مع لون الدم.

2. كم تبلغ المسافة بين الأرض وكوكب المريخ؟

تتغير المسافة بين الأرض وكوكب المريخ باستمرار نظراً لأن كلا الكوكبين يدوران حول الشمس في مدارات إهليلجية مختلفة. تتراوح المسافة بين حوالي 54.6 مليون كيلومتر في أقرب نقطة، وهي حالة نادرة تحدث كل عامين تقريباً، وتصل إلى حوالي 401 مليون كيلومتر في أبعد نقطة عندما يكون الكوكبان على جانبين متقابلين من الشمس. يبلغ متوسط المسافة حوالي 225 مليون كيلومتر.

3. كم يستغرق اليوم والسنة على كوكب المريخ؟

يستغرق اليوم المريخي، المعروف باسم سول، حوالي 24 ساعة و37 دقيقة، أي أطول بقليل من اليوم الأرضي. أما السنة المريخية فتستغرق 687 يوماً أرضياً، أي ما يعادل 1.88 سنة أرضية تقريباً، لإكمال دورة كاملة حول الشمس. هذا الاختلاف الكبير في طول السنة يعني أن الفصول الموسمية على كوكب المريخ تستمر لفترات أطول بكثير من الفصول الأرضية.

4. هل يوجد ماء على كوكب المريخ؟

نعم، يوجد ماء على كوكب المريخ لكن بشكل رئيسي على هيئة جليد. اكتشفت البعثات الاستكشافية كميات كبيرة من جليد الماء في القمم القطبية وتحت السطح في مناطق مختلفة من الكوكب. لا يمكن للماء السائل أن يستقر على السطح حالياً بسبب الضغط الجوي المنخفض ودرجات الحرارة الباردة، لكن الأدلة الجيولوجية القوية تشير إلى أن الماء السائل كان وفيراً على السطح في الماضي البعيد منذ مليارات السنين.

5. ما هو أعلى جبل في كوكب المريخ؟

أعلى جبل على كوكب المريخ وفي المجموعة الشمسية بأكملها هو أوليمبوس مونس، وهو بركان درعي عملاق يبلغ ارتفاعه حوالي 21.9 كيلومتر فوق المستوى المرجعي للكوكب. يبلغ قطر قاعدته حوالي 600 كيلومتر، مما يجعله يغطي مساحة هائلة. هذا الجبل البركاني أعلى بأكثر من ضعفي ارتفاع جبل إيفرست على الأرض، ويعد من أبرز المعالم الجيولوجية في النظام الشمسي.

6. هل يمتلك كوكب المريخ غلافاً جوياً؟

نعم، يمتلك كوكب المريخ غلافاً جوياً لكنه رقيق جداً مقارنة بالغلاف الجوي الأرضي، حيث يبلغ الضغط الجوي على سطحه حوالي 1% فقط من الضغط على سطح الأرض. يتكون الغلاف الجوي المريخي بشكل رئيسي من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 95.3%، يليه النيتروجين والأرجون وكميات ضئيلة من غازات أخرى. هذا الغلاف الرقيق لا يوفر حماية كافية من الإشعاع ولا يحتفظ بالحرارة بشكل فعال.

7. كم عدد الأقمار التي تدور حول كوكب المريخ؟

يمتلك كوكب المريخ قمرين صغيرين هما فوبوس وديموس، وقد سميا على اسم أبناء إله الحرب في الأساطير اليونانية. فوبوس هو القمر الأكبر والأقرب بقطر 22.4 كيلومتر، ويدور حول الكوكب كل 7 ساعات و39 دقيقة فقط. أما ديموس فهو الأصغر بقطر 12.4 كيلومتر، ويكمل دورة كاملة كل 30.3 ساعة. كلا القمرين لهما شكل غير منتظم ويشبهان الكويكبات أكثر من الأقمار الكروية.

8. ما هي درجة الحرارة على سطح كوكب المريخ؟

تتراوح درجات الحرارة على كوكب المريخ بشكل كبير، حيث يبلغ متوسط درجة الحرارة حوالي 63 درجة مئوية تحت الصفر. يمكن أن ترتفع درجات الحرارة إلى حوالي 20 درجة مئوية خلال النهار عند خط الاستواء في فصل الصيف، بينما تنخفض إلى 125 درجة مئوية تحت الصفر في الليل أو عند القطبين في فصل الشتاء. هذا التفاوت الكبير في درجات الحرارة ناتج عن الغلاف الجوي الرقيق الذي لا يحتفظ بالحرارة بكفاءة.

9. هل يمكن للإنسان العيش على كوكب المريخ؟

حالياً، لا يمكن للإنسان العيش على سطح كوكب المريخ دون حماية ودعم حياتي متقدم، نظراً للظروف القاسية التي تشمل الضغط الجوي المنخفض جداً، ودرجات الحرارة المتجمدة، وانعدام الأكسجين، والتعرض للإشعاع الضار. لكن مع التكنولوجيا المناسبة، يمكن إنشاء بيئات محمية ومأوى مضغوط ونظم دعم حياة لتمكين البشر من البقاء على قيد الحياة. تعمل الوكالات الفضائية على تطوير التقنيات اللازمة لإرسال بعثات بشرية مأهولة في المستقبل.

10. لماذا يهتم العلماء بدراسة كوكب المريخ؟

يهتم العلماء بدراسة كوكب المريخ لعدة أسباب رئيسية، أهمها البحث عن أدلة على وجود حياة سابقة أو حالية، حيث تشير الأدلة إلى أن الكوكب كان يمتلك ظروفاً مناسبة للحياة في الماضي. كذلك، يساعد فهم تاريخ المريخ الجيولوجي والمناخي في فهم تطور الكواكب الصخرية بشكل عام، بما في ذلك الأرض. بالإضافة إلى ذلك، يمثل الكوكب وجهة محتملة للاستكشاف البشري المستقبلي والاستيطان، مما يجعله هدفاً إستراتيجياً للبحث العلمي والتطوير التقنولوجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى